الاثنين، 27 أبريل 2015

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر وفاته رضي الله عنه: توفي عبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وهو ابن اثنتين وسبعين ويقال خمس وسبعين

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر وفاته رضي الله عنه:
توفي عبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وهو ابن اثنتين وسبعين ويقال خمس وسبعين.
(1/133)

9- أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
واسمه مالك بن وهي






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

الثلاثاء، 21 أبريل 2015

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل وكثير من هؤلاء مضطربون في مسمى العادة التي تخرق

كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل وكثير من هؤلاء مضطربون في مسمى العادة التي تخرق
 والتحقيق أن العادة أمر إضافي فقد يعتاد قوم مالم يعتده غيرهم فهذه إذا خرقت فليست إلا لصدق النبي لا توجد بدون صدقه والرب تعالى في الحقيقة لا ينقض عادته التي هي سنته التي قال فيها سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا وقال فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا وهي التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين فهو سبحانه إذا ميز بعض المخلوقات بصفات يمتاز بها عن غيره ويختصه بها قرن بذلك من الأمور ما يمتاز به عن غيره ويختص به ولا ريب أن النبوة يمتاز بها الأنبياء ويختصون بها والله تعالى يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس وهو أعلم حيث يجعل رسالته فمن خصه بذلك كان له من الخصائص التي لا تكون لغيره ما يناسب ذلك فيستدل بتلك الخصائص على أنه من أهل الاختصاص بالنبوة وتلك سنته وعادته في أمثاله يميزهم بخصائص يمتازون بها عن غيرهم ويعلم أن أصحابها من ذلك الصنف المخصوص الذين هم الانبياء مثلا ولم تكن له سبحانه عادة بان يجعل مثل آيات الانبياء لغيرهم حتى يقال إنه خرق عادته ونقضها بل عادته وسنته المطردة أن تلك الآيات لا تكون الا مع النبوة والإخبار بها لا مع التكذيب بها أو الشك فيها كما أن سنته وعادته أن محبته ورضاه وثوابه لا يكون إلا لمن عبده وأطاعه وأن سنته وعادته أن يجعل العاقبة للمتقين وسنته وعادته أنه ينصر رسله والذين آمنوا كما قال تعالى ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا وكل ما يظن أنه خرقه من العادات فله أسباب انخرقت فيها تلك العادات فعادته وسنته لا تتبدل اذ أفعاله جارية على وجه الحكمة والعدل هذا قول الجمهور وأما من لا يثبت سببا ولا حكمة ولا عدلا فإنهم يقولون انه يخرق عادات لا لسبب ولا لحكمة ويجوزون أن يقلب الجبل ياقوتا والبحر لبنا والحجارة آدميين ونحو


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 234 ]  


ذلك مع بقاء العالم على حاله ثم يقولون مع هذا ولكن نعلم بالضرورة أنه لم يفعل ذلك ويقولون العقل هو علوم ضرورية كالعلوم بجاري العادات وهذا تناقض بين فإنهم اذا جوزوا هذا ولم يعلموا فرقا بين ما يقع منه وما لا يقع كان الجزم بوقوع هذا دون هذا جهلا وغاية ما عندهم ان قالوا يخلق في قلوبنا علم ضروري بأن هذا لم يقع ويخلق في قلوبنا علم ضروري بأن الله خرق العادة لتصديق هذا النبي فيقال اذا كان قد جعل الله في قلوبكم علما ضروريا كما جعله في قلوب أمثالكم فأنتم صادقون فيما تخبرون به عن أنفسكم من العلم الضروري لكن خطاكم اعتقادكم أن العادات قد ينقضها الله بلا سبب ولا لحكمة فهذا ليس معلوما لكم بالضرورة وخطاكم من حيث جوزتم ان يكون شيئان متساويان من كل وجه ثم يعلم بضرورة أو نظر ثبوت أحدهما وانتفاء الآخر فإن هذا تفريق بين المتماثلين وهذا قدح في البديهيات فإن أصل العلوم العقلية النظرية اعتبار الشيء بمثله وأن حكمه حكم مثله فإذا جوزتم أن يكون الشيئان متماثلين من كل وجه وأن العقل يجزم بثبوت أحدهما وانتفاء الآخر كان هذا قدحا في أصل كل علم وعقل وإذا قلتم ان العادات جميعها سواء وان الله يفعل ما يفعل بلا سبب ولا حكمة بل محض المشيئة مع القدرة رجحتم هذا على هذا وقلتم لا فرق بين قلب الجبال بواقيت والبحار لبنا وبين غير ذلك من العادات وجوزتم أن يجعل الله الحجارة آدميين علماء من غير سبب تغير به المخلوقات كان هذا قدحا في العقل فلا أنتم عرفتم سنة الله المعتادة في خلقه ولا عرفتم خاصة العقل وهو التسوية بين المتماثلين فإنه سبحانه لم يخرق قط عادة الا لسبب يناسب ذلك فلق البحر لموسى وغير ذلك من الآيات التي بعث بها فإن ذلك خلقه ليكون آية وعلامة وكان ذلك بسبب نبوة موسى وانجائه قومه وبسبب تكذيب فرعون ومن جوز أن ذلك البحر أو غيره ينفلق كما انفلق لموسى من غير أن يكون هناك سبب إلهي يناسب ذلك فهو مصاب في عقله ولهذا اضطرب أصحاب هذا القول ولم يكن عندهم ما يفرقون بين دلائل النبوة وغيرها وكانت آيات الانبياء والعلم بأنها آيات ان حققوها على وجهها فسدت أصولهم وإن طردوا أصولهم كذبوا العقل والسمع ولم يمكنهم لا تصديق الانبياء ولا العلم بغير ذلك من


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 235 ]  


أفعال الله تعالى التي يفعلها بأسباب وحكم كما قد بسط هذا في موضع آخر
فصل ودليل الشيء مشروط بتصور المدلول عليه فلا يعرف آيات الانبي









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات

الاثنين، 20 أبريل 2015

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر صفته( عبدالرحمن بن عوف ): كان طويلا رقيق البشرة فيه جنأ أبيض مشربا حمرة ضخم الكفين اقنى وقال ابن إسحاق كان ساقط

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر صفته( عبدالرحمن بن عوف ):
كان طويلا رقيق البشرة فيه جنأ أبيض مشربا حمرة ضخم الكفين اقنى وقال ابن إسحاق كان ساقط الثنيتين اعرج اصيب يوم أحد فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر اصابة بعضها في رجله فعرج.
ذكر أولاده:
كان له من الولد سالم الاكبر مات قبل الإسلام أمه أم كلثوم بنت عبتة بن ربيعة وام القاسم ولدت في الجاهلية وامها بنت شيبة بن ربيعة ومحمد وإبراهيم وحميد واسماعيل وجميدة وامة الرحمن امهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ومعن وعمر وزيد وأمه الصغرى امهم سهلة بنت عاصم بن عدي وعروة الاكبر أمه بحرية بنت هانيء وسالم الاصغر أمه سهلة بنت سهيل بن عمرو وأبو بكر أمه أم حكيم بنت قارظ وعبد الله أمه بنت أبي الخشاش وأبو سلمة وهو عبد الله الاصغر وأمه تماضر بنت الاصبغ
__________
8- هو: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي الزهري أحد العشرة أسلم قديما ومناقبه شهيرة مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل: غير ذلك.
1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الطهارة وأبو داود في كتاب الطهارة حديث 152. باب المسح على الخفين وأحمد في المسند حديث 18196.
(1/131)

وعبد الرحمن أمه سماء بنت سلامة ومصعب وامنة ومريم امهم أم حريث من سبي بهرا وسهيل أبو الابيض أمه مجد بنت يزيد وعثمان أمه غزال بنت كسرى أم ولد وعروة ويحيى وبلال لامهات أولاده وام يحيى وامها زينب بنت الصباح وجويرية امها بادية بنت غيلان.
وعن ثابت البنايني عن أنس قال بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها إذ سمعت صوتا رجت منه المدينة فقالت ما هذا قالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام وكانت سبعمائة راحلة فقالت عائشة اما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن فأتاها فسالها عما بلغه فحدثته قال فاني اشهدك انها باحمالها واقتابها واحلاسها في سبيل الله عز وجل1.
وعنه قال بينا عائشة في بيتها سمعت صوتا في المدينة فقالت ما هذا؟ قالوا عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء قال وكانت سبعمائة بعير قال فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال ان استطعت لادخلنها قائما فجعلها باقتابها واحمالها في سبيل الله عز وجل رواه الإمام أحمد2.
وعن أم بكرينت المسور بن مخرمة عن ابيها قال باع عبد الرحمن بن عوف أرضا له من عثمان باربعين الف دينار فقسم ذلك المال في بني زهرة وفقراء المسلمين وامهات المؤمنين وبعث إلى عائشة معي بمال من ذلك المال فقالت عائشة اما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون" سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة3.
وعن الزهري قال تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم بشطر ماله اربعة الاف ثم تصدق باربعين الفا ثم تصدق باربعين الف دينار ثم حمل على خمسمائة
__________
1 ضعيف: اخرجه أحمد في المسند حديث 24896. والطبراني في الكبير حديث 264. وأبو نعيم في الحلية 1/142. رقم 311. وانظر كنز العمال 33500- 36676.
2 أنظر التخريج المتقدم.
3 حسن: أخرجه أحمد في المسندحديث 24778. والحاكم في المستدرك حديث 5356. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه لذهبي فقال: ليس بمتصل وأبو نعيم في الحلية 1/142. رقم 312.
(1/132)

فرس في سبيل الله تعالى ثم حمل على الف وخمسمائة راحلة في سبيل الله تعالى وكان عامة ماله من التجارة.
وعن جعفر بن برقان قال بلغني ان عبد الرحمن بن عوف اعتق ثلاثين الف بيت.
وعن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف اتي بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن في بردة ان غطي رأسه بدت رجلاه وان غطي رجلاه بدا رأسه واراه قال وقتل حمزة وهو خير مني يعني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال اعطينا من الدنيا ما اعطينا وقد خشينا ان تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام انفرد باخراجه البخاري.
وعن نوفل بن اياس الهذلي قال كان عبد الرحمن لنا جليسا وكان نعم الجليس وانه انقلب بنا يوما حتى دخلنا بيته ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا واتينا بصحفة فيها خبز ولحم فلما وضعت بكى عبد الرحمن بنعوف فقلنا له يا أبا محمد ما يبكيك فقال هلك رسول الله. صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ولا ارانا اخرنا لها لما هو خير لنا.
وعن سعيد بن حسين قال كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده.
وعن أيوب عن محمد ان عبد الرحمن بن عوف توفي وكان فيما ترك ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت ايدي الرجال منه وترك اربع نسوة فاخرجت امرأة من ثمنها بثلاثين الفا.
ذكر وفاته رضي الله عنه:
توفي عبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وهو 






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : 8- أبو محمد عبد الرحمن بن عوف:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
8- أبو محمد عبد الرحمن بن عوف:
ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.
كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الحارث وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله. صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن.
أمه الشفاء بنت عوف أسلمت وهاجرت.
أسلم عبد الرحمن قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين وشهد المشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك ذهب للطهارة فجاء وعبد الرحمن قد صلى بهم ركعة فصلى خلفه واتم الذي فاته وقال: "ما قبض نبي حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته" 1.
وعن أبي سلمة عن أبيه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته فادركهم وقت الصلاة فأقاموا الصلاة فتقدمهم عبد الرحمن فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى مع الناس خلفه ركعة فلما سلم قال: "أصبتم" أو "أحسنتم".
ذكر صفته:
كان طويلا رقيق البشرة فيه جنأ أبيض مشربا حمرة ضخم الكفين اقنى وق






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

السبت، 18 أبريل 2015

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل فالذين سموا هذه الآيات خوارق العادات وعجائب ومعجزات اذا جعلوا ذلك شرطا فيها وصفة لازمة لها بحيث لا تكون الآيات الا كذلك فهذا صحيح

كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل فالذين سموا هذه الآيات خوارق العادات وعجائب ومعجزات اذا جعلوا ذلك شرطا فيها وصفة لازمة لها بحيث لا تكون الآيات الا كذلك فهذا صحيح وإن كانت هذه الامور قد تجعل أمرا عاما فتكون متناولة لآيات الانبياء وغيرها كالحيوان الذي ينقسم الى انسان وغير انسان وأما اذا جعلوا ذلك حدا لها وضابطا فلا بد أن يقيدوا كلامهم مثل أن يقولوا خوارق للعادات التي تختص الانبياء أو يقولوا خوارق عادات الناس كلهم غير الانبياء فإن آياتهم لا بد أن تخرق عادة كل أمة من الأمم وكل طائفة من الطوائف لا تختص آياتهم بخرق عادة بلد معين ولا من أرسلوا اليه بل تخرق عادة جميع الخلق إلا الانبياء فإنها اذا كانت معتادة للأنبياء مثل الخبر الصادق بغيب الله تعالى الذي لا يعرف إلا من جهتهم فما كان معتادا للانبياء دون غيرهم فهو من أعظم آياتهم وبراهينهم وإن كان معتادا لهم فإن الدليل هو ما يستلزم المدلول عليه فإذا لم يكن ذلك معتادا الا لنبي كان مستلزما للنبوة وكان من أتى به لا يكون إلا نبيا وهو المطلوب بل لو كان مستلزما للصدق ولا يأتي به الا صادق لكان المخبر عن نبوة نبي إما نبوة نفسه أو نبوة غيرها إذا كان كاذبا لم يحصل له مثل ذلك الدليل الذي هو مستلزم للصدق ولا يحصل أيضا لمن كذب بنبوة نبي صادق اذ هو أيضا كاذب وانما يحصل لمن أخبر بنبوة نبي صادق وحينئذ فيكون ذلك الدليل مستلزما للخبر الصادق بنبوة النبي وهذا هو المطلوب


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 227 ]  


فإن مدلول الآيات سواء سميت معجزات أو غيرها هو الخبر الصادق بنبوة النبي ومدلولها إخبار الله وشهادته بأنه نبي وأن الله أرسله فقول الله محمد رسول الله وقوله إني رسول الله إليكم وقول كل مؤمن انه رسول الله كل ذلك خبر عن رسالته وهذا هو مدلول الآيات وقد يكون مدلول الآيات نفس النبوة التي هي مخبر هذا الخبر ويكون الدليل مثل خبر من الأخبار وهذا من جنس الاول فما دل على نفس النبوة دل على صدق المخبر بها وما دل على صدق المخبر بها دل عليها وأما نفس إخبار الرب بالنبوة وإعلامه بها وشهادته بها قولا وعملا فهو إخبار منه بها وهو الصادق في خبره فإخباره هو دليل عليها فإنه لا يقول الا الحق ولا يخبر الا بالصدق وايضا فهو الذي أنشأ الرسالة وإرساله بكلامه قد يكون إنشاء للرسالة وقد يكون إخبارا عن إرساله كالذي يرسل رسولا من البشر قد يرسله والناس يسمعون فيقول له اذهب الى فلان فقل له كذا وكذا وقد يرسله بينه وبينه ثم يقول للناس إني قد أرسلته ويرسله بعلامات وآيات يعرف بها المرسل اليه صدقه وكذلك اذا وصفت بأنها معجزات فلا بد أن يعجز كل من ليس بنبي ولم يشهد للنبي بالنبوة فتعجز جميع المكذبين للرسول والشاكين في نبوته من الجن والانس وكذلك إذا قيل هي عجائب والعجب ما خرج عن نظيره فلم يكن له نظير فلا بد أن يكون من العجائب التي لا نظير لها أصلا عند غير الانبياء لا من الجن ولا من الانس فإذا كان ليس لها نظير في شيء آخر فهذا يؤيد أنها من خصائص الانبياء ومن آياتهم فهذا الموضع من فهمه فهما جيدا تبين له الفرقان في هذا النوع فإن كثيرا من الناس يصفها بأنها خوارق ومعجزات وعجائب ونحو ذلك ولا يحقق الفرق بين من يجب أن يخرق عادته ومعجزه ومن لا يجب أن يكون في حقه كذلك فالواجب أن يخرق عادة كل من لم يقر بنبوة الانبياء فلا يكون لمكذب بنبوتهم ولا لشاك وقولنا يخرق عادتهم هو من باب العادة التي تثبت بمرة ليس من شرط فسادها أن تقع غير مرة مع انتفاء الشهادة بالنبوة بل متى وقعت مرة واحدة مع انتفاء الشهادة بالنبوة لم تكن مختصة بشهادة النبوة ولا بالنبوة فلا يجب أن تكون آية وقولنا ولا يجب أن


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 228 ]  


تخرق عادات الأنبياء ولم نقل ولا يجوز أن تخرق عادات الانبياء بل قد تكون خارقة أيضا لعادات الانبياء وقد خص بها نبي واحد مثل أكثر آيات الانبياء فإن كل نبي خص بآيات لكن لا يجب في آيات الانبياء ان تكون مختصة بنبي بل ولا يجب أن يختص ظهورها على يد النبي بل متى اختصت به وهي من خصائصه كانت آيه له سواء وجدت قبل ولادته أو بعد موته أو على يد أحد من الشاهدين له بالنبوة فكل هذه من آيات الانبياء والذين قالوا من شرط الآيات أن تقارن دعوى النبوة غلطوا غلطا عظيما وسبب غلطهم أنهم لم يعرفوا ما يخص بالآيات ولم يضبطوا خارق العادة بضابط يميز بينها وبين غيرها بل جعلوا ما للسحرة والكهان هو أيضا من آيات الانبياء إذا اقترن بدعوى النبوة ولم يعارضه معارض وجعلوا عدم المعارض هو الفارق بين النبي وغيره وجعلوا دعواه النبوة جزءا من الآية فقالوا هذا الخارق إن وجد مع دعوى النبوة كان معجزة وإن وجد بدون دعوى النبوة لم يكن معجزة فاحتاجوا لذلك أن يجعلوه مقارنا للدعوى قالوا والدليل على ذلك أن مثل آيات الانبياء يأتي في آخر الزمان إذا جاءت أشراط الساعة ومع ذلك ليس هو من آياتهم وكذلك قالوا في كرامات الأولياء وليس الامر كذلك بل أشراط الساعة هي من آيات الانبياء من وجوه منها أنهم أخبروا بها قبل وقوعها فإذا جاءت كما أخبروا كان ذلك من آياتهم ومنها أنهم أخبروا بالساعة فهذه الاشراط مصدقة لخبرهم بالساعة وكل من آمن بالساعة آمن بالانبياء وكل من كذب الانبياء كذب الساعة قال تعالى وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغي اليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون وقال تعالى وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به فكل من آمن بالآخرة فقد آمن بالقرآن فاذا جاءت أشراط الساعة كانت دليلا على صدق خبرهم أن الساعة حق وأن القرآن حق وكان هذا من الآيات الدالة على صدق ما جاء به الرسول من القرآن وهو المطلوب فلا يوجد خرق عادة


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 229 ]  


لجميع الناس إلا وهو من آيات الانبياء وكذلك الذي يقتله الدجال ثم يحييه فيقوم فيقول أنت الأعور الكذاب الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ازددت فيك إلا بصيرة فيريد الدجال أن يقتله فلا يقدر على ذلك فهذا الرجل بعد أن قتل وقام يقول للدجال أنت الأعور الكذاب الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ازددت فيك بهذا القتل إلا بصيرة ثم يريد الدجال أن يقتله فلا يقدر عليه فعجزه عن قتله ثانيا مع تكذيب الرجل له بعد أن قتله وشهادته للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة هو من خوارق العادات التي لا توجد إلا لمن شهد للأنبياء بالرسالة وهذا الرجل هو من خيار أهل الأرض المسلمين فهذا الخارق الذي جرى فيه هو من خصائص من شهد لمحمد بالنبوة فهو من أعلام النبوة ودلائلها وكونه قتل أولا أبلغ في الدلالة فإن ذلك لم يزغه ولم يؤثر فيه وعلم أنه لا يسلط عليه مرة ثانية فكان هذا اليقين والإيمان مع عجزه عنه هو من خوارق الآيات ومعلوم أن قتله ممكن في العادة فعجزه عن قتله ثانيا هو الخارق للعادة ودل ذلك على أن إحياء الله له لم يكن معجزة للدجال ولا ليبين بها صدقه لكن أحياه ليكذب الدجال وليبين أن محمدا رسول الله وأن الدجال كذاب وأنه هو الأعور الكذاب الذي أنذر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الدجال وسأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لأمته إنه أعور وإن الله ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن قارئ وغير قارئ وفي بعض الأحاديث الصحيحة واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت فذكر لهم آيات ظاهرة يشترك فيها الناس تبين لهم كذبه فيما يدعيه من الربوبية اذ كان كثير من الناس يجوزون ظهور الإله في البشر النصارى وغير النصارى وما يأتي به الدجال إنما يحار فيه ويراه معارضا لآيات الانبياء من لم يحكم الفرقان فقوم يكذبون أن يأتي بعجيب ويقولون ما معه الا التمويه كما قالوا في السحر والكهانة مثل كثير من المعتزلة والظاهرية كابن حزم وقوم يقولون لما ادعى الإلهية كانت الدعوى معلومة البطلان فلم يظهر الخارق كما يقول ذلك القاضي أبو بكر وطائفة ويدعون أن النصارى اعتقدت في المسيح الإلهية لكونه أتى بالخوارق مع إقراره بالعبودية فكيف بمن يدعي الالهية ولكن هذا الخارق الذي يظهره


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 230 ]  


الله في هذا الرجل الصالح الذي طلب منه الدجال أن يؤمن به فلم يفعل بل كذبه وقال أنت الأعور الدجال الذي أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم فقتله ثم أحياه الله فقال له أنت الأعورالدجال فكذبه قبل أن قتل وبعد ما أحياه الله وأراد الدجال قتله ثانية فلم يمكن فعجزه عن قتله ثانيا من أعظم الخوارق مع تكذيبه وأما إحياؤه مع تكذيبه له أولا وعجزه ثانيا عن قتله فليس بخارق فهذا إحياء معين معه دلائل معدودة تبين أنه من الآيات الدالة على صدق الرسول لا على صدق الدجال وتبين بذلك أن الآيات جميعها تدل على صدق الأنبياء فان آيات الله مرة أو مرتين أو ثلاثا لا يشترط في ذلك تكرار بل شرطها ان لا يكون لها نظير في العالم لغير الانبياء ومن يشهد بالنبوة ولم يوجد لغيرهم كان هذا دليلا على أنها مختصة بالانبياء ومن أطلق خرق العادة ولم يفسره ويبينه فلم يعرف خاصتها بل ظن أن ما وجد من السحر والكهانة خرق عادة أو ظن أن خرق العادة أن لا يعارضها معارض من المرسل اليهم وكثير من المتنبئين الكذابين أتوا بخوارق من جنس خوارق السحرة والكهان ولم يكن من أولئك القوم من أتى بمثلها لكن قد علم أن في العالم مثلها في غير ذلك المكان أو في غير ذلك الزمان وإنما الخارق كما قال في القرآن قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ولهذا قال في آيات التحدي أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين وقال في تلك الآية فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا أن ما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فلم يكتف بعجز المدعوين بل أمرهم أن يدعوا الى معاونتهم كل من استطاعوا أن يدعوه من دون الله وهذا تعجيز لجميع الخلق الانس والجن والملائكة وقال في البقرة وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين أي ادعوا كل من يشهد لكم فيوافقكم على أن هذا ليس من عند الله ادعوا كل من لم يقر بأن هذا منزل من الله فهذا تعجيز لكل من لم يؤمن به ومن آمن به وبقي في ريب بل قد علم أنه من عند الله وهذا التحدي في البقرة وهي مدنية بعد يونس وهود ولهذا


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 231 ]  


قال وإن كنتم في ريب وهناك قال ام يقولون افتراه فهذا تحد لكل مرتاب وذاك تحد لكل مثل مكذب ولهذا قيل في ذلك من استطعتم فإنه أبلغ وقيل في هذا شهداءكم وقد قال بعض المفسرين شهداءكم آلهتكم وقال بعضهم من يشهد أن الذي جئتم به مثل القرآن والصواب أن شهداءهم الذين يشهدون لهم كما ذكره ابن اسحاق باسناده المعروف عن ابن عباس قال شهداءكم من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه وقال السدي عن أبي مالك شهداءكم من دون الله أي شركاءكم فإن هؤلاء هم الذين يتصور منهم المعارضة اذا كانوا في ريب منه أما من أيقن أنه من عند الله فانه يمتنع أن يقصد معارضته لعلمه بان الخلق عاجزون عن ذلك والله تعالى شهد لمحمد بما أظهره من الآيات فادعوا من يشهد لكم وهؤلاء يشهدون من دون الله لا يشهدون بما شهد الله به فتكون شهادتهم مضادة لشهادة الله كما قال لكن الله يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وقال قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب كما قال شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم وقد قلنا يجوز أن تكون آياتهم خارقة لعادة جميع الخلق الا للنبي لكن لا يجب هذا فيها فإن قيل قد ذكرتم أن آيات الانبياء هي الخوارق التي تخرق عادة جميع الثقلين فلا تكون لغير الانبياء ولغير من شهد لهم بالنبوة وهذا كلام صحيح فصلتم به بين آيات الانبياء وغيرهم بفصل مطرد منعكس بخلاف من قال هي خرق العادة ولم يميز بينها وبين غيرها وتكلم في خرق العادة بكلام متناقض تارة يمنع وجود السحر والكهانة وتارة يجعل هذا الجنس من الآيات ولكن الفرق عدم المعارضة لكن لم يذكروا الفرق في نفس الامر ونفس كونها معجزة وخارقا وآية لماذا كان وما هو الوصف الذي امتازت به حتى صارت آية ودليلا دون غيرها فذكرتم الدليل لكن لم تذكروا الحقيقة التي بها صار الدليل دليلا قيل لا بد أن تكون مما يعجز عنها الانس والجن فان هذين الثقلين بعث اليهم الرسل كما قال تعالى يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 232 ]  


وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين وقال تعالى وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين والانس والجن منهم من آمن بالرسل ومنهم من كذبهم فلا بد أن يكون مما لا يقدر عليها جنس الانس والجن ثم الكرامات يخص بها المؤمنين من الطائفتين وأما آيات الأنبياء التي بها تثبت نبوتهم وبها وجب على الناس الإيمان بهم فهي أمر يخص الانبياء لا يكون للاولياء ولا لغيرهم بل يكون من المعجزات الخارقة للعادات الناقضة لعادات جميع الانس والجن غير الانبياء فما كان الإنس أو الجن يقدرون عليه فلا يكون وحده آية للنبي وما تقدر عليه الملائكة فذاك قد يكون من آياتهم لانهم لم يرسلوا الى الملائكة والملائكة لا تفعل شيئا الا بإذن الله فما تفعله الملائكة معهم فهو بإذن الله وهو ما خص به الانبياء بخلاف الإنس والجن وخاصتها التي تمتاز بها عن غيرها أن تكون آية ودليلا على نبوتهم فكل ما استلزم نبوتهم فهو آية لهم وما لا يستلزم نبوتهم فليس بآية وليست مختصة بجنس من الموجودات بل تكون في جنس العلم والاخبار بغيب الرب الذي اختص به وتكون في جنس القدرة والتصرف والتأثير في العالم وهي مقدورة للرب فله سبحانه أن يجعلها في أي جنس كان من المقدورات ولهذا تنوعت آيات الانبياء بل النبي الواحد تتنوع آياته فليس القرآن الذي هو قول الله وكلامه من جنس انشقاق القمر ولا هذا وهذا من جنس تكثير الطعام والشراب كنبع الماء من بين الاصابع وهذا كما أن آيات الرب الدالة على قدرته ومشيئته وحكمته وأمره ونهيه لا تختص بنوع فكذلك آيات أنبيائه فهذا مما ينبغي أن يعرف ولكن خاصتها أنها لا تكون إلا مستلزمة لصدق النبي وصدق الخبر بأنه من نبي فلا تكون لمن يكذبه قط ولا يقدر أحد من مكذبي الانبياء أن يأتي بمثل آيات الانبياء وأما مصدقوهم فهم معترفون بأن ما يأتون به هو من آيات الانبياء مع أنه لا تصل آيات الاتباع الى مثل آيات المتبوع مطلقا وإن كانوا قد يشاركونه في بعضها كاحياء الموتى وتكثير الطعام والشراب فلا يشركونه في القرآن وفلق البحر وانشقاق القمر لأن الله فضل الانبياء على غيرهم


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 233 ]  


وفضل بعض النبيين على بعض فلا بد أن يمتاز الفاضل بما لا يقدر المفضول على مثله اذ لو أتى بمثل ما أتى لكان مثله لا دونه
فصل وكثير من هؤلاء مضطربون في مسمى العادة التي تخرق والتحقيق أن العادة أمر إضافي فقد يعتاد قوم مالم يعتده غيرهم فهذه إذا خرق









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : قتل الزبير يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين ويقال ستين ويقال بضع وخمسين قتله ابن جرموز.

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
قتل الزبير يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين ويقال ستين ويقال بضع وخمسين قتله ابن جرموز.

عن زر قال استأذن ابن جرموز على علي وأنا عبده فقال علي بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لكل نبي حواري وحواريي الزبير" 1.
وعن عبد الله بن الزبير قال جعل الزبير يوم الجمل يوصيني دينه ويقول إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي قال فوالله ما دريت ما اراد حتى قلت يا ابة من مولاك قال الله قال ما وقعت في كربه من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضيه وإنما دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه آباه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فأني أخشى عليه الضيعة.
قال فحسب ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين فبعتهما يعني وقضيت دينه فقال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا فقلت والله اقسم بينكم حتى أنادى بالموسم أربع سنين إلا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه.
فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم.
وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف انفرد بإخراجه هذا الحديث البخاري2.
__________
1 حسن: أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/105.
2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس حديث 3129. باب 13. بركة الغازي في ماله حيا وميتا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر.
(1/130)

8- أبو محمد عبد الرحمن بن عوف:
ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن ك






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه: عن أبي الأسود قال أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ...

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه:

عن أبي الأسود قال أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين وهاجر وهو ابن ثماني عشرة سنة وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار وهو يقول ارجع إلى الكفر فيقول الزبير لا اكفر أبدا.
__________
7- هو: الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو عبد الله القرشي الأسدي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة قتل سنة ست وثلاثين بعد منصرفه من وقعة الجمل.
(1/128)

وعن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل قال كان إسلام الزبير بعد إسلام أبي بكر كان رابعا أو خامسا.
وعن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ابويه يوم أحد1.
وعن عبيد الله بن الزبير قال لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الاطم الذي فيه نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم اطم حسان وكان يرفعني وارفعه فإذا رفعني عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة وكان يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فقال من يأتي بني قريظة فيقاتلهم فقلت له حين رجع يا ابة إن كنت لاعرفك حين تمر ذاهبا إلى بني قريظة فقال يا بني أما والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجمع لي أبويه جميعا يتفداني بهما ويقول: "فداك أبي وأمي" أخرجاه في الصحيحين2.
وعن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم الخندق ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حواري وحواريي الزبير" أخرجاه في الصحيحين3.
وعن سعيد بن المسيب قال أول من سل سيفا في سبيل الله الزبير بن العوام بينا هو بمكة إذا سمع نغمة يعني صوتا أن النبي. صلى الله عليه وسلم قد قتل فخرج عريانا ما عليه شيء في يده السيف صلتا فتلقاه النبي. صلى الله عليه وسلم كفة بكفة فقال له: "ما لك يا زبير؟ " قال سمعت انك قد قتلت قال: "فما كنت صانعا؟ " قال أردت والله أن استعرض أهل مكة قال فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم4.
وعن عمرو بن مصعب بن الزبير قال قاتل الزبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة فكان يحمل على القوم.
وعن نهيك قال كان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهم
__________
1 صحيح: أخرجه ابن ماجة في المقدمة حديث 123. فضل الزبير رضي الله عنه وأحمد في المسند رقم 1408.
2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة حديث 3719. باب 13 مناقب الزبير بن العوام ومسلم رقم 2416. وأحمد في المسند حديث 1423.
3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة حديث 3719. باب 13. مناقب الزبير بن العوام ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2415. باب 6. فضائل طلحة والزبير رضي الله عنه.
4 ضعيف: أخرجه الحاكم حديث 5551. وابن عساكر 9/13. وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/132. رقم 280. وفيه ابن لهيعة.
(1/129)

يقول يتصدق بها وفي رواية أخرى فكان يقسمه كل ليلة ثم يقوم إلى منزله ليس معه منه شيء.
وعن جويرية قالت باع الزبير دارا له بستمائة ألف قال فقيل له يا أبا عبد الله غبنت قال كلا والله لتعلمن اني لم اغبن هي في سبيل الله.
وعن علي بن زيد قال أخبرني من رأى الزبير وان في صدره مثل العيون من الطعن والرمي.
وعن قيس بن أبي حازم عن الزبير بن العوام قال من استطاع منكم أن يكون له جنى من عمل صالح فليفعل.
ذكر مقتله رضي الله عنه:
قتل الزبير يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين وي






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل في معنى خرق العادة وأن الاعتبار أن تكون خارقة لعادة غير الانبياء مطلقا بحيث تختص بالانبياء فلا توجد الا مع الإخبار بنبوتهم وأما إخبار الكهان....

كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل في معنى خرق العادة وأن الاعتبار أن تكون خارقة لعادة غير الانبياء مطلقا بحيث تختص بالانبياء فلا توجد الا مع الإخبار بنبوتهم وأما إخبار الكهان ببعض الامور الغائبة لإخبار الشياطين لهم بذلك وسحر السحرة بحيث يموت الانسان من السحر أو يمرض ويمنع من النكاح ونحو ذلك مما هو باعانة الشياطين فهذا أمر موجود في العالم كثير معتاد يعرفه الناس ليس هذا من خرق العادة بل هو من العجائب الغريبة التي يختص بها بعض الناس كما يختص قوم بخفة اليد والشعبذة وقوم بالسباحة الغريبة حتى يضطجع أحدهم على الماء وكما يختص قوم بالقيافة حتى يباينوا بها غيرهم وكما يختص قوم بالعيافة ونحو ذلك مما هو موجود ولهذا كان مكذبو الرسل يجعلون آياتهم من جنس السحر وهذا مستقر في نفوسهم أن الساحر ليس برسول ولا نبي كما في قصة موسى لما قالوا ان هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحرة فماذا تأمرون قال تعالى كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 220 ]  


وهذا لحيرتهم وضلالتهم تارة ينسبون إلى الجنون وعدم العقل وتارة الى الحذق والخبرة التي ينال بها السحر فان السحر لا يقدر عليه ولا يحسنه كل أحد لكن العجائب والخوارق المقدورة للناس منها ما سببه من الناس بحذقهم في ذلك الفن كما يحذق الرجل في صناعة من الصناعات وكما يحذق الشاعر والخطيب والعالم في شعره وخطابته وعلمه وكما يحذق بعض الناس في رمي النشاب وحمل الرمح وركوب الخيل فهذه كلها قد يأتي الشخص منها بما لا يقدر عليه أهل البلد بل أهل الاقليم لكنها مع ذلك مقدورة مكتسبة معتاده بدون النبوة قد فعل مثلها ناس آخرون قبلهم أو في مكان آخر فليست هي خارقة لعادة غير الانبياء مطلقا بل توجد معتادة لطائفة من الناس وهم لا يقولون انهم أنبياء ولا يخبر أحد عنهم بأنهم أنبياء ومن هنا دخل الغلط على كثير من الناس فإنهم لما رأوا آيات الانبياء خارقة للعادة لم يعتد الناس مثلها اخذوا مسمى خرق العادة ولم يميزوا بين ما يختص به الانبياء ومن أخبر بنبوتهم وبين ما يوجد معتادا لغيرهم واضطربوا في مسمى هذا الاسم كما اضطربوا في مسمى المعجزات ولهذا لم يسمها الله في كتابه إلا آيات وبراهين فإن ذلك اسم يدل على مقصودها ويختص بها لا يقع على غيرها لم يسمها معجزة ولا خرق عادة وان كان ذلك من بعض صفاتها فهي لا تكون آية وبرهانا حتى تكون قد خرقت العادة وعجز الناس عن الإتيان بمثلها لكن هذا بعض صفاتها وشرط فيها وهو من لوازمها لكن شرط الشيء ولازمه قد يكون أعم منه وهؤلاء جعلوا مسمى المعجزة وخرق العادة هو الحد المطابق لها طردا وعسكا كما أن بعض الناس يجعل اسمها أنها عجائب وآيات الانبياء اذا وصفت بذلك فينبغي أن تقيد بما يختص بها فيقال العجائب التي أتت بها الانبياء وخوارق العادات والمعجزات التي ظهرت على أيديهم أو التي لا يقدر عليها البشر أو لا يقدر عليها الانس والجن أو لا يقدر عليها الا الله بمعنى أنه لا يقدر عليها أحد بحيلة واكتساب كما يقدرون على السحر والكهانة فبذلك تتميز آياتهم عما ليس من آياتهم وإلا فلفظ العجائب قد يدخل فيه بعض الناس الشعبذة ونحوها والتعجب في اللغة يكون من أمر خرج عن نظائره وما خرج عن نظائره فقد خرق تلك العادة المعينة في نظائره فهو أيضا خارق للعادة وهذا شرط في آيات الانبياء أن


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 221 ]  


لا يكون لها نظير لغير الانبياء ومن يصدقهم فإذا وجد نظيرها من كل وجه لغير الانبياء ومن شهد لهم بالنبوة لم تكن تلك من آياتهم بل كانت مشتركة بين من يخبر بنبوتهم ومن لا يخبر بنبوتهم كما يشترك هؤلاء وهؤلاء في الطب والصناعات وأما السحر والكهانة فهو من إعانة الشياطين لبني آدم فإن الكاهن يخبره الجن وكذلك الساحر انما يقتل ويمرض ويصعد في الهواء ونحو ذلك باعانة الشياطين له فأمورهم خارجة عما اعتاده الانس باعانة الشياطين لهم قال تعالى ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال أوليائهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله فالجن والانس قد استمتع بعضهم ببعض فاستخدم هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء في أمور كثيرة كل منهم فعل للآخر ما هو غرضه ليعينه على غرضه والسحر والكهانة من هذا الباب وكذلك ما يوجد لعباد الكفار من المشركين وأهل الكتاب ولعباد المنافقين والملحدين من المظهرين للاسلام والمبتدعين منهم كلها باعانة الجن والشياطين لكن الشياطين تظهر عند كل قوم بما لا ينكرونه فإذا كان القوم كفارا لا ينكرون السحر والكهانة كما كانت العرب وكالهند والترك المشركين ظهروا بهذا الوصف لأن هذا معظم عند تلك الأمة وإن كان هذا مذموما عند أولئك كما قد ظهر ذم هؤلاء عند أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى أظهرته الشياطين فيمن يظهر العبادة ولا يكون مخلصا لله في عبادته متبعا للانبياء بل يكون فيه شرك ونفاق وبدعة فتظهر له هذه الامور التي ظهرت للكهان والسحرة حتى يظن أولئك أن هذه من كرامات الصالحين وأن ما هو عليه هذا الشخص من العبادة هو طريق أولياء الله وإن كان مخالفا لطريق الانبياء حتى يعتقد من يعتقد أن لله طريقا يسلكها اليه أولياؤه غير الايمان بالانبياء وتصديقهم وقد يعتقد بعض هؤلاء أن في هؤلاء من هو أفضل من الانبياء وحقيقة الامر أن هؤلاء عارضوا الانبياء كما كانت تعارضهم السحرة والكهان كما عارضت السحرة لموسى وكما كان كثير من المنافقين يتحاكمون إلى بعض الكهان دون النبي صلى الله عليه وسلم ويجعلونه نظير النبي وكان في العرب عدة من هؤلاء وكان بالمدينة منهم أبو


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 222 ]  


برزة الاسلمي قبل أن يسلم كان كاهنا وقد قيل ان الذي أنزل الله تعالى فيه الم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وقد ذكر قصته غير واحد من المفسرين ولما كان الذين يعارضون آيات الانبياء من السحرة والكهان لا يأتون بمثل آياتهم بل يكون بينهما شبه كشبه الشعر بالقرآن ولهذا قالوا في النبي إنه ساحر وكاهن وشاعر مجنون قال تعالى انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا فجعلوا له مثلا لا يماثله بل بينهما شبه مع وجود الفارق المبين وهذا هو القياس الفاسد فلما كان الشعر كلاما له فواصل ومقاطع والقرآن آيات له فواصل ومقاطع قالوا شاعر ولكن شتان وكذلك الكاهن يخبر ببعض المغيبات ولكن يكذب كثيرا وهو يخبر بذلك عن الشياطين وعليه من آثارهم ما يدل على أنه أفاك أثيم كما قال تعالى هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ثم قال والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون فذكر سبحانه الفرق بين النبي وبين الكاهن والشاعر وكذلك الساحر لما كان يتصرف في العقول والنفوس بما يغيرها وكان من سمع القرآن وكلام الرسول خضع له عقله ولبه وانقادت له نفسه وقلبه صاروا يقولون ساحر وشتان وكذلك مجنون لما كان المجنون يخالف عادات الكفار وغيرهم لكن بما فيه فساد لا صلاح والانبياء جاءوا بما يخالف عادات الكفار لكن بما فيه صلاح لا فساد قالوا مجنون قال تعالى كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون فتارة يصفونه بغاية الحذر والخبرة والمعرفة فيقولون ساحر وتارة بغاية الجهل والغباوة والحمق فيقولون مجنون وقد ضلوا في هذا وهذا كما قال تعالى انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا فهم بمنزلة السائر في الطريق وقد ضل عنها يأخذ يمينا وشمالا ولا يهتدي الى السبيل التي تسلك والسبيل التي يجب سلوكها قول الصدق والعمل بالعدل


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 223 ]  


والكهانة والسحر يناقض النبوة فإن هؤلاء تعينهم الشياطين تخبرهم وتعاونهم بتصرفات خارقة ومقصودهم الكفر والفسوق والعصيان والانبياء تعينهم الملائكة هم الذين يأتونهم فيخبرونهم بالغيب ويعاونونهم بتصرفات خارقة كما كانت الملائكة تعين النبي صلى الله عليه وسلم في مغازية مثل يوم بدر أمده الله بألف من الملائكة ويوم حنين قال ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم وقال تعالى ان لا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وقال تعالى اذ يوحي ربك الى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب وقد بين سبحانه أن الذي جاء بالقرآن ملك كريم ليس بشيطان فقال إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالافق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون ولما كانت الانبياء مؤيدة بالملائكة والسحرة والكهان تقترن بهم الشياطين كان من الفروق التي بينهم الفروق التي بين الملائكة والشياطين والمتفلسفة الذين لم يعرفوا الملائكة والجن كابن سينا وأمثاله ظنوا أن هذه الخوارق من قوى النفس قالوا والفرق بين النبي والساحر أن النبي يأمر بالخير والساحر يأمر بالشر وجعلوا ما يحصل للممرور من هذا الجنس اذ لم يعرفوا صرع الجن للانسان وإن الجني يتكلم على لسان الانسان كما قد عرف ذلك الخاصة والعامة وعرفه علماء الأمة وأئمتها كما قد بسط في غير هذا الموضع والجهمية المجبرة الذين قالوا ان الله قد يفعل كل ممكن مقدور لا ينزهونه عن فعل شيء ويقولون انه يفعل بلا سبب ولا حكمة وهو الخالق بجميع الحوادث لم يفرقوا بين ما تأتي به الملائكة ولا ما تأتي به الشياطين بل الجميع يضيفونه الى الله على حد واحد ليس في ذلك حسن ولا قبيح عندهم حتى يأتي الرسول فقبل ثبوت


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 224 ]  


الرسالة لا يميزون بين شيء من الخير والشر والحسن والقبيح فلهذا لم يفرقوا بين آيات الانبياء وخوارق السحرة والكهان بل قالوا ما يأتي به السحرة والكهان يجوز أن يكون من آيات الانبياء وما ياتي به الانبياء يجوز أن يظهر على أيدي السحرة والكهان لكن ان دل على انتفاء ذلك نص أو إجماع نفوه مع أنه جائز عندهم أن يفعله الله لكن بالخبر علموا أنه لم يفعله فهؤلاء لما رأوا ما جاءت به الانبياء وعلموا أن آياتهم تدل على صدقهم وعلموا ذلك اما بضرورة وإما بنظر واحتاجوا الى بيان دلائل النبوة على أصلهم كان غاية ما قالوا أنه كل شيء يمكن أن يكون آية للنبي بشرط أن يقترن بدعواه وبشرط أن يتحدى بالاتيان بالمثل فلا يعارض ومعنى التحدي بالمثل أن يقول لمن دعاهم ائتوا بمثله وزعموا أنه اذا كان هناك سحرة وكهان وكانت معجزته من جنس ما يظهر على أيديهم من السحر والكهانة فإن الله لا بد أن يمنعهم عن مثل ما كانوا يفعلونه وأن من ادعى منهم النبوة فانه يمنعه من تلك الخوارق أو يقيض له من يعارضه بمثلها فهذا غاية تحقيقهم وفيه من الفساد ما يطول وصفه وطاعة الجن والشياطين لسليمان صلوات الله عليه لم تكن من جنس معاونتهم للسحرة والكهان والكفار وأهل الضلال والغي ولم تكن الآية والمعجزة والكرامة التي أكرمه الله بها هي ما كانوا يعتادونه مع الانس فإن ذلك انما كان يكون في أمور معتادة مثل اخبارهم أحيانا ببعض الغائبات ومثل إمراضهم وقتلهم لبعض الانس كما أن الانسي قد يمرض ويقتل غيره ثم هم انما يعاونون الانس على الإثم والعدوان إذا كانت الاناسي من أهل الإثم والعدوان يفعلون ما تهواه الشياطين فتفعل الشياطين بعض ما يهوونه قال تعالى ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال أوليائهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وأما التسخير الذي سخروه لسليمان فلم يكن لغيره من الانبياء فضلا عمن ليس بنبي وقد سأل ربه ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فقال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب قال تعالى فسخروا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الاصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 225 ]  


حساب وقال تعالى ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره على الارض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا له حافظين وقال تعالى ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلناله عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل دواد شكرا وقليل من عبادي الشكور فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين وكذلك ما ذكره من قول العفريت له أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك فهذه الطاعة من التسخبر بغير اختيارهم في مثل هذه الاعمال الظاهرة العظيمة ليس مما فعلته بأحد من الانس وكان ذلك بغير أن يفعل شيئا مما يهوونه من العزائم والاقسام والطلاسم الشركية كما يزعم الكفار أن سليمان سخرهم بهذا فنزهه الله عن ذلك بقوله واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وأما طاعة الجن لنبينا وغيره من الرسل كموسى فهذا نوع آخر فان هذا طاعتهم فيما أمرهم الله به من عبادته وطاعته كطاعة الانس لنبينا حيث أرسل الى الطائفتين فدعاهم الى عبادة الله وحده وطاعته ونهاهم عن معصيته التي بها يستحقون العذاب في الآخرة وكذلك الرسل دعوهم إلى ذلك وسليمان منهم لكن هذا انما ينتفع به منهم من آمن طوعا ومن لم يؤمن فإنه يكون بحسب شريعة ذلك الرسول هل يترك حتى يكون الله هو الذي ينتقم منه أو يجاهد وسليمان كان على شريعة التوراة واستخدامه لمن لم يؤمن منهم هو مثل استخدام الاسير الكافر فحال نبينا مع الجن والانس أكمل من حال سليمان وغيره فإن طاعتهم لسليمان كانت طاعة ملكية فيما يشاء وأما طاعتهم لمحمد فطاعة نبوة ورسالة فيما يأمرهم به من عبادة الله وطاعة الله واجتناب معصية الله فان سليمان كان نبيا ملكا ومحمد صلى الله عليه وسلم كان عبدا رسولا مثل ابراهيم وموسى وسليمان مثل داود ويوسف وغيرهما مع أن داود


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 226 ]  


وسليمان ويوسف هم رسل أيضا دعوا إلى توحيد الله وعبادته كما أخبر الله أن يوسف دعا أهل مصر لكن بغير معاداة لمن لم يؤمن ولا إظهار مناوأة بالذم والعيب والطعن لما هم عليه كما كان نبينا أول ما انزل عليه الوحي وكانت قريش اذ ذاك تقره ولا تنكر عليه إلى أن أظهر عيب آلهتهم ودينهم وعيب ما كانت عليه آباؤهم وسفه أحلامهم فهنالك عادوه وآذوه وكان ذلك جهادا باللسان قبل أن يؤمر بجهاد اليد قال تعالى ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا وكذلك موسى مع فرعون أمره أن يؤمن بالله وأن يرسل معه بني إسرائيل وان كره ذلك وجاهد فرعون بالزامه بذلك بالآيات التي كان الله يعاقبهم بها إلى أن أهلكه الله وقومه على يديه
فصل فالذين سموا هذه الآيات خوارق العادات وعجائب ومعجزات اذا جعلوا ذلك شرطا فيها وصفة لازم









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات

الجمعة، 17 أبريل 2015

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل فقد تبين أن من آيات الانبياء ما يظهر مثله على اتباعهم ويكون ما يظهر على أتباعهم من آياتهم فان ذلك مختص بمن يشهد بنبوتهم فهو مستلزم له لا

كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل فقد تبين أن من آيات الانبياء ما يظهر مثله على اتباعهم ويكون ما يظهر على أتباعهم من آياتهم فان ذلك مختص بمن يشهد بنبوتهم فهو مستلزم له لا تكون تلك الآيات الا لمن أخبر بنبوتهم وإذا لم يخبر بنبوتهم لم تكن له تلك الآيات وهذا حد الدليل وهو أن يكون مستلزما للمدلول عليه فإذا عدم المدلول عليه عدم الدليل ولهذا من السلف من يأتي بالآيات دلالة على صحة الاسلام وصدق الرسول كما ذكر أن خالد بن الوليد شرب السم لما طلب منه آية ولم يضره
فصل في معنى خرق العادة وأن الاعتبار أن تكون خارقة لعادة غير الانبياء مطلقا بحيث تختص بالانبياء فلا توجد الا مع الإخبار بنبوتهم وأم









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات

الثلاثاء، 14 أبريل 2015

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل والله تعالى سماها آيات وبراهين وهو اسم مطابق لمسماه مطرد لا ينتقض فلا تكون قط إلا آيات لهم وبراهين وأما تسميتها بخرق العادة فللناس في

كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل والله تعالى سماها آيات وبراهين وهو اسم مطابق لمسماه مطرد لا ينتقض فلا تكون قط إلا آيات لهم وبراهين وأما تسميتها بخرق العادة فللناس في ذلك ثلاثة أقوال أحدها أن ذلك حد لها مطرد منعكس فكل خرق هو معجزة للنبي فهو خرق عادة والثاني أن خرق العادة شرط فيها وليس بحد لها فيجب أن تكون خارقة لعادة ولكن ليس كل خارق للعادة يكون آية لنبي كأشراط الساعة بل أن يقع على وجه مخصوص مثل دعوى النبوة والاستدلال بها والتحدي بمثلها مع عجز الناس عن معارضته والقول الثالث أن كونها خارقة للعادة ليس بحد ولا شرط قال القاضي أبو بكر في مناظرته في الكرامات ويقال لهم أيضا إن من الناس من لا يشترط في الآية المعجزة أن تكون خارقة للعادة ويقول إنما تكون آية اذا كانت من فعل الله مع التحدي بمثلها ودعوى النبوة فدلالتها على وجه لا يمكن أن يشترك في ادعائه الصادق والكاذب فإذا ظهرت على هذا الوجه كانت آية لمن فعلت على يده قال المجيبون بهذا ولهذا لم تكن أشراط الساعة آية لاحد وان خرقت العادة اذ لم يكن معها دعوى نبوة ولأن موت زيد عند قول الرسول آيتي أن يميت الله زيدا عند دعائي موته فإذا مات عند دعوته صار ذلك آية له وإن كان فعل الموت في الانسان وغيره من الحيوان معتادا قال ان قالوا لو كان كذلك لكان من قال آيتي


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 207 ]  


أن تطلع الشمس وتغرب ويأتي الليل والنهار والضياء والظلام وفعل ذلك مع دعواه الرسالة كان آية له وإن لم يكن المفعول من ذلك خارقا للعادة فلما لم يكن كذلك وإن كان واقعا من فعل الله مع دعوى النبوة لكونه غير خارق للعادة بطل ما قلتموه يقال لهم قد أجبنا عن هذا حين قلنا ويكون الواقع من فعل الله مع دعوى النبوة مما لا يشترك فيه الصادق والكاذب ويستوي مع ظهوره دعوى المحق والمبطل وطلوع الشمس وغروبها ولو قال النبي آيتي أن يظلنا السحاب الساعة وتزلزل الارض وتحدث الامطار بدعوى فحدث ذلك لكان آية له وإن كان مثل ذلك قد يحدث في العصر ويشاهد فإذا قال المتنبي انني معارضه وآيتي في كوني نبيا ظهور مثل ذلك منع منه ولم يحدث قلت هذا الذي ذكروه هو أيضا خرق للعادة فإن ظهور مثل ذلك على هذا الوجه مما لم تجر به العادة وهو نفسه القاضي أبو بكر في هذا الكتاب كتاب البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسحر والنيرنجيات قد قال قبل هذا باب القول في معنى العادة وانخراقها والعادة التي اذا انخرقت دلت على صدق الرسل والاعتياد للأمر وتفصيل ذلك وتنزيله واعلموا رحمكم الله أن الكل من سائر الامم قد شرطوا في صفة المعجز أن يكون خارقا للعادة وإذا كان ذلك واجبا وجب معرفة هذه العادة ومعرفة انخرافها فقد حكي هنا الإجماع وهناك صرح بالاختلاف وقوى ذلك القول وسبب ذلك اضطرابهم في معنى العادة وانخراقها فان كل قوم يفهمون غير ما يفهمه الآخرون والله تعالى انما سماها آيات وهذا القول الذي ذكره وقواه وهو لا يشترط فيها أن تكون خارقة للعادة هو حقيقة قول القاضي وأمثاله من المتكلمين الأشعرية ومن وافقهم كالقاضي أبي يعلى وأمثاله فإن المعجزات عندهم لا تختص بجنس من الأجناس المقدورات بل خاصتها أن النبي يحتج بها ويتحدى بمثلها فلا يمكن معارضته فاشترطوا لها وصفين أن تكون مقترنة بدعوى النبوة وجعلوا المدلول جزءا من الدليل وأنها لا تعارض وبالاول فرقوا بينها وبين الكرامات وبه وبالثاني فرقوا بينها وبين السحر والكهانة وصرحوا بأن جميع خوارق السحرة والكهان يجوز أن تكون معجزة لنبي لكن إذا كانت معجزة لم تمكن معارضتها فلو ادعى ساحر أو كاهن النبوة لكان الله


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 208 ]  


يعجزه عن تلك الخوارق التي علم أن غيره من السحرة والكهان يفعل مثلها وليس بنبي وما يأتي به الانبياء من المعجزات جوزوا أن يأتي بمثله الساحر والكاهن إلا ما منع منه السمع للإجماع على أن الساحر لا يقلب العصا حية وهذا الفرق ليس يختص به أحد النوعين ولا ضابط له وصرحوا بأنه لا يستثنى من الخوارق إلا ما انعقد عليه الإجماع وصرحوا بأن العجائب الطبيعية مثل جذب حجر المغناطيس الحديد يجوز أن يكون معجزة لكن بشرط أن لا يعارض وكذلك الطلاسم وكذلك الامور المعتادة يجوز أن تكون معجزة بشرط أن يمنع غيره منها فتكون المعجزة منع المعتاد فالخاصة عندهم فيها أنها لا تعارض وأنها تقترن بدعوى النبوة وقد يشترطون أن تكون خارقة للعادة لكن يكتفون بمنع المعارض فهو وحده خرق للعادة فلا يشترطون هذا وهذا وقد اشترط القاضي أبو بكر أن يكون مما يختص الرب بالقدرة عليه ولا حقيقة له فإن جميع الحوادث كذلك عندهم وكل ما خرج عن محل قدرة العبد فالرب عندهم مختص بفعله كخوارق السحرة والكهان وحقيقة الامر أنه لا فرق عندهم بين المعجزات والكرامات والسحر والكهانة لكن هذه إذا لم تقترن بدعوى النبوة لم تكن آية وإذا اقترنت بها كانت آية بشرط أن لا تعارض ثم انه لما أثبت النبوة قال انه يجوز على النبي فعل كل شيء من الكبائر الا أن يمنع من ذلك سمع كما قال كل ما كان معجزة للانبياء يجوز أن يأتي به الساحر إلا أن يمنع منه سمع اذ كان في نفس الامر لا فرق بين فعل وفعل بل يجوز من الرب كل شيء فيجوز أن يبعث كل أحد ولا يقيم على نبوته دليلا هذا حقيقة قولهم انه يجوز أن يبعث كل احد وإنه اذا بعثه لا يقيم دليلا على نبوته بل يلزم العباد بتصديقه بلا دليل يدلهم على صدقه فإن غاية هذا تكليف مالا يطاق وهم يجوزونه وهذا الذي قالوه باطل من وجوه متعددة قد بسطت في غير هذا الموضع منها أنهم جعلوا المدلول عليه وهو اخبارالنبي بنبوته وشهودها وثبوتها جزءا من الدليل قالوا لأنها لو كانت معجزة لجنسها لم تقع الا معجزة والخوارق التي تكون أمام الساعة ليست معجزة لأحد فعلم ان الدليل هو مجموع دعوى النبوة والخارق والجواب عن هذا من وجهين أحدهما أن تلك من آيات الله تعالى


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 209 ]  


فالخوارق التي لا يقدر عليها العباد كلها آيات الله تعالى وهي دالة على ما تظهر دلالتها عليه تارة تكون تخويفا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده والتخويف يتضمن الامر بطاعته والنهي عن معصيته وأشراط الساعة آيات على قربها وعلى جزاء الأعمال وهو يتضمن الامر بالطاعة والنهي عن المعصية والثاني أن يقال هي آيات على صدق الانبياء فإنهم أخبروا بها وهي آية على ما اخبروا به وعلى صدقهم وأيضا فإن عامة معجزات الرسول لم يكن يتحدى بها ويقول ائتوا بمثلها والقرآن انما تحداهم لما قالوا إنه افتراه ولم يتحدهم به ابتداء وسائر المعجزات لم يتحد بها وليس فيما نقل تحد إلا بالقرآن لكن قد علم أنهم لا يأتون بمثل آيات الانبياء فهذا لازم لها لكن ليس من شرط ذلك أن يقارن خبره وايضا فمن آيات الانبياء ما كان قبل ولادتهم وقبل إنبائهم وما يكون بعد موتهم فإن الآية دليل على صدق الخبر بأنه رسول الله وهذا الدليل لا يختص لا بمكان ولا زمان ولا يكون هذا الدليل إلا من جنس لا يقدر عليه الإنس كلهم ولا الجن فلا بد أن يكون جنسه معجزا أعجز الانس والجن وأما قولهم خاصة المعجز عدم المعارضة فهذا باطل وإن كان عدم المعارضة لازما له فإن هذا العدم لا يعلم إذ يمكن أن يعارضه من ليس هناك إذا كان مما يعلم أنه معتاد مثل خوارق السحرة والكهان فإنه وإن لم يمكن أن يعارض في هذا الموضع ففي السحرة والكهان من يفعل مثلها مع أنه ليس بنبي ودليل النبوة يمتنع ثبوته بدون النبوة وإذا قالوا الدليل هو مجموع الدعوى والدليل تبين خطأهم وان القوم لم يعرفوا دلائل النبوة ولا اقاموا دليلا على نبوة الانبياء كما لم يقيموا دليلا على وجود الرب فليس في كتبهم ما يدل على الرب تعالى ولا على رسوله مع أن هذا هو المقصود من أصول الدين وايضا فمسيلمة والعنسي لم يكن عندهما من يعارضهما وأيضا فالمعارض ان اعتبروه في المدعوين وهذا مقتضى في خرق العادة وإن العادات تختلف فلكل قوم عادة قالوا فالمعتبر خرق عادة من أرسل اليهم وعلى هذا فإذا أرسل الى بني اسرائيل ففعل مالم يقدروا عليه كان آية وإن كان ذلك


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 210 ]  


مما يقدر عليه العرب ويقدر عليه السحرة والكهان وصرحوا بأن السحر الذي قال الله فيه وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر يجوز أن يكون من معجزات الانبياء اذا لم يعارض وقد قال الرازي أن السمعيات لا يحتج بها لأن دلالتها مشروطة بعدم المعارض العقلي وذلك غير معلوم وكذلك يقال في معجزات هؤلاء إن خاصتها عدم المعارضة فإن اعتبروا أن أحدا من الخلق لا يعارض فهذا لا يعلم وإن اكتفوا بأن لا يعارض في ذلك المكان والزمان فكثير من الصناعات والعجائب والعلوم من هذا الباب وهم لا ينكرون هذا بل يقولون المعجز هو هذا مع دعوى النبوة وقد تبين أن الشيء في نفسه إذا لم يكن دليلا لم يصر دليلا باستدلال المستدل به بل هو في نفسه دليل وإن لم يستدل به اذ كان الدليل هو المستلزم للمدلول فدليل صدق النبي هو يدل على أنه نبي وأن الخبر بنبوته صدق وإن كان هو لا يستدل بذلك ولا يتحدى بمثلها وقد لا يخبر بنبوة نفسه ويكون له دلائل تدل على نبوته كما كانت قبل أن يولد وفي الامكنة البعيدة فتبين أن قول هؤلاء هو أنه لا يعلم ما يستدل به على نبوة الانبياء وهذا اذا انضم الى أصلهم وهو أن الرب يجوز عليه فعل كل شيء صارا شاهدين بأنه على أصلهم لا دليل على النبوة اذ كان عندهم لا فرق بين فعل من الرب وفعل وعندهم لا فرق بين جنس وجنس في اختصاصه بالانبياء به فليس في أجناس المعقولات ما يكون آية تختص بالانبياء فيستلزم نبوتهم بل ما كان لهم قد يكون عند غيرهم حتى السحرة والكهان وهم أعداؤهم وفرقوا بعدم المعارضة وهذا فرق غير معلوم وهو مجرد دعوى قالوا لو ادعى الساحر والكاهن النبوة لكان الله ينسيه الكهانة والسحر ولكان له من يعارضه لان السحر والكهانة هي معجزة عندهم وفي هذه الاقوال من الفساد عقلا وشرعا ومن المناقضة لدين الاسلام وللحق ما يطول وصفه ولا ريب أن قول من أنكر وجود هذه الخوارق أقل فسادا من هذا ولهذا يشنع عليهم ابن حزم وغيره بالشناعات العظيمة ولهذا يقيم أكابر فضلائهم مدة يطلبون الفرق بين المعجزات والسحر فلا يجدون فرقا اذ لا فرق عندهم في نفس الامر والتحقيق أن آيات الانبياء مستلزمة للنبوة ولصدق الخبر بالنبوة فلا يوجد إلا مع الشهادة للرسول بأنه


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 211 ]  


رسول لا يوجد مع التكذيب بذلك ولا مع عدم ذلك البتة وليست من جنس ما يقدر عليه لا الانس ولا الجن فان ما يقدر عليه الانس والجن يفعلونه فلا يكون مختصا بالانبياء ومعنى كونها خارقة للعادة أنها لا توجد إلا للنبوة لا مرة ولا أقل ولا أكثر فالعادة هنا تثبت بمرة والقاضي أبو بكر يقول ان ما فعل مرات يسيرة لا يكون معتادا وفي كلامه في هذا الباب من الاضطراب ما يطول وصفه وهو رأس هؤلاء الذين اتبعوه كالقاضي أبي يعلى وأبي المعالي والرازي والآمدي وغيرهم وما يأتي به السحرة والكهان يمتنع أن يكون آية لنبي بل هو آية على الكفر فكيف يكون آية للنبوة وهو مقدور للشياطين وآيات الانبياء لا يقدر عليها جن ولا إنس وآيات الانبياء آيات لجنسها فحيث كانت آية لله تدل على مثل ما أخبرت به الانبياء وإن شئت قلت هي آيات لله يدل بها على صدق الانبياء تارة وعلى غير ذلك تارة وما يكون للسحرة والكهان لا يكون من آيات الانبياء بل آيات الانبياء مختصة بهم وأما كرامات الاولياء فهي أيضا من آيات الانبياء فإنها إنما تكون لمن تشهد لهم بالرسالة فهي دليل على صدق الشاهد لهم بالنبوة وأيضا فإن كرامات الاولياء معتادة من الصالحين ومعجزت الانبياء فوق ذلك فانشقاق القمر والإتيان بالقرآن وانقلاب العصا حية وخروج الدابة من صخرة لم يكن مثله للاولياء وكذلك خلق الطير من الطين ولكن آياتهم صغار وكبار كما قال تعالى فأراه الآية الكبرى فلله تعالى آية كبيرة وصغيرة وقال عن نبيه محمد لقد رأى من آيات ربه الكبرى فالآيات الكبرى مختصة بهم وأما الآيات الصغرى فقد تكون للصالحين مثل تكثير الطعام فهذا قد وجد لغير واحد من الصالحين لكن لم يوجد كما وجد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أطعم الجيش من شيء يسير فقد يوجد لغيرهم من جنس ما وجد لهم لكن لا يماثلون في قدره فهم مختصون إما بجنس الآيات فلا يكون لمثلهم كالإتيان بالقرآن وانشقاق القمر وقلب العصا حية وانفلاق البحر وأن يخلق من الطين كهيئة الطير وإما بقدرها وكيفيتها كنار الخليل فإن أبا مسلم الخولاني وغيره صارت النار عليهم بردا وسلاما لكن لم تكن مثل نار ابراهيم في عظمتها كما وصفوها فهو مشارك للخليل في جنس الآية كما هو مشارك في جنس الايمان محبة


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 212 ]  


الله وتوحيده ومعلوم أن الذي امتاز به الخليل من هذا لا يماثله فيه أبو مسلم وأمثاله وكذلك الطيران في الهواء فإن الجن لا تزال تحمل ناسا وتطير بهم من مكان إلى مكان كالعفريت الذي قال لسليمان أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك لكن قول الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك لا يقدر عليه العفريت ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم الى بيت المقدس ليريه الله من آياته الكبرى أمر اختص به بخلاف من يحمل من مكان الى مكان لا ليريه الله من آياته الكبرى أمر اختص به ولا يعرج الى السماء فهؤلاء كثيرون وهذا مبسوط في غير هذا الموضع والمقصود هنا أن هؤلاء حقيقة قولهم انه ليس للنبوة آية تختص بها كما أن حقيقة قولهم إن الله لا يقدر أن يأتي بآية تختص بها وإنه لو كان قادرا على ذلك لم يلزم أن يفعله بل ولم يفعله فهذان أمران متعلقان بالرب اذ هو عندهم لا يقدر أن يفعل شيئا لشيء والآية انما تكون آية اذا فعلها لتدل ولو قدر أنه قادر فهم يجوزون عليه فعل كل شيء فيمكن أنه لم يجعل على صدق النبي دليلا وأما الذي ذكرناه عنهم هنا فإنه يقتضي أنه لا دليل عندهم على نبوة النبي بل كل ما قدر دليلا فإنه يمكن وقوعه مع عدم النبوة فلا يكون دليلا فهم هناك حقيقة قولهم انا لا نعلم على النبوة دليلا وهنا حقيقة قولهم إنه لا دليل على النبوة ولهذا كان كلامهم في هذا الباب منتهاه التعطيل ولهذا عدل الغزالي وغيره عن طريقهم في الاستدلال بالمعجزات لكون المعجزات على أصلهم لا تدل على نبوة نبي وليس عندهم في نفس الامر معجزات وإنما يقولون المعجزات علم الصدق لانها في نفس الامر كذلك وهم صادقون في هذا لكن على اصلهم ليست دليلا على الصدق ولا دليل على الصدق فآيات الأنبياء تدل على صدقهم دلالة معلومة بالضرورة تارة وبالنظر أخرى وهم قد يقولون إنه يحصل العلم الضروري بأن الله صدقه بها وهي الطريقة التي سلكها أبو المعالي والرازي وغيرهما وهي طريقة صحيحة في نفسها لكن تناقض بعض أصولهم فالقدس ليس في آيات الأنبياء لكن في الأقوال الفاسدة التي تنافض ما هو معلوم بالضرورة عقلا وما هو أصل الايمان شرعا ومن عرف تناقضهم في الاستدلال يعرف أن الآفة في فساد قولهم لا في جهة صحة الدلالة فقد


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 213 ]  


يظهر بلسانه ما ليس في قلبه كالمنافقين الذين يقولون في أول سورة المنافقون نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون ولقد صدق الإمام أحمد في قوله علماء الكلام زنادقة وطريقة القرآن فيها الهدى والنور والشفاء سماها آيات وبراهين فآيات الانبياء مستلزمة لصدقهم وصدق من صدقهم وشهد لهم بالنبوة والآيات التي يبعث الله بها انبياء قد يكون مثلها لأنبياء أخر مثل إحياء الموتى فقد كان لغير واحد من الأنبياء وقد يكون إحياء الموتى على يد أتباع الانبياء كما قد وقع لطائفة من هذه الامة ومن أتباع عيسى فإن هؤلاء يقولون نحن إنما أحيى الله الموتى على أيدينا لاتباع محمد أو المسيح فبايماننا بهم وتصديقنا لهم أحيى الله الموتى على أيدينا فكان إحياء الموتى مستلزما لتصديقه عيسى ومحمدا لم يكن قط مع تكذيبهما فصار آية لنبوتهم وهو أيضا آية لنبوة موسى وغيره من أنبياء بني اسرائيل الذين أحيى الله الموتى على أيديهم وليس مدلول الآيات هو مجرد دعواه أن الله أرسلني وإخباره عن نفسه بذلك لأن ذلك معلوم بالحس لمن سمعه وبالتواتر لمن لم يسمعه بل صدقه في هذا الخبر وهو ثبوت نبوته فالآية مستلزمة لصدقه وثبوت نبوته ومن أخبر غيره عن إرسال الله له وأتى هذا المخبر بآية كانت أيضا آية على صدق هذا المخبر وثبوت نبوة النبي فان من أخبر عن نبوة نبي من الانبياء وأتى بآية على صدقه في خبره كانت تلك آية ودليلا على نبوة النبي وأن إخبار المخبر بنبوته صدق بل كون غيره هو المخبر الآتي بالعلامة أبلغ ولهذا كانت من أعظم آيات النبي إخبار غيره من الانبياء بنبوته فإن قال آخر إنه كذب وأتى بمثل تلك الآية بطلت الدلالة المعينة ولا يلزم من بطلان دليل معين بطلان سائر الأدلة فان الدليل يجب طرده ولا يجب عكسه ولو جاء من قال إن فلانا أرسلني ومعه شخص فصدقه وقال إنه أمرني أن أخبركم بأني رسوله بعلامة كيت وكيت لكان ذلك أبلغ وكل من علم صدق النبي فقد صدقه أنه أن يعلم الناس أن الله يشهد له بالنبوة ويحكم بينه وبين منازعيه بتصديقه وتكذيبهم وذلك بآياته وعلاماته يبين بها أنه مصدق للرسول وقد يصدقه


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 214 ]  


بكلامه الذي قد بين أنه كلامه فكونه في نفسه آية وعلامة إذ كان لا يمكن الجن والانس أن يأتوا بمثله فهو من أعظم الآيات وبغير ذلك فالآيات كلها شهادة بالنبوة وإخبار بها وتصديق للمخبر فهي تستلزم ثبوت النبوة في نفسها وأن صاحب الآيات قد نبأه الله وأوحى اليه كما أوحي إلى غيره من الانبياء وتستلزم أيضا صدق الإخبار بأنه نبي فهو اذا قال إني نبي كان صادقا وكذلك كل من أخبر بنبوته فإنه يكون صادقا وثبوت الشيء وصدق من أخبر به متلازمان فكل حق ثابت إذا أخبر به مخبر فهو صادق وكل خبر صادق فقد تحقق مخبره فالخبر الصادق هو ومخبره متلازمان يلزم من صدق الخبر تحقق مخبره ومن تحقق الشيء صدق المخبر به بخلاف الكذب فإنه ومخبره ليسا متلازمين بل الخبر الكذب يوجد مع انتفاء مخبره والمخبر به يتحقق على صفة خلاف ما في الخبر الكاذب فلهذا كانت الآيات والعلامات والدلائل ونحو هذا كما تدل على المدلول وأنه حق ثابت فهي أيضا تدل على صدق من أخبر به كائنا من كان فمن قال اني ابن فلان وقامت بينة بنسبة فهي تثبت صدقه وصدق كل من قال هو ابن فلان وكذلك البينة التي تشهد برؤية الهلال هي تشهد بصدق كل من أخبر بطلوعه وكذلك كل دليل دل على مدلول فهو دليل على صدق كل من أخبر بذلك المدلول عليه وكذلك اذا قال الصادق ان الله أرسلني فهذا خبر منه عن ارسال الله فالآية الدالة على صدقه تدل على صدق كل من قال ان الله أرسله فالآيات الدالة على صدق محمد اذا قال ما أمره الله به في قوله قل يا أيها الناس إني رسول الله اليكم جميعا هي دالة على صدق كل من قال أشهد أن محمدا رسول الله فجميع آياته وآيات الانبياء الذين أخبروا بنبوته كموسى والمسيح وأنبياء بني اسرائيل وغيرهم كلها آيات ومعجزات تبين صدق كل واحد من المؤمنين به الذين يقول أحدهم أشهد أن محمدا رسول الله سواء قالها مجردة أو قالها في صلاته أو عقب طهارته أو متى ما قالها ليست آيات النبوة دالة على أنه وحده هو الصادق في قوله اني رسول الله اليكم جميعا بل الآيات تصدقه وتصدق كل من شهد له بالرسالة وهكذا سائر الادلة الدالة على مدلول فإنها تدل على صدق من أخبر بذلك المدلول عليه من جميع الخلق وقد عرف أن الدليل لا بد أن


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 215 ]  


يكون مختصا بالمدلول عليه مستلزما له فآيات الانبياء وسائر أنواع الآيات والأدلة لا تكون مع نقيض المدلول عليه أي مع عدمه فإنها اذا كانت مع وجوده وعدمه لم تكن دالة على وجوده ولا على عدمه ولم يكن الاستدلال بها على وجوه أولى به من الاستدلال على عدمه كالامور المعتادة التي توجد مع الصادق والكاذب كطلوع الشمس وغروبها فإن هذه لا تدل على صدق أحد ولا كذبه وكذلك خوارق السحرة والكهان هي معتادة مع صدق أحدهم ومع كذبه فلا تدل على الصدق اذ كان كذبهم أكثر من صدقهم كالذين يخبرون بكلمة صدق وعشر كذب قال تعالى هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون فكيف إذا كان مع الصدق مائة كذبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الكهان كما روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بشيء قالوا يا رسول الله فانهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة فيلزم من هذا أن آيات الانبياء لا يكون مثلها لمن يكذبهم وهو الذي يخبر بكذبهم والناس فيهم رجلان إما مصدق وإما مكذب فالمكذب لهم يمتنع أن يأتي بمثل آياتهم ومتى كذب مكذب لمدعي النبوة وأتى بمثل آيته سواء دل على أن تلك ليست من آيات الانبياء ولا تدل على صدق النبي لكن لا يلزم أن تدل على كذبه فإن الدليل المعين إذا بطل لا يستلزم انتفاء المدلول عليه فقد تكون له آيات أخر تدل على نبوته وصدق الصادق وكذب الكاذب يعرف بوجوه كثيرة جدا وكذلك النبوة لها آثار مستلزمة لها بدون إخبار النبي بانه نبي وكذب المتنبي الذي يزين له الشيطان أن يقول إنه نبي له آثار تستلزم انتفاء النبوة وأنه كاذب إما عمدا وإما أن الشيطان قد لبس عليه فإن الخبر عند كثير من الناس ينقسم الى صدق وكذب فالمطابق هو الصدق والمخالف هو الكذب وأثبت بعضهم واسطه بين


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 216 ]  


الصدق والكذب وهو مالم يتعمده الانسان قال فهذا ليس بصدق لأنه غير مطابق وليس بكذب لأن صاحبه لم يتعمد الكذب بل أخطأ ولس كل من أخطأ يقال انه كاذب كالناسي في الصلاة إذا قال صليت أربعا ولم يصل إلا ثلاثا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت فقال لم أنس ولم تقصر فقال بلى قد نسيت فقال أكما يقول ذو اليدين قالوا نعم والذي يدل عليه القرآن أن كل من تكلم بلا علم فأخطأ فهو كاذب كالذين حرموا وحللوا وأوجبوا وان كان الشيطان قد زين لهم ذلك وأوهمهم أنه حق ولهذا قال قل هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم وهي تتنزل على من يظن أنه يصدقها قال تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون وقال تعالى وقال الشيطان لما قضى الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وكذلك الذي تدل عليه الشرع أن كل من أخبر بخبر ليس له أن يخبر به وهو غير مطابق فإنه يسمى كاذبا وإن كان لم يتعمد الكذب كقول النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له ان أبا السنابل قال ما أنت بناكحة حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر فقال كذب من قالها إن له لأجرين أنه جاهد مجاهد ولما قال سعد بن عبادة في يوم الفتح اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة وحكاه أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذب سعد ولكن هذا يوم تعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة وكذلك قال عبادة بن الصامت لما قيل له إن أبا محمد يقول الوتر واجب فقال كذب أبو محمد وكذلك ابن عباس لما قيل له إن نوفا يقول إن موسى بني اسرائيل ليس هو موسى الخضر فقال كذب نوف وأيضا من أخبر الناس خبرا طلب أن يصدقوه فيه وقد نهوا عن تصديقه الا ببينة فإنه أيضا كاذب كما قال تعالى في القرآن لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون وقال في القاذفين فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا من بعد


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 217 ]  


ذلك وأصلحوا فان الله غفور رحيم وكذلك أن القاذف وإن كان قد رأى الفاحشة بعينه لكنه إذا أخبر بها الناس فهو يطلب منهم أن يصدقوه بمجرد خبره وليس لهم ذلك بل ليس لهم أن يصدقوه حتى يأتي بأربعة شهداء وهو لا يخبر الناس ليكذبوه بل يخبرهم ليعتقدوا ثبوت ما أخبرهم به ويعتقدوا أن المقذوف قد فعل الفاحشة وهم ليس لهم أن يقولوا ذلك إلا بأربعة شهداء فإذا لم يأت بأربعة شهداء فهو عند الله كاذب لأنه أخبر الناس بأن هذا فعل الفاحشة وقال خبرا طلب به تصديقهم وأن يظهر أن هذا فعلها فحقيقية خبره أن هذا فعل فاحشة ظاهرة يرتب عليها هذا بل ان كان فعل شيئا فقد فعله سرا لم يعلم به الناس وقد علم أن الذنب إذا كتم لم يضر الا صاحبه ولكن إذا أعلن فلم ينكر ضر الناس وهذا لم يعلنه وأكثر المسلمين إذا فعل أحدهم فاحشة باطنة تاب منها ومن إعلانها يتشبه الناس بعضهم ببعض في ذلك فلهذا نهى الله عن فعلها وعن التكلم بها صدقا وغير صدق فإنها اذا فعلت وكتمت خف أمرها وإذا أظهرت كان فيها مفاسد كثيرة قال النبي صلى الله عليه وسلم من ابتلي من هذه القاذورات بشيء فليستتر بستر الله فإن من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله وقال كل أمتي معافى الا المجاهدين وإن من المهاجدة ان يبيت الرجل على الذنب قد ستره الله فيصبح يقول يا فلان فعلت البارحة كذا وكذا فقد نهى الله تعالى صاحبها أن يظهرها ويعلنها فكيف القاذف بخلاف ما اذا أقر بها عند ولي أمر ليقيم عليه الحد أو يشهد بها نصاب تام لإقامة الحد فذاك فيه منفعة وصلاح وقد يخبر بها بعض الناس سرا لمن يعلمه كيف يتوب ويستفتيه ويستشيره فيما يفعل فعلى ذلك المفتى والمشير أن يكتم عليه ذلك ولا يشيع الفاحشة وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا أن الناس في من قال اني رسول قسمان إما مصدق وإما غير مصدق فمن ليس بمصدق لا يمكنه أن يأتي بمثل آيات الانبياء سواء قال انه كاذب أو توقف في التصديق والتكذيب وكذلك المؤمنون أتباع الانبياء اذا أتوا بآية كانت دليلا على نبوة النبي الذي اتبعوه فلا يمكن من لا يصدق النبي أن يعارضهم ومتى عارضهم لم تكن من آيات الانبياء ولهذا كان أبو مسلم لما قال له الاسود العنسي أتشهد أني رسول الله قال ما أسمع قال أتشهد أن


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 218 ]  


محمدا رسول الله قال نعم فألقاه في النار فصارت عليه بردا وسلاما فكرامات الصالحين هي مستلزمة لصدقهم في قولهم ان محمد رسول ولثبوت نبوته فهي من جملة آيات الانبياء وآياتهم وما خصهم الله به لا يكون لغير الانبياء واذا قال القائل معجزات الانبياء وآياتهم وما خصهم الله به فهذا كلام مجمل فانه لا ريب أن الله خص الانبياء بخصائص لا توجد لغيرهم ولا ريب ان من آياتهم ما لا يقدر ان يأتي به غير الانبياء بل النبي الواحد له آيات لم يأت بها غيره من الانبياء كالعصا واليد لموسى وفرق البحر فإن هذا لم يكن لغير موسى وكانشقاق القمر والقرآن وتفجير الماء من بين الأصابع وغير ذلك من الآيات التي لم تكن لغير محمد من الانبياء وكالناقة التي لصالح فإن تلك الآية لم يكن مثلها لغيره وهو خروج ناقة من الارض بخلاف احياء الموتى فانه اشترك فيه كثير من الانبياء بل ومن الصالحين وملك سليمان لم يكن لغيره كما قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فطاعة الجن والطير وتسخير الريح تحمله من مكان الى مكان له ولمن معه لم يكن مثل هذه الآية لغير سليمان وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من نبي من الانبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة وهو من حين أتى بالقرآن وهو بمكة يقرأ على الناس قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فقد ظهر أن من آيات الانبياء ما يختص به النبي ومنها ما يأتي به عدد من الانبياء ومنها ما يشترك فيه الانبياء كلهم ويختصون به وهو الاخبار عن الله بغيبه الذي لا يعلمه الا الله قال عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم ان قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا لكن ما يظهر على المؤمنين بهم من الآيات بسبب الايمان بهم فيه قولان قال طائفة ليس ذلك من آياتهم وهذا قول من يقول من شرط المعجزة أن تقارن دعوى النبوة لا تقدم عليها ولا تتأخر عنها كما قاله هؤلاء الذين يجعلون خاصة المعجزة التحدي بالمثل وعدم المعارضة


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 219 ]  


ولا تكون إلا مع الدعوى كما تقدم وهو قول قد عرف فساده من وجوه والقول الثاني وهو القول الصحيح أن آيات الأولياء هي من جملة آيات الانبياء فإنها مستلزمة لنبوتهم ولصدق الخبر بنبوتهم فإنه لولا ذلك لما كان هؤلاء أولياء ولم تكن لهم كرامات لكن يحتاج أن يفرق بين كرامات الأولياء وبين خوارق السحرة والكهان وما يكون للكفار والفساق وأهل الضلال والغي بإعانة الشياطين لهم كما يفرق بين ذلك وبين آيات الانبياء والفروق بين ذلك كثيرة كما قد بسط في غير هذا الموضع
فصل فقد تبين أن من آيات الانبياء ما يظهر مثله على اتباعهم ويكون ما يظهر على أتباعهم من آياتهم فان ذلك مختص بمن ي









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات