كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل والله تعالى سماها آيات وبراهين وهو اسم مطابق لمسماه مطرد لا ينتقض فلا تكون قط إلا آيات لهم وبراهين وأما تسميتها بخرق العادة فللناس في ذلك ثلاثة أقوال أحدها أن ذلك حد لها مطرد منعكس فكل خرق هو معجزة للنبي فهو خرق عادة والثاني أن خرق العادة شرط فيها وليس بحد لها فيجب أن تكون خارقة لعادة ولكن ليس كل خارق للعادة يكون آية لنبي كأشراط الساعة بل أن يقع على وجه مخصوص مثل دعوى النبوة والاستدلال بها والتحدي بمثلها مع عجز الناس عن معارضته والقول الثالث أن كونها خارقة للعادة ليس بحد ولا شرط قال القاضي أبو بكر في مناظرته في الكرامات ويقال لهم أيضا إن من الناس من لا يشترط في الآية المعجزة أن تكون خارقة للعادة ويقول إنما تكون آية اذا كانت من فعل الله مع التحدي بمثلها ودعوى النبوة فدلالتها على وجه لا يمكن أن يشترك في ادعائه الصادق والكاذب فإذا ظهرت على هذا الوجه كانت آية لمن فعلت على يده قال المجيبون بهذا ولهذا لم تكن أشراط الساعة آية لاحد وان خرقت العادة اذ لم يكن معها دعوى نبوة ولأن موت زيد عند قول الرسول آيتي أن يميت الله زيدا عند دعائي موته فإذا مات عند دعوته صار ذلك آية له وإن كان فعل الموت في الانسان وغيره من الحيوان معتادا قال ان قالوا لو كان كذلك لكان من قال آيتي
النبوات [ جزء 1 - صفحة 207 ]
أن تطلع الشمس وتغرب ويأتي الليل والنهار والضياء والظلام وفعل ذلك مع دعواه الرسالة كان آية له وإن لم يكن المفعول من ذلك خارقا للعادة فلما لم يكن كذلك وإن كان واقعا من فعل الله مع دعوى النبوة لكونه غير خارق للعادة بطل ما قلتموه يقال لهم قد أجبنا عن هذا حين قلنا ويكون الواقع من فعل الله مع دعوى النبوة مما لا يشترك فيه الصادق والكاذب ويستوي مع ظهوره دعوى المحق والمبطل وطلوع الشمس وغروبها ولو قال النبي آيتي أن يظلنا السحاب الساعة وتزلزل الارض وتحدث الامطار بدعوى فحدث ذلك لكان آية له وإن كان مثل ذلك قد يحدث في العصر ويشاهد فإذا قال المتنبي انني معارضه وآيتي في كوني نبيا ظهور مثل ذلك منع منه ولم يحدث قلت هذا الذي ذكروه هو أيضا خرق للعادة فإن ظهور مثل ذلك على هذا الوجه مما لم تجر به العادة وهو نفسه القاضي أبو بكر في هذا الكتاب كتاب البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسحر والنيرنجيات قد قال قبل هذا باب القول في معنى العادة وانخراقها والعادة التي اذا انخرقت دلت على صدق الرسل والاعتياد للأمر وتفصيل ذلك وتنزيله واعلموا رحمكم الله أن الكل من سائر الامم قد شرطوا في صفة المعجز أن يكون خارقا للعادة وإذا كان ذلك واجبا وجب معرفة هذه العادة ومعرفة انخرافها فقد حكي هنا الإجماع وهناك صرح بالاختلاف وقوى ذلك القول وسبب ذلك اضطرابهم في معنى العادة وانخراقها فان كل قوم يفهمون غير ما يفهمه الآخرون والله تعالى انما سماها آيات وهذا القول الذي ذكره وقواه وهو لا يشترط فيها أن تكون خارقة للعادة هو حقيقة قول القاضي وأمثاله من المتكلمين الأشعرية ومن وافقهم كالقاضي أبي يعلى وأمثاله فإن المعجزات عندهم لا تختص بجنس من الأجناس المقدورات بل خاصتها أن النبي يحتج بها ويتحدى بمثلها فلا يمكن معارضته فاشترطوا لها وصفين أن تكون مقترنة بدعوى النبوة وجعلوا المدلول جزءا من الدليل وأنها لا تعارض وبالاول فرقوا بينها وبين الكرامات وبه وبالثاني فرقوا بينها وبين السحر والكهانة وصرحوا بأن جميع خوارق السحرة والكهان يجوز أن تكون معجزة لنبي لكن إذا كانت معجزة لم تمكن معارضتها فلو ادعى ساحر أو كاهن النبوة لكان الله
النبوات [ جزء 1 - صفحة 208 ]
يعجزه عن تلك الخوارق التي علم أن غيره من السحرة والكهان يفعل مثلها وليس بنبي وما يأتي به الانبياء من المعجزات جوزوا أن يأتي بمثله الساحر والكاهن إلا ما منع منه السمع للإجماع على أن الساحر لا يقلب العصا حية وهذا الفرق ليس يختص به أحد النوعين ولا ضابط له وصرحوا بأنه لا يستثنى من الخوارق إلا ما انعقد عليه الإجماع وصرحوا بأن العجائب الطبيعية مثل جذب حجر المغناطيس الحديد يجوز أن يكون معجزة لكن بشرط أن لا يعارض وكذلك الطلاسم وكذلك الامور المعتادة يجوز أن تكون معجزة بشرط أن يمنع غيره منها فتكون المعجزة منع المعتاد فالخاصة عندهم فيها أنها لا تعارض وأنها تقترن بدعوى النبوة وقد يشترطون أن تكون خارقة للعادة لكن يكتفون بمنع المعارض فهو وحده خرق للعادة فلا يشترطون هذا وهذا وقد اشترط القاضي أبو بكر أن يكون مما يختص الرب بالقدرة عليه ولا حقيقة له فإن جميع الحوادث كذلك عندهم وكل ما خرج عن محل قدرة العبد فالرب عندهم مختص بفعله كخوارق السحرة والكهان وحقيقة الامر أنه لا فرق عندهم بين المعجزات والكرامات والسحر والكهانة لكن هذه إذا لم تقترن بدعوى النبوة لم تكن آية وإذا اقترنت بها كانت آية بشرط أن لا تعارض ثم انه لما أثبت النبوة قال انه يجوز على النبي فعل كل شيء من الكبائر الا أن يمنع من ذلك سمع كما قال كل ما كان معجزة للانبياء يجوز أن يأتي به الساحر إلا أن يمنع منه سمع اذ كان في نفس الامر لا فرق بين فعل وفعل بل يجوز من الرب كل شيء فيجوز أن يبعث كل أحد ولا يقيم على نبوته دليلا هذا حقيقة قولهم انه يجوز أن يبعث كل احد وإنه اذا بعثه لا يقيم دليلا على نبوته بل يلزم العباد بتصديقه بلا دليل يدلهم على صدقه فإن غاية هذا تكليف مالا يطاق وهم يجوزونه وهذا الذي قالوه باطل من وجوه متعددة قد بسطت في غير هذا الموضع منها أنهم جعلوا المدلول عليه وهو اخبارالنبي بنبوته وشهودها وثبوتها جزءا من الدليل قالوا لأنها لو كانت معجزة لجنسها لم تقع الا معجزة والخوارق التي تكون أمام الساعة ليست معجزة لأحد فعلم ان الدليل هو مجموع دعوى النبوة والخارق والجواب عن هذا من وجهين أحدهما أن تلك من آيات الله تعالى
النبوات [ جزء 1 - صفحة 209 ]
فالخوارق التي لا يقدر عليها العباد كلها آيات الله تعالى وهي دالة على ما تظهر دلالتها عليه تارة تكون تخويفا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده والتخويف يتضمن الامر بطاعته والنهي عن معصيته وأشراط الساعة آيات على قربها وعلى جزاء الأعمال وهو يتضمن الامر بالطاعة والنهي عن المعصية والثاني أن يقال هي آيات على صدق الانبياء فإنهم أخبروا بها وهي آية على ما اخبروا به وعلى صدقهم وأيضا فإن عامة معجزات الرسول لم يكن يتحدى بها ويقول ائتوا بمثلها والقرآن انما تحداهم لما قالوا إنه افتراه ولم يتحدهم به ابتداء وسائر المعجزات لم يتحد بها وليس فيما نقل تحد إلا بالقرآن لكن قد علم أنهم لا يأتون بمثل آيات الانبياء فهذا لازم لها لكن ليس من شرط ذلك أن يقارن خبره وايضا فمن آيات الانبياء ما كان قبل ولادتهم وقبل إنبائهم وما يكون بعد موتهم فإن الآية دليل على صدق الخبر بأنه رسول الله وهذا الدليل لا يختص لا بمكان ولا زمان ولا يكون هذا الدليل إلا من جنس لا يقدر عليه الإنس كلهم ولا الجن فلا بد أن يكون جنسه معجزا أعجز الانس والجن وأما قولهم خاصة المعجز عدم المعارضة فهذا باطل وإن كان عدم المعارضة لازما له فإن هذا العدم لا يعلم إذ يمكن أن يعارضه من ليس هناك إذا كان مما يعلم أنه معتاد مثل خوارق السحرة والكهان فإنه وإن لم يمكن أن يعارض في هذا الموضع ففي السحرة والكهان من يفعل مثلها مع أنه ليس بنبي ودليل النبوة يمتنع ثبوته بدون النبوة وإذا قالوا الدليل هو مجموع الدعوى والدليل تبين خطأهم وان القوم لم يعرفوا دلائل النبوة ولا اقاموا دليلا على نبوة الانبياء كما لم يقيموا دليلا على وجود الرب فليس في كتبهم ما يدل على الرب تعالى ولا على رسوله مع أن هذا هو المقصود من أصول الدين وايضا فمسيلمة والعنسي لم يكن عندهما من يعارضهما وأيضا فالمعارض ان اعتبروه في المدعوين وهذا مقتضى في خرق العادة وإن العادات تختلف فلكل قوم عادة قالوا فالمعتبر خرق عادة من أرسل اليهم وعلى هذا فإذا أرسل الى بني اسرائيل ففعل مالم يقدروا عليه كان آية وإن كان ذلك
النبوات [ جزء 1 - صفحة 210 ]
مما يقدر عليه العرب ويقدر عليه السحرة والكهان وصرحوا بأن السحر الذي قال الله فيه وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر يجوز أن يكون من معجزات الانبياء اذا لم يعارض وقد قال الرازي أن السمعيات لا يحتج بها لأن دلالتها مشروطة بعدم المعارض العقلي وذلك غير معلوم وكذلك يقال في معجزات هؤلاء إن خاصتها عدم المعارضة فإن اعتبروا أن أحدا من الخلق لا يعارض فهذا لا يعلم وإن اكتفوا بأن لا يعارض في ذلك المكان والزمان فكثير من الصناعات والعجائب والعلوم من هذا الباب وهم لا ينكرون هذا بل يقولون المعجز هو هذا مع دعوى النبوة وقد تبين أن الشيء في نفسه إذا لم يكن دليلا لم يصر دليلا باستدلال المستدل به بل هو في نفسه دليل وإن لم يستدل به اذ كان الدليل هو المستلزم للمدلول فدليل صدق النبي هو يدل على أنه نبي وأن الخبر بنبوته صدق وإن كان هو لا يستدل بذلك ولا يتحدى بمثلها وقد لا يخبر بنبوة نفسه ويكون له دلائل تدل على نبوته كما كانت قبل أن يولد وفي الامكنة البعيدة فتبين أن قول هؤلاء هو أنه لا يعلم ما يستدل به على نبوة الانبياء وهذا اذا انضم الى أصلهم وهو أن الرب يجوز عليه فعل كل شيء صارا شاهدين بأنه على أصلهم لا دليل على النبوة اذ كان عندهم لا فرق بين فعل من الرب وفعل وعندهم لا فرق بين جنس وجنس في اختصاصه بالانبياء به فليس في أجناس المعقولات ما يكون آية تختص بالانبياء فيستلزم نبوتهم بل ما كان لهم قد يكون عند غيرهم حتى السحرة والكهان وهم أعداؤهم وفرقوا بعدم المعارضة وهذا فرق غير معلوم وهو مجرد دعوى قالوا لو ادعى الساحر والكاهن النبوة لكان الله ينسيه الكهانة والسحر ولكان له من يعارضه لان السحر والكهانة هي معجزة عندهم وفي هذه الاقوال من الفساد عقلا وشرعا ومن المناقضة لدين الاسلام وللحق ما يطول وصفه ولا ريب أن قول من أنكر وجود هذه الخوارق أقل فسادا من هذا ولهذا يشنع عليهم ابن حزم وغيره بالشناعات العظيمة ولهذا يقيم أكابر فضلائهم مدة يطلبون الفرق بين المعجزات والسحر فلا يجدون فرقا اذ لا فرق عندهم في نفس الامر والتحقيق أن آيات الانبياء مستلزمة للنبوة ولصدق الخبر بالنبوة فلا يوجد إلا مع الشهادة للرسول بأنه
النبوات [ جزء 1 - صفحة 211 ]
رسول لا يوجد مع التكذيب بذلك ولا مع عدم ذلك البتة وليست من جنس ما يقدر عليه لا الانس ولا الجن فان ما يقدر عليه الانس والجن يفعلونه فلا يكون مختصا بالانبياء ومعنى كونها خارقة للعادة أنها لا توجد إلا للنبوة لا مرة ولا أقل ولا أكثر فالعادة هنا تثبت بمرة والقاضي أبو بكر يقول ان ما فعل مرات يسيرة لا يكون معتادا وفي كلامه في هذا الباب من الاضطراب ما يطول وصفه وهو رأس هؤلاء الذين اتبعوه كالقاضي أبي يعلى وأبي المعالي والرازي والآمدي وغيرهم وما يأتي به السحرة والكهان يمتنع أن يكون آية لنبي بل هو آية على الكفر فكيف يكون آية للنبوة وهو مقدور للشياطين وآيات الانبياء لا يقدر عليها جن ولا إنس وآيات الانبياء آيات لجنسها فحيث كانت آية لله تدل على مثل ما أخبرت به الانبياء وإن شئت قلت هي آيات لله يدل بها على صدق الانبياء تارة وعلى غير ذلك تارة وما يكون للسحرة والكهان لا يكون من آيات الانبياء بل آيات الانبياء مختصة بهم وأما كرامات الاولياء فهي أيضا من آيات الانبياء فإنها إنما تكون لمن تشهد لهم بالرسالة فهي دليل على صدق الشاهد لهم بالنبوة وأيضا فإن كرامات الاولياء معتادة من الصالحين ومعجزت الانبياء فوق ذلك فانشقاق القمر والإتيان بالقرآن وانقلاب العصا حية وخروج الدابة من صخرة لم يكن مثله للاولياء وكذلك خلق الطير من الطين ولكن آياتهم صغار وكبار كما قال تعالى فأراه الآية الكبرى فلله تعالى آية كبيرة وصغيرة وقال عن نبيه محمد لقد رأى من آيات ربه الكبرى فالآيات الكبرى مختصة بهم وأما الآيات الصغرى فقد تكون للصالحين مثل تكثير الطعام فهذا قد وجد لغير واحد من الصالحين لكن لم يوجد كما وجد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أطعم الجيش من شيء يسير فقد يوجد لغيرهم من جنس ما وجد لهم لكن لا يماثلون في قدره فهم مختصون إما بجنس الآيات فلا يكون لمثلهم كالإتيان بالقرآن وانشقاق القمر وقلب العصا حية وانفلاق البحر وأن يخلق من الطين كهيئة الطير وإما بقدرها وكيفيتها كنار الخليل فإن أبا مسلم الخولاني وغيره صارت النار عليهم بردا وسلاما لكن لم تكن مثل نار ابراهيم في عظمتها كما وصفوها فهو مشارك للخليل في جنس الآية كما هو مشارك في جنس الايمان محبة
النبوات [ جزء 1 - صفحة 212 ]
الله وتوحيده ومعلوم أن الذي امتاز به الخليل من هذا لا يماثله فيه أبو مسلم وأمثاله وكذلك الطيران في الهواء فإن الجن لا تزال تحمل ناسا وتطير بهم من مكان إلى مكان كالعفريت الذي قال لسليمان أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك لكن قول الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك لا يقدر عليه العفريت ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم الى بيت المقدس ليريه الله من آياته الكبرى أمر اختص به بخلاف من يحمل من مكان الى مكان لا ليريه الله من آياته الكبرى أمر اختص به ولا يعرج الى السماء فهؤلاء كثيرون وهذا مبسوط في غير هذا الموضع والمقصود هنا أن هؤلاء حقيقة قولهم انه ليس للنبوة آية تختص بها كما أن حقيقة قولهم إن الله لا يقدر أن يأتي بآية تختص بها وإنه لو كان قادرا على ذلك لم يلزم أن يفعله بل ولم يفعله فهذان أمران متعلقان بالرب اذ هو عندهم لا يقدر أن يفعل شيئا لشيء والآية انما تكون آية اذا فعلها لتدل ولو قدر أنه قادر فهم يجوزون عليه فعل كل شيء فيمكن أنه لم يجعل على صدق النبي دليلا وأما الذي ذكرناه عنهم هنا فإنه يقتضي أنه لا دليل عندهم على نبوة النبي بل كل ما قدر دليلا فإنه يمكن وقوعه مع عدم النبوة فلا يكون دليلا فهم هناك حقيقة قولهم انا لا نعلم على النبوة دليلا وهنا حقيقة قولهم إنه لا دليل على النبوة ولهذا كان كلامهم في هذا الباب منتهاه التعطيل ولهذا عدل الغزالي وغيره عن طريقهم في الاستدلال بالمعجزات لكون المعجزات على أصلهم لا تدل على نبوة نبي وليس عندهم في نفس الامر معجزات وإنما يقولون المعجزات علم الصدق لانها في نفس الامر كذلك وهم صادقون في هذا لكن على اصلهم ليست دليلا على الصدق ولا دليل على الصدق فآيات الأنبياء تدل على صدقهم دلالة معلومة بالضرورة تارة وبالنظر أخرى وهم قد يقولون إنه يحصل العلم الضروري بأن الله صدقه بها وهي الطريقة التي سلكها أبو المعالي والرازي وغيرهما وهي طريقة صحيحة في نفسها لكن تناقض بعض أصولهم فالقدس ليس في آيات الأنبياء لكن في الأقوال الفاسدة التي تنافض ما هو معلوم بالضرورة عقلا وما هو أصل الايمان شرعا ومن عرف تناقضهم في الاستدلال يعرف أن الآفة في فساد قولهم لا في جهة صحة الدلالة فقد
النبوات [ جزء 1 - صفحة 213 ]
يظهر بلسانه ما ليس في قلبه كالمنافقين الذين يقولون في أول سورة المنافقون نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون ولقد صدق الإمام أحمد في قوله علماء الكلام زنادقة وطريقة القرآن فيها الهدى والنور والشفاء سماها آيات وبراهين فآيات الانبياء مستلزمة لصدقهم وصدق من صدقهم وشهد لهم بالنبوة والآيات التي يبعث الله بها انبياء قد يكون مثلها لأنبياء أخر مثل إحياء الموتى فقد كان لغير واحد من الأنبياء وقد يكون إحياء الموتى على يد أتباع الانبياء كما قد وقع لطائفة من هذه الامة ومن أتباع عيسى فإن هؤلاء يقولون نحن إنما أحيى الله الموتى على أيدينا لاتباع محمد أو المسيح فبايماننا بهم وتصديقنا لهم أحيى الله الموتى على أيدينا فكان إحياء الموتى مستلزما لتصديقه عيسى ومحمدا لم يكن قط مع تكذيبهما فصار آية لنبوتهم وهو أيضا آية لنبوة موسى وغيره من أنبياء بني اسرائيل الذين أحيى الله الموتى على أيديهم وليس مدلول الآيات هو مجرد دعواه أن الله أرسلني وإخباره عن نفسه بذلك لأن ذلك معلوم بالحس لمن سمعه وبالتواتر لمن لم يسمعه بل صدقه في هذا الخبر وهو ثبوت نبوته فالآية مستلزمة لصدقه وثبوت نبوته ومن أخبر غيره عن إرسال الله له وأتى هذا المخبر بآية كانت أيضا آية على صدق هذا المخبر وثبوت نبوة النبي فان من أخبر عن نبوة نبي من الانبياء وأتى بآية على صدقه في خبره كانت تلك آية ودليلا على نبوة النبي وأن إخبار المخبر بنبوته صدق بل كون غيره هو المخبر الآتي بالعلامة أبلغ ولهذا كانت من أعظم آيات النبي إخبار غيره من الانبياء بنبوته فإن قال آخر إنه كذب وأتى بمثل تلك الآية بطلت الدلالة المعينة ولا يلزم من بطلان دليل معين بطلان سائر الأدلة فان الدليل يجب طرده ولا يجب عكسه ولو جاء من قال إن فلانا أرسلني ومعه شخص فصدقه وقال إنه أمرني أن أخبركم بأني رسوله بعلامة كيت وكيت لكان ذلك أبلغ وكل من علم صدق النبي فقد صدقه أنه أن يعلم الناس أن الله يشهد له بالنبوة ويحكم بينه وبين منازعيه بتصديقه وتكذيبهم وذلك بآياته وعلاماته يبين بها أنه مصدق للرسول وقد يصدقه
النبوات [ جزء 1 - صفحة 214 ]
بكلامه الذي قد بين أنه كلامه فكونه في نفسه آية وعلامة إذ كان لا يمكن الجن والانس أن يأتوا بمثله فهو من أعظم الآيات وبغير ذلك فالآيات كلها شهادة بالنبوة وإخبار بها وتصديق للمخبر فهي تستلزم ثبوت النبوة في نفسها وأن صاحب الآيات قد نبأه الله وأوحى اليه كما أوحي إلى غيره من الانبياء وتستلزم أيضا صدق الإخبار بأنه نبي فهو اذا قال إني نبي كان صادقا وكذلك كل من أخبر بنبوته فإنه يكون صادقا وثبوت الشيء وصدق من أخبر به متلازمان فكل حق ثابت إذا أخبر به مخبر فهو صادق وكل خبر صادق فقد تحقق مخبره فالخبر الصادق هو ومخبره متلازمان يلزم من صدق الخبر تحقق مخبره ومن تحقق الشيء صدق المخبر به بخلاف الكذب فإنه ومخبره ليسا متلازمين بل الخبر الكذب يوجد مع انتفاء مخبره والمخبر به يتحقق على صفة خلاف ما في الخبر الكاذب فلهذا كانت الآيات والعلامات والدلائل ونحو هذا كما تدل على المدلول وأنه حق ثابت فهي أيضا تدل على صدق من أخبر به كائنا من كان فمن قال اني ابن فلان وقامت بينة بنسبة فهي تثبت صدقه وصدق كل من قال هو ابن فلان وكذلك البينة التي تشهد برؤية الهلال هي تشهد بصدق كل من أخبر بطلوعه وكذلك كل دليل دل على مدلول فهو دليل على صدق كل من أخبر بذلك المدلول عليه وكذلك اذا قال الصادق ان الله أرسلني فهذا خبر منه عن ارسال الله فالآية الدالة على صدقه تدل على صدق كل من قال ان الله أرسله فالآيات الدالة على صدق محمد اذا قال ما أمره الله به في قوله قل يا أيها الناس إني رسول الله اليكم جميعا هي دالة على صدق كل من قال أشهد أن محمدا رسول الله فجميع آياته وآيات الانبياء الذين أخبروا بنبوته كموسى والمسيح وأنبياء بني اسرائيل وغيرهم كلها آيات ومعجزات تبين صدق كل واحد من المؤمنين به الذين يقول أحدهم أشهد أن محمدا رسول الله سواء قالها مجردة أو قالها في صلاته أو عقب طهارته أو متى ما قالها ليست آيات النبوة دالة على أنه وحده هو الصادق في قوله اني رسول الله اليكم جميعا بل الآيات تصدقه وتصدق كل من شهد له بالرسالة وهكذا سائر الادلة الدالة على مدلول فإنها تدل على صدق من أخبر بذلك المدلول عليه من جميع الخلق وقد عرف أن الدليل لا بد أن
النبوات [ جزء 1 - صفحة 215 ]
يكون مختصا بالمدلول عليه مستلزما له فآيات الانبياء وسائر أنواع الآيات والأدلة لا تكون مع نقيض المدلول عليه أي مع عدمه فإنها اذا كانت مع وجوده وعدمه لم تكن دالة على وجوده ولا على عدمه ولم يكن الاستدلال بها على وجوه أولى به من الاستدلال على عدمه كالامور المعتادة التي توجد مع الصادق والكاذب كطلوع الشمس وغروبها فإن هذه لا تدل على صدق أحد ولا كذبه وكذلك خوارق السحرة والكهان هي معتادة مع صدق أحدهم ومع كذبه فلا تدل على الصدق اذ كان كذبهم أكثر من صدقهم كالذين يخبرون بكلمة صدق وعشر كذب قال تعالى هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون فكيف إذا كان مع الصدق مائة كذبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الكهان كما روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بشيء قالوا يا رسول الله فانهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة فيلزم من هذا أن آيات الانبياء لا يكون مثلها لمن يكذبهم وهو الذي يخبر بكذبهم والناس فيهم رجلان إما مصدق وإما مكذب فالمكذب لهم يمتنع أن يأتي بمثل آياتهم ومتى كذب مكذب لمدعي النبوة وأتى بمثل آيته سواء دل على أن تلك ليست من آيات الانبياء ولا تدل على صدق النبي لكن لا يلزم أن تدل على كذبه فإن الدليل المعين إذا بطل لا يستلزم انتفاء المدلول عليه فقد تكون له آيات أخر تدل على نبوته وصدق الصادق وكذب الكاذب يعرف بوجوه كثيرة جدا وكذلك النبوة لها آثار مستلزمة لها بدون إخبار النبي بانه نبي وكذب المتنبي الذي يزين له الشيطان أن يقول إنه نبي له آثار تستلزم انتفاء النبوة وأنه كاذب إما عمدا وإما أن الشيطان قد لبس عليه فإن الخبر عند كثير من الناس ينقسم الى صدق وكذب فالمطابق هو الصدق والمخالف هو الكذب وأثبت بعضهم واسطه بين
النبوات [ جزء 1 - صفحة 216 ]
الصدق والكذب وهو مالم يتعمده الانسان قال فهذا ليس بصدق لأنه غير مطابق وليس بكذب لأن صاحبه لم يتعمد الكذب بل أخطأ ولس كل من أخطأ يقال انه كاذب كالناسي في الصلاة إذا قال صليت أربعا ولم يصل إلا ثلاثا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت فقال لم أنس ولم تقصر فقال بلى قد نسيت فقال أكما يقول ذو اليدين قالوا نعم والذي يدل عليه القرآن أن كل من تكلم بلا علم فأخطأ فهو كاذب كالذين حرموا وحللوا وأوجبوا وان كان الشيطان قد زين لهم ذلك وأوهمهم أنه حق ولهذا قال قل هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم وهي تتنزل على من يظن أنه يصدقها قال تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون وقال تعالى وقال الشيطان لما قضى الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وكذلك الذي تدل عليه الشرع أن كل من أخبر بخبر ليس له أن يخبر به وهو غير مطابق فإنه يسمى كاذبا وإن كان لم يتعمد الكذب كقول النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له ان أبا السنابل قال ما أنت بناكحة حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر فقال كذب من قالها إن له لأجرين أنه جاهد مجاهد ولما قال سعد بن عبادة في يوم الفتح اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة وحكاه أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذب سعد ولكن هذا يوم تعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة وكذلك قال عبادة بن الصامت لما قيل له إن أبا محمد يقول الوتر واجب فقال كذب أبو محمد وكذلك ابن عباس لما قيل له إن نوفا يقول إن موسى بني اسرائيل ليس هو موسى الخضر فقال كذب نوف وأيضا من أخبر الناس خبرا طلب أن يصدقوه فيه وقد نهوا عن تصديقه الا ببينة فإنه أيضا كاذب كما قال تعالى في القرآن لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون وقال في القاذفين فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا من بعد
النبوات [ جزء 1 - صفحة 217 ]
ذلك وأصلحوا فان الله غفور رحيم وكذلك أن القاذف وإن كان قد رأى الفاحشة بعينه لكنه إذا أخبر بها الناس فهو يطلب منهم أن يصدقوه بمجرد خبره وليس لهم ذلك بل ليس لهم أن يصدقوه حتى يأتي بأربعة شهداء وهو لا يخبر الناس ليكذبوه بل يخبرهم ليعتقدوا ثبوت ما أخبرهم به ويعتقدوا أن المقذوف قد فعل الفاحشة وهم ليس لهم أن يقولوا ذلك إلا بأربعة شهداء فإذا لم يأت بأربعة شهداء فهو عند الله كاذب لأنه أخبر الناس بأن هذا فعل الفاحشة وقال خبرا طلب به تصديقهم وأن يظهر أن هذا فعلها فحقيقية خبره أن هذا فعل فاحشة ظاهرة يرتب عليها هذا بل ان كان فعل شيئا فقد فعله سرا لم يعلم به الناس وقد علم أن الذنب إذا كتم لم يضر الا صاحبه ولكن إذا أعلن فلم ينكر ضر الناس وهذا لم يعلنه وأكثر المسلمين إذا فعل أحدهم فاحشة باطنة تاب منها ومن إعلانها يتشبه الناس بعضهم ببعض في ذلك فلهذا نهى الله عن فعلها وعن التكلم بها صدقا وغير صدق فإنها اذا فعلت وكتمت خف أمرها وإذا أظهرت كان فيها مفاسد كثيرة قال النبي صلى الله عليه وسلم من ابتلي من هذه القاذورات بشيء فليستتر بستر الله فإن من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله وقال كل أمتي معافى الا المجاهدين وإن من المهاجدة ان يبيت الرجل على الذنب قد ستره الله فيصبح يقول يا فلان فعلت البارحة كذا وكذا فقد نهى الله تعالى صاحبها أن يظهرها ويعلنها فكيف القاذف بخلاف ما اذا أقر بها عند ولي أمر ليقيم عليه الحد أو يشهد بها نصاب تام لإقامة الحد فذاك فيه منفعة وصلاح وقد يخبر بها بعض الناس سرا لمن يعلمه كيف يتوب ويستفتيه ويستشيره فيما يفعل فعلى ذلك المفتى والمشير أن يكتم عليه ذلك ولا يشيع الفاحشة وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا أن الناس في من قال اني رسول قسمان إما مصدق وإما غير مصدق فمن ليس بمصدق لا يمكنه أن يأتي بمثل آيات الانبياء سواء قال انه كاذب أو توقف في التصديق والتكذيب وكذلك المؤمنون أتباع الانبياء اذا أتوا بآية كانت دليلا على نبوة النبي الذي اتبعوه فلا يمكن من لا يصدق النبي أن يعارضهم ومتى عارضهم لم تكن من آيات الانبياء ولهذا كان أبو مسلم لما قال له الاسود العنسي أتشهد أني رسول الله قال ما أسمع قال أتشهد أن
النبوات [ جزء 1 - صفحة 218 ]
محمدا رسول الله قال نعم فألقاه في النار فصارت عليه بردا وسلاما فكرامات الصالحين هي مستلزمة لصدقهم في قولهم ان محمد رسول ولثبوت نبوته فهي من جملة آيات الانبياء وآياتهم وما خصهم الله به لا يكون لغير الانبياء واذا قال القائل معجزات الانبياء وآياتهم وما خصهم الله به فهذا كلام مجمل فانه لا ريب أن الله خص الانبياء بخصائص لا توجد لغيرهم ولا ريب ان من آياتهم ما لا يقدر ان يأتي به غير الانبياء بل النبي الواحد له آيات لم يأت بها غيره من الانبياء كالعصا واليد لموسى وفرق البحر فإن هذا لم يكن لغير موسى وكانشقاق القمر والقرآن وتفجير الماء من بين الأصابع وغير ذلك من الآيات التي لم تكن لغير محمد من الانبياء وكالناقة التي لصالح فإن تلك الآية لم يكن مثلها لغيره وهو خروج ناقة من الارض بخلاف احياء الموتى فانه اشترك فيه كثير من الانبياء بل ومن الصالحين وملك سليمان لم يكن لغيره كما قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فطاعة الجن والطير وتسخير الريح تحمله من مكان الى مكان له ولمن معه لم يكن مثل هذه الآية لغير سليمان وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من نبي من الانبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة وهو من حين أتى بالقرآن وهو بمكة يقرأ على الناس قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فقد ظهر أن من آيات الانبياء ما يختص به النبي ومنها ما يأتي به عدد من الانبياء ومنها ما يشترك فيه الانبياء كلهم ويختصون به وهو الاخبار عن الله بغيبه الذي لا يعلمه الا الله قال عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم ان قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا لكن ما يظهر على المؤمنين بهم من الآيات بسبب الايمان بهم فيه قولان قال طائفة ليس ذلك من آياتهم وهذا قول من يقول من شرط المعجزة أن تقارن دعوى النبوة لا تقدم عليها ولا تتأخر عنها كما قاله هؤلاء الذين يجعلون خاصة المعجزة التحدي بالمثل وعدم المعارضة
النبوات [ جزء 1 - صفحة 219 ]
ولا تكون إلا مع الدعوى كما تقدم وهو قول قد عرف فساده من وجوه والقول الثاني وهو القول الصحيح أن آيات الأولياء هي من جملة آيات الانبياء فإنها مستلزمة لنبوتهم ولصدق الخبر بنبوتهم فإنه لولا ذلك لما كان هؤلاء أولياء ولم تكن لهم كرامات لكن يحتاج أن يفرق بين كرامات الأولياء وبين خوارق السحرة والكهان وما يكون للكفار والفساق وأهل الضلال والغي بإعانة الشياطين لهم كما يفرق بين ذلك وبين آيات الانبياء والفروق بين ذلك كثيرة كما قد بسط في غير هذا الموضع
فصل فقد تبين أن من آيات الانبياء ما يظهر مثله على اتباعهم ويكون ما يظهر على أتباعهم من آياتهم فان ذلك مختص بمن ي
المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
>> عدد الأجزاء= 1 <<
النبوات