منهاج السنة النبوية ، قال ابن تيمية :-
فصل
وأما قوله إنهم يقولون
إن المطيع لا يستحق ثوابا والعاصي لا يستحق عقابا بل قد يعذب المطيع طول عمره المبالغ في امتثال أوامره كالنبي ويثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي وأبلغها كإبليس وفرعون
فهذا فرية على أهل السنة ليس فيهم من يقول إن الله يعذب نبيا ولا مطيعا ولا من يقول إن الله يثيب إبليس وفرعون بل ولا يثيب عاصيا على معصيته لكن يقولون إنه يجوز أن يعفو عن
--
منهاج السنة النبوية [ جزء 1 - صفحة 467 ]
المذنب من المؤمنين وأنه يخرج أهل الكبائر من النار فلا يخلد فيها أحدا من أهل التوحيد ويخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان والإمامية توافقهم على ذلك
وأما الاستحقاق فهم يقولون إن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئا وليس له أن يوجب على ربه شيئا لا لنفسه ولا لغيره ويقولون إنه لا بد أن يثيب المطيعين كما وعد فإنه صادق في وعده لا يخلف الميعاد فنحن نعلم أن الثواب يقع لإخباره لنا بذلك وأما إيجابه ذلك على نفسه وإمكان معرفة ذلك بالعقل فهذا فيه نزاع بين أهل السنة كما تقدم التنبيه عليه
فقول القائل إنهم يقولون إن المطيع لا يستحق ثوابا إن أراد أنه هو لا يوجب بنفسه على ربه ثوابا ولا أوجيه غيره من المخلوقين فهكذا تقول أهل السنة وإن أراد أن هذا الثواب ليس أمرا ثابتا معلوما وحقا واقعا فقد أخطأ وإن أراد أنه هو سبحانه وتعالى لا يحقه
--
منهاج السنة النبوية [ جزء 1 - صفحة 468 ]
بخبره فقد أخطأ على أهل السنة وإن أراد أنه لم يحقه بمعنى أنه لم يوجبه على نفسه ويجعله حقا على نفسه كتبه على نفسه فهذا فيه نزاع قد تقدم
وهو بعد أن وعد بالثواب أو أوجب مع ذلك على نفسه الثواب يمتنع منه خلاف خبره وخلاف حكمه الذي كتبه على نفسه وخلاف موجب أسمائه الحسنى وصفاته العلي
ولكن لو قدر أنه عذب من يشاء لم يكن لأحد منعه كما قال تعالى قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا سورة المائدة 17
وهو سبحانه لو ناقش من ناقشه من خلقه يعذبه كما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نوقش الحساب عذب قالت قلت يا رسول الله أليس الله يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحساب حسابا يسيرا سورة الانشقاق 7 8 فقال ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب
--
منهاج السنة النبوية [ جزء 1 - صفحة 469 ]
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل وفي الحديث الذي رواه أبو داود وغيره لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرا لهم من أعمالهم
--
منهاج السنة النبوية [ جزء 1 - صفحة 470 ]
وهذا قد يقال لأجل المناقشة في الحساب والتقصير في حقيقة الطاعة وهو قول من يجعل الظلم مقدورا غير واقع وقد يقال بأن الظلم لا حقيقة له وأنه مهما قدر من الممكنات لم يكن ظلما والتحقيق أنه إذا قدر أن الله فعل ذلك فلا يفعله إلا بحق لا يفعله وهو ظالم لكن إذا لم يفعله فقد يكون ظلما يتعالى الله عنه
فصل
وأما ما نقله عنهم أنهم يقولون إن الأنبياء غير معصومين فهذا الإطلاق نقل باطل عنهم
فإنهم متفقون على أن الأنبياء معصومون ف
الكتاب: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)
المحقق: محمد رشاد سالم
الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1986 م
عدد المجلدات: 9
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بحواشي المحقق]