الأربعاء، 25 يونيو 2014

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل الدليل الذي هو الآية والبرهان

كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل الدليل الذي هو الآية والبرهان يجب طرده كما تقدم فإنه لو كان تارة يتحقق مع وجود المدلول عليه وتارة يتحقق مع عدمه فإذا تحقق لم يعلم هل وجد المدلول أم لا فإنه كما يوجد مع وجوده يوجد مع عدمه ولهذا كان الدليل إما مساويا للمدلول عليه وإما أخص منه لا يكون أعم من المدلول ولهذا لم يكن للأمور المعتادة دلالة على ما هو أخص كطلوع الشمس والقمر والكواكب لا يدل على صدق أحد ولا كذبه لا مدعي النبوة ولا غيره فإنها توجد مع كذب الكاذب كما توجد مع صدق الصادق لكن يدل على ما هو أعم منها وهو وجود الرب وقدرته ومشيئته وحكمته فان وجود ذاته وصفاته ثابت سواء كانت هذه المخلوقات موجودة أو لم تكن فيلزم من وجود المخلوق وجود خالقه ولا يلزم من عدمه عدم خالقه فلهذا كانت المخلوقات كلها آيات للرب فما من مخلوق إلا وهو آية له هو دليل وبرهان وعلامة على ذاته وصفاته ووحدانيته وإذا عدم كان غيره من المخلوقات يدل على ما دل عليه ويجتمع على المعلوم الواحد من الادلة ما لا يحصيه الا الله وقد يكون الشيء مستلزما لدليل معين فإذا عدم عرف انتفاؤه وهذا مما يكون لازما ملزوما فتكون الملازمة من الطرفين فيكون كل منهما دليلا وإذا قدر انتفاؤه كان دليلا على انتفاء الآخر كالادلة على الاحكام الشرعية فما من حكم إلا جعل الله عليه دليلا وإذا قدر انتفاء جميع الأدلة الشرعية على حكم علم أنه ليس حكما شرعيا وكذلك ما تتوفر الههم والدواعي على نقله فإنه اذا نقل دل التواتر على وجوده وإذا لم ينقل مع توفر الهمم والدواعي على نقله لو كان موجودا علم أنه لم يوجد كالأمور الظاهرة التي يشترك فيها الناس مثل موت ملك وتبدل ملك


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 188 ]  


بملك وبناء مدينة ظاهرة وحدوث حادث عظيم في المسجد أو البلد فمثل هذه الامور لا بد أن ينقلها الناس اذا وقعت فإذا لم تنقل نقلا عاما بل نقلها واحد علم أنه قد كذب وهذا مبسوط في غير هذا الموضع وقد بسط في غير هذا الموضع الفرق بين الآية التي هي علامة تدل على نفس المعلوم وبين القياس الشمولي الذي لا يدل الا على قدر كلي مشترك لا يدل على شيء معين اذ كان لا بد فيه من قضية كلية وأن ذلك القياس لا يفيد العلم بأعيان الأمور الموجودة ولا يفيد معرفة شيء لا الخالق ولا نبي من أنبيائه ولا نحو ذلك بل اذا قيل كل محدث فلا بد له من محدث دل على محدث مطلق لا يدل على عينه بخلاف آيات الله فانها تدل على عينه وبينا أن القرآن ذكر الاستدلال بآيات الله وقد يستدل بالقياس الشمولي والتمثيلي لكن دلالة الآيات أكمل وأتم وتبين غلط من عظم دلالة القياس الشمولي المنطقي وأنهم من أبعد الناس عن العلم والبيان وذكرنا أيضا غلط من فضل الشمولي على التمثيلي وأنهما من جنس واحد والتمثيلي أنفع وإنما الآيات تكون أحسن وقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي ما ذكره أبو بكر بن الأنباري وغيره في الآيات آيات القرآن مثل قوله قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين ثلاثة اقوال قال في معنى الآية ثلاثة أقوال أحدها أنها العلامة فمعنى آية علامة لانقطاع الكلام الذي قبلها وبعدها قال الشاعر ... ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما يحبون الطعاما ...
وقال النابغة ... توهمت آيات لها فعرفتها ... لستة أعوام وذا العام سابع ...
قال وهذا اختيار أبي عبيد قلت أما أن الآية هي العلامة في اللغة فهذا صحيح وما استشهد به من الشعر يشهد لذلك وأما تسمية الآية من القرآن آية لأنها علامة صحيح لكن قول القائل إنها علامة لانقطاع الكلام الذي قبلها وبعدها ليس بطائل فإن هذا المعنى الحد والفصل فالآية مفصولة عما قبلها وعما بعدها وليس معنى كونها آية هو هذا وكيف وآخر الآيات آية مثل آخر سورة الناس وكذلك آخر آية من السورة وليس بعدها شيء وأول الآيات آية وليس قبلها شيء مثل أول آية من


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 189 ]  


القرآن ومن السورة وإذا قرئت الآية وحدها كانت آية وليس معها غيرها وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح ان تعذبهم فانهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فهي آية في نفسها لا لكونها منقطعة مما قبلها وما بعدها وأيضا فكونه علامة على هذا الانقطاع قدر مشترك بين جميع الاشياء التي يتميز بعضها عن بعض ولا تسمى آيات والسورة متميزة عما قبلها وما بعدها وهي آيات كثيرة وأيضا فالكلام الذي قبلها منقطع وما قبلها آية فليست دلالة الثانية على الانقطاع بأولى من دلالة الأولى عليه وأيضا فكيف يكون كونها آية علامة للتمييز بينها وبين غيرها والله سماها آياته فقال تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق والصواب أنها آية من آيات الله أي علامة من علاماته ودلالة من أدلة الله وبيان من بيانه فان كل آية قد بين فيها من أمره وخبره ما هي دليل عليه وعلامة عليه فهي آية من آياته وهي أيضا دالة على كلام الله المباين لكلام المخلوقين فهي دلالة على الله سبحانه وعلى ما أرسل بها رسوله ولما كانت كل آية مفصولة بمقاطع الآي التي يختم بها كل آية صارت كل جملة مفصولة بمقاطع الآي آية ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقف على رءوس الآي كما نعتت قراءته الحمد لله رب العالمين ويقف الرحمن الرحيم ويقف مالك يوم الدين ويقف ويسمى أصحاب الوقف وقف السنة لأن كل آية لها فصل ومقطع تتميز به عن الاخرى قال والوجه الثاني أنها سميت آية لأنها جماعة حروف من القرآن وطائفة منه قال أبو عمر الشيباني يقال خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم وأنشدوا ... خرجنا من النقبين لاحي مثلنا ... بآياتنا نزجي اللقاح المطافلا ...
قلت هذا فيه نظر فإن قولهم خرج القوم بآيتهم قد يراد به بالعلامة التي تجمعهم مثل الراية واللواء فإن العادة أن كل قوم لهم أمير تكون له آية يعرفون بها فاذا أخرج الامير آيتهم اجتمعوا اليه ولهذا سمى ذلك علما والعلم هي العلامة والآية ويسمى راية لانه يرى فخروجهم بآيتهم أي بالعلم والآية التي تجمعهم فيستدل به على خروجهم جميعهم فإن الامير المطاع اذا خرج لم يتخلف أحد


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 190 ]  


بخلاف ما اذا خرج بعض أمرائه وإلا فلفظ الآية هي العلامة وهذا معلوم بالاضطرار من اللغة والاشتراك في اللفظ لا يثبت بأمر محتمل قال والثالث أنها سميت آية لانها عجب وذلك أن قارئها يستدل اذا قرأها على مباينتها لكلام المخلوقين وهذا كما يقول فلان آية من الآيات أي عجب من العجائب ذكره ابن الأنباري قلت هذا القول هو داخل في معنى كونها آية من آيات الله فإن آيات الله كلها عجيبة فإنها خارجة عن قدرة البشر وعما قد يشبه بها من مقدور البشر والقرآن كله عجب تعجبت به الجن كما حكى عنهم تعالى انهم قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا فإنه كلام خارج عن المعهود من الكلام وهو كما في الحديث لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد وكل آية لله خرجت عن المعتاد فهي عجب كما قال تعالى أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا فالآيات العلامات والدلالة ومنها مألوف معتاد ومنها خارج عن المألوف المعتاد وآيات القرآن من هذا الباب فالقرآن عجب لا لأن مسمى الآية هو مسمى العجب بل مسمى الآية أعم ولهذا قال كانوا من آياتنا عجبا ولكن لفظ الآية قد يخص في العرف بما يحدثه الله وإنها غير المعتاد دائما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله وانهما لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده وقد قال تعالى وما منعنا أن نرسل بالآيات الا أن كذب بها الاولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات الا تخويفا وفي الحديث الصحيح لما دخلت أسماء على عائشة وهي في الصلاة فسألتها فقالت سبحان الله فقالت آية فأشارت أي نعم وتسمى صلاة الكسوف صلاة الآيات وهي مشروعة في أحد القولين في مذهب أحمد في جميع الآيات التي يحصل بها التخويف كانتثار الكواكب والظلمة الشديدة وتصلى للزلزلة نص عليه كما جاء الأثر بذلك فهذه الآيات أخص من مطلق الآيات وقد قال تعالى وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث آيات يتعلمهن خير له من ثلاث خلفات سمان


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 191 ]  


فصل والدليل الذي هو الآية والعلامة ينقسم إلى ما يدل بنفسه وإلى ما يدل بدلالة الدال به فيكون الدليل ف









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات

كتاب سير اعلام النبلاء قال الامام الذهبي : وفي سنة ثمان

كتاب سير اعلام النبلاء
قال الامام الذهبي :
وفي سنة ثمان
توفيت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأكبر بناته، وهي التي غسلتها أم عطية الأنصارية، وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم حقوه، وقال: أشعرنها إياه. فجعلته شعارها تحت كفنها. وقد ولدت زينب من أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس أمامة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة.
وفيها: عمل منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب عليه، وحن إليه الجذع الذي كان يخطب عنده.
وفيها: ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها: وهبت سودة أم المؤمنين يومها لعائشة، رضي الله عنها.
وفيها: توفي مغفل بن عبد نهم بن عفيف المزني؛ والد عبد الله؛ وله صحبة.
وفيها: مات ملك العرب بالشام؛ الحارث بن أبي شمر الغساني، كافرا. وولي بعده جبلة بن الأيهم.
فروى أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، عن ابن عائذ، عن الواقدي، عن عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر وهو بالغوطة، فسار من المدينة في ذي الحجة سنة ست. قال: فأتيته فوجدته يهيئ الإنزال لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء؛ إذ كشف الله عنه جنود فارس؛ تشكر الله.
فلما قرأ الكتاب رمي به؛ وقال: ومن ينزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه بالناس. ثم عرض إلى الليل، وأمر بالخيل تنعل، وقال: أخبر صاحبك بما ترى. فصادف قيصر بإيلياء وعنده دحية الكلبي بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب قيصر إليه: أن لا يسير إليه، واله عنه، وواف إيلياه.
قال شجاع: فقدمت، وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "باد ملكه". ويقال: حج بالناس عتاب بن أسيد أمير مكة. وقيل: حج الناس أوزاعا1.
حكاهما الواقدي. والله أعلم.
__________
1 أوزاعا: متفرقين.
(2/156)

السنة التاسعة:
قيل: وفي ربيع الأول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى 






المصدر :   

 
الكتاب: سير أعلام النبلاء
المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)
الناشر: دار الحديث- القاهرة
الطبعة: 1427هـ-2006م
عدد الأجزاء: 18
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

من كتب المكتبة الشاملة

كتاب سير اعلام النبلاء قال الامام الذهبي : قصة كعب بن زهير:

كتاب سير اعلام النبلاء
قال الامام الذهبي :
قصة كعب بن زهير:
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من منصرفه، كتب بجير بن زهير؛ يعني إلى أخيه كعب بن زهير، يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش؛ ابن الزبعري، وهبيرة بن أبي وهب، قد ذهبوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض.
وكان كعب قد قال:
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
فبين لنا إن كنت لست بفاعل ... على أي شيء غير ذلك دلكا
على خلق لم ألف يوما أبا له ... عليه وما تلفي عليه أخا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قاتل إما عثرت: لعا لكا
سقاك بها المأمون كأسا روية ... فأنهلك المأمون منها وعلكا
فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده إياها. فقال لما سمع "سقاك بها المأمون": "صدق وإنه لكذوب". ولما سمع: "على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه". قال: "أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه".
ثم قال بجير لكعب:
من مبلغ كعبا فهل لك في التي ... تلوم عليها باطلا وهي أحزم
(2/151)

إلى الله -لا العزى ولا اللات- وحده ... فتنجو إذا كان النجاء وتسلم
لدى يوم لا تنجو ولست بمفلت ... من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه ... ودين أبي سلمى علي محرم
فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه، فقالوا: هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته، وقدم المدينة.
وقال إبراهيم بن ديزيل، وغيره: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا الحجاج ابن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، عن أبيه، عن جده، قال: خرج كعب وبجير أخوه ابنا زهير حتى أتيا أبرق العزاف، فقال بجير لكعب: اثبت هنا حتى آتي هذا الرجل فأسمع ما يقول. قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فأسلم، فبلغ ذلك كعبا، فقال:
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
سقاك بها المأمون كاسا روية ... وأنهلك المأمور منها وعلكا
ويروى: سقاك أبو بكر بكأس روية.
ففارقت أسباب الهدى وتبعته ... على أي شيء ويب1 غيرك دلكا
على مذهب لم تلف أما ولا أبا ... عليه، ولم تعرف عليه أخا لكا
فاتصل الشعر بالنبي صلى الله عليه وسلم فأهدر دمه. فكتب بجير إليه بذلك، ويقول له: النجاء وما أراك تنفلت. ثم كتب إليه: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا قبل ذلك منه، وأسقط ما كان قبل ذلك. فأسلم كعب، وقال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه مكان المائدة من القوم، والقوم متحلقون معه حلقة دون حلقة، يلتفت إلى هؤلاء مرة فيحدثهم، وإلى هؤلاء مرة فيحدثهم.
قال كعب: فأنخت راحلتي، ودخلت، فعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفة، فتخطيت حتى
__________
1 ويب: ويل.
(2/152)

جلست إليه فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، الأمان يا رسول الله. قال: "ومن أنت"؟ قلت: أنا كعب بن زهير. قال: "الذي يقول": ثم التفت إلى أبي بكر، فقال: "كيف يا أبا بكر". فأنشده:
سقاك أبو بكر بكأس روية ... وأنهلك المأمور منها وعلكا
قلت: يا رسول الله، ما قلت هكذا. قال: "فكيف قلت"؟. قلت: إنما قلت:
وأنهلك المأمون منها وعلكا
فقال: "مأمون، والله".
قال: ثم أنشده:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول1 ... متيم إثرها لم يلف مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول
تجلوا عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول
شجت بذي شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول2
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه ... من صوب سارية بيض يعاليل3
أكرم بها خلة لو أنها صدقت ... موعودها، أو لو أن النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها ... فجع وولع وإخلاف وتبديل4
فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول5
__________
1 متبول: أي مصاب بتبل، وهو الذحل والعداوة. قلب متبول إذا غلبه الحب وهيمه. وتبله الحب يتبله وأتبله: أسقمه وأفسده، وقيل: تبله تبلا ذهب بعقله.
2 شجت: مزجت وخلطت. وذي شبم: ماء بارد. ومشمول: ريح الشمال وقد ضربته فبرد ماؤه وصفا.
3 اليعاليل: سحائب بعضها فوق بعض، الواحد يعلول. ويقال: اليعاليل نفاخات تكون فوق الماء من وقع المطر، والياء زائدة، واليعلول: المطر بعد المطر.
4 سيط: خلط. الفجع: الرزية والمصيبة المؤلمة. والولع: بالتسكين الكذب.
5 الغول: الداهية.
(2/153)

ولا تمسك بالعهد الذي زعمت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... إن الأماني والأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل
أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل
ولن يبلغها إلا عذافرة1 ... فيها على الأين إرقال وتبغيل2
من كل نضاخة الذفرى3 إذا عرقت ... عرضتها طامس الأعلام مجهول
ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق4 ... إذا توقدت الحزان والميل5
ضخم مقلدها، فعم6 مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
غلباء وجناء علكوم مذكرة7 ... في دفها سعة قدامها ميل
وجلدها من أطوم ما يؤيسه ... طلح بضاحية المتنين مهزول8
حرف أبوها أخوها من مهجنة ... وعمها خالها قوداء شمليل9
__________
1 العذافرة: الناقة الشديدة الأمينة الوثيقة الظهيرة وهي الأمون.
2 الأين: الإعياء والتعب. الإرقال والتبغيل: مشى فيه سرعة.
3 الذفرى من القفا هو الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن.
4 المفرد: ثور الوحش شبه به الناقة. واللهق: الأبيض.
5 الحزان: الغليظ من الأرض المرتفعة. قال ابن شميل: أول حزون الأرض قفافها وجبالها وقواقيها وخشنها ورضمها، ولا تعد أرض طيبة، وإن جلدت حزنا، وجمعها حزون.
6 الفعم: الممتلئ.
7 غلباء: غليظة الرقبة. والوجناء: الغليظة الصلبة الشديدة للحم الوجنة.
8 الأطوم: الزرافة يصف جلدها بالقوة والملاسة. لا يؤيسه: لا يؤثر فيه.
9 حرف: يصف الناقة بالحرف؛ لأنها ضامر، وتشبه بالحرف من حروف المعجم، وهو الألف لدقتها. وتشبه بحرف الجبل إذا وصفت بالعظم. ومهجنة: أي أنها ممنوعة من فحول الناس إلا من فحول بلادها لعتقها وكرمها. وقيل: حمل عليها في صغرها، وقيل: أراد بالمهجنة أنها من إبل كرام. والقوداء: الثنية الطويلة في السماء والشمليل: الخفيفة السريعة.
(2/154)

تسعى الوشاة بدفيها وقيلهم ... إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول
وقال كل صديق كنت آمله: ... لا ألهينك، إني عنك مشغول
خلوا طريق يديها لا أبا لكم ... فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوما على آله حدباء محمول
أنبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا رسول الله الذي أعطاك نافلة الـ ... ـقرآن، فيه مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم ... أذنب، ولو كثرت عني الأقاويل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظل يرعد إلا أن يكون له ... من الرسول بإذن الله تنويل
حتى وضعت يميني لا أنازعه ... في كف ذي نقمات قيله القيل
لذلك أخوف عندي إذ أكلمه ... وقيل: إنك منسوب ومسؤول
من ضيغم من ليوث الأسد مسكنه ... من بطن عثر غيل دونه غيل
إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
في فتية من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا: زولوا
زالوا، فما زال أنكاس ولا كشف1 ... عند اللقاء، ولا خيل معازيل2
شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إذا عرد السود التنابيل
لا يفرحون إذا نالت سيوفهم ... قوما، وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
لا يقع الطعن إلا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل
__________
1 الكشف: جمع أكشف، وهو الذي لا ترس معه كأنه منكشف غير مستور.
2 المعازيل: الذين لا سلاح معهم.
(2/155)

وفي سنة ثمان توفيت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأكبر بناته، وهي التي غسلتها أم عطية الأنصارية، وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم حقوه، وق






المصدر :   

 
الكتاب: سير أعلام النبلاء
المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)
الناشر: دار الحديث- القاهرة
الطبعة: 1427هـ-2006م
عدد الأجزاء: 18
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

من كتب المكتبة الشاملة

الخميس، 19 يونيو 2014

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر مقتله رضي الله عنه:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر مقتله رضي الله عنه:
عن زيد بن وهب قال قدم علي على قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجه فقال له اتق الله يا علي فانك ميت فقال له علي عليه السلام بل مقتول ضربة على هذا تخضب هذه يعني لحيته من رأسه عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى".
وعاتبه في لباسه فقال ما لكم وللباس؟ هو ابعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم.
وعن أبي الطفيل قال دعا علي الناس إلى البيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي فرده مرتين ثم أتاه فقال ما يحبس أشقاها؟ لتخضبن أو لصبغن هذه يعني لحيته من رأسه ثم تمثل بهذين البيتين:
اشدد حيازيمك للموت ... فان الموت آتيك
ولا تجزع من القتل ... إذا حل بواديك
وعن أبي مجلز قال جاء رجل من مراد إلى علي وهو يصلي في المسجد فقال:
(1/124)

احترس فان ناسا من مراد يريدون قتلك فقال أن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر عليه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وان الآجل جنة حصينة.
قال العلماء بالسير ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان وقيل ليلة إحدى وعشرين منه سنة أربعين فبقي الجمعة والسبت ومات ليلة الأحد وغسله ابناه وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن ودفن في السحر وفي سنة أربعة أقوال أحدها ثلاث وستون والثاني خمس وستون والثالث سبع وخمسون والرابع ثمان وخمسون.
عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل علي عليه السلام وهو ابن ثمان وخمسين ومات لها حسن وقتل لها الحسين ومات علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين وسمعت جعفرا يقول سمعت أبي يقول لعمته فاطمة بنت حسين أم عبد الله بن حسن هذه توفي لي ثمانيا وخمسين فمات لها.
قال سفيان وسمعت جعفر بن محمد يقول وقد زدت أنا على ثمان وخمسين.
وعن أبي جعفر قال هلك علي بن أبي طالب وله خمس وستون سنة قال وكان علي وطلحة والزبير في سن وأحد.
(1/125)

6- أبو محمد طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب:
ابن سعد بن تيم بن مرة كعب بن لؤي.
أمه: الصعبة ب






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : كلمات منتخبة من كلامه ومواعظه عليه السلام:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
كلمات منتخبة من كلامه ومواعظه عليه السلام:
عن عبد خير عن علي عليه السلام قال ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر عملك ويعظم حلمك ولا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل أذنب ذنوبا فهو يتدارك ذك بتوبة أو رجل يسارع في الخيرات ولا يقل عمل في تقوى وكيف يقل ما يتقبل1.
وعن مهاجر بن عمير قال قال علي بن أبي طالب: "إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة إلا وان الدنيا قد ترحلت مدبرة ألا وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل"2.
وعن رجل من بني شيبان إن علي بن أبي طالب عليه السلام خطب فقال الحمد لله أحمده واستعينه واؤمن به واتوكل عليه واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليزيح به علتكم وليوقظ به غفلتكم واعلموا إنكم
__________
1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/117. رقم 233.
2 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/117. رقم 235.
(1/120)

ميتون ومبعوثون من بعد الموت وموقفون على أعمالكم ومجزيون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها دار بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال ولا تدوم أهوالها ولن يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور آذاهم منها في بلاء وغرور أحوال مختلفة وتارات متصرفة العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسمامها وتقصمهم بحمامها وكل حتفه فيها مقدور وحظه فيها موفور.
واعلموا عباد الله إنكم وما انتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم اعمارا واشد منكم بطشا واعمر ديارا وابعد أثارا فأصبحت أموالهم هامدة من بعد نقلتهم وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية فاستبدلوا بالقصور المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والأحجار في القبور التي قد بني على الخراب فناؤها وشيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والأخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى وأظلتهم الجنادل والثرى فأصبحوا الحياة أمواتا وبعد غضارة العيش رفاتا فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات: {كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} المؤمنون: 100] وكان قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبعثرت القبور وحصل ما في الصدور ووقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار هناك: {تجزى كل نفس بما كسبت} [غافر:17] أن الله عز وجل يقول: {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} [النجم: 31] وقال: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} [الكهف: 49] جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله {إنه حميد مجيد} .
عن الحسن عن علي عليه السلام قال طوبى لكل عبد نومة عرف الناس ولم يعرفه الناس
(1/121)

عرفه الله برضوان أولئك مصابيح الهدى يكشف الله عنهم كل فتنة مظلمة سيدخلهم الله في رحمة منه ليسوا بالمذابيع البذر ولا الجفاة المرائين.
وعن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام إلا إن الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من عذاب الله ولا يرخص لهم في معاصي الله ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ولا خير في عبادة لا علم فيها ولا خير في علم لا فهم فيه ولا خير في قراءة لا تدبر فيها".
وعن الشعبي أن عليا عليه السلام قال يا أيها الناس خذوا عني هؤلاء الكلمات فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما أصبتم مثلها لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه ولا يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم ولا يستحيي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا اعلم واعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس له".
وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال أوحى الله عز وجل إلى نبي بين الأنبياء أنه ليس من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما أحب فيتحولون عن ذلك إلى ما اكره إلا تحولت لهم مما يحبون إلى ما يكرهون وليس من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما اكره فيتحولون من ذلك إلى ما أحب إلا تحولت لهم مما يكرهون إلى ما يحبون.
وعن عبد الله بن عباس أنه قال ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتفاعي بكتاب كتب به إلي علي بن أبي طالب فانه كتب إلي:
أما بعد فان المرء يسوءه فوت ما لم يكن ليدركه ويسره درك ما لم يكن ليفوته فليكن سرورك بما نلت من أمر أخرتك وليكن اسفك على ما فاتك منها وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا وما فاتك منها فلا تأس عليه حزنا وليكن همك فيما بعد الموت".
وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن عليا رضي الله عنه شيع جنازة فلما وضعت في لحدها عج أهلها وبكوها فقال ما تبكون أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم لأذهلتهم معاينتهم عن ميتهم وان له فيهم لعودة ثم عودة حتى لا يبقي منهم أحدا ثم قام فقال:
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال ووقت لكم الآجال وجعل لكم أسماعا تعي ما عناها وأبصارا لتجلو عن غشاها وأفئدة نفهم ما دهاها أن الله لم يخلقكم عبثا ولم يضرب عنكم الذكر صفحا بل أكرمكم بالنعم السوابغ وارصد لكم
(1/122)

الجزاء فاتقوا لله عباد الله وجدوا في الطلب وبادروا بالعمل قبل هادم اللذات فان الدنيا لا يدوم نعميها ولا تؤمن فجائعها غرور حائل وسناد مائل اتعظوا عباد الله بالعبر وازدجروا بالنذر وانتفعوا بالمواعظ فكان قد علقتكم مخالب المنية وضمنتم بيت التراب ودهمتكم مفظعات الأمور بنفخة الصور وبعثرة القبور وسياق المحشر وموقف الحساب بإحاطة قدرة الجبار كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها وشاهد يشهد عليها: {وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون} [الزمر: 69] فارتجت لذلك اليوم البلاد ونادى المنادي وحشرت الوحوش وبدت الأسرار وارتجت الأفئدة وبرزت الجحيم قد تأجج جحيمها وغلا حميمها عباد الله اتقوا الله تقية من وجل وحذر وحذر وابصر وازدجر فاحتث طلبا ونجا هربا وقدم للمعاد واستظهر بالزاد وكفى بالله منتقما ونصيرا وكفى بالكتاب خصما وحجيجا وكفى بالجنة ثوابا وكفى بالنار وبالا وعقابا واستغفر الله لي ولكم.
وعن كميل بن زياد قال أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما اصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال يا كميل بن زياد القلوب أوعية فخيرها أوعاها للعلم احفظ ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم يزكو على العمل وامال تنقصه النفقة العلم حاكم والمال محكوم عليه وصنيعة المال تزول بزواله ومحبة العالم دين يدان بها العلم يكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد مماته مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وامثالهم في القلوب موجودة.
إن ههنا وأومأ بيده إلى صدره علما لو أصبت له حملة بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بنعم الله على عباده وبحججه على كتابه أو معاندا لأهل الحق لا بصيرة له في أحيائه ينقدح الشك في قلبه عارض من شبهة لا ذا ولا ذاك أو منهوما باللذات سلس القياد للشهوات أو مغري بجمع المال والادخار ليسا من دعاة الدين في شيء اقرب شبها بهم الأنعام السائمة.
كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي
(1/123)

لا تبطل حجج الله وبيناته أولئك هم الأقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا بهم يحفظ الله حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعونها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة في المحل الأعلى آه آه شوقا إلى رؤيتهم واستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم".
وعن أبي اراكة قال صليت مع علي بن أبي طالب عليه السلام صلاة الفجر فلما سلم انفتل عن يمينه ثم مكث كان عليه كابة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال وقلب يده:
لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثا صفرا غبرا بين أعينهم أمثال وكب المعزى قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا اصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله لكان القوم باتوا غافلين".
ثم نهض فما رئي مفترا يضحك حتى ضربه ابن ملجم والسلام.
ذكر مقتله رضي الله عنه:
عن زيد بن وهب قال قدم علي على قوم من أه






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

الأربعاء، 18 يونيو 2014

كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل قل ابن خزيمة : 3 - : باب ذكر إثبات وجه الله

كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل
قل ابن خزيمة :
3 - : باب ذكر إثبات وجه الله 
الذى وصفة بالجلال والإكرام في قوله ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ونفى عنه الهلاك إذا أهلك الله ما قد قضى عليه الهلاك مما قد خلقه الله للفناء لا للبقاء جل ربنا عن أن يهلك شئ منه مما هو من صفات ذاته قال الله جل وعلا ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام 
وقال كل شئ هالك إلا وجهه وقال لنبيه 
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه
(1/24)
وقال ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله 
فأثبت الله لنفسه وجها وصفه بالجلال والإكرام وحكم لوجهه بالبقاء ونفى الهلاك عنه
(1/25)
فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر مذهبنا أنا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه نقر بذلك بألسنتنا ونصدق ذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين عز ربنا عن أن يشبه المخلوقين وجل ربنا عن مقالة المعطلين وعز أن يكون عدما كما قاله المبطلون لأن ما لا صفة له عدم تعالى الله عما يقول الجهميون الذين ينكرون صفات خالقنا الذى وصف بها نفسه في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه
(1/26)
محمد قال الله جل ذكره في سورة الروم فآت ذا القربى حقه إلى قوله ذلك خير للذين يريدون وجه الله وقال وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله وقال إنما نطعمكم لوجه الله وقال وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى 4 باب ذكر البيان من أخبار النبي المصطفى في إثبات الوجه لله جل ثناؤه وتباركت أس





الكتاب : كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل
المؤلف : أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (المتوفى : 311هـ)
الناشر : مكتبة الرشيد - الرياض
الطبعة الخامسة ، 1994
تحقيق : د.عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان
عدد الأجزاء : 2

الثلاثاء، 17 يونيو 2014

كأنها بوادر السكتة القلبية . . ماذا تفعل ؟

كأنها بوادر السكتة القلبية . . ماذا تفعل ؟

لنفرض إنها الساعة 6:30 مساء
وأنت تقود سيارتك (لوحدك
طبعا) وبعد عناء غير اعتيادي
في العمل، أنت متعب  جداً ،
منهك وعابس ، فجأة بدأت
تشعر بألم شديد في صدرك
والذي أخذ بالإنتشار للأعلى
لكتفك ويدك . .
وكأنها بوادر السكتة القلبية . .
أنت على بعد 5 كيلومتر من
أقرب مستشفى لمنزلك ،
ولكنك للأسف لا تعلم هل
يمكنك قطع هذه المسافة
قبل أن تسكتك السكتة
القلبية .. !!

.. ماذا تستطيع أن تفعل !!

لقد تعلمت في دورة الـ cpr أو
الـ bls (الإنعاش القلبي) ولكن
المعلم الذي دربك أهمل أن
يخبرك كيف تطبق الـ cpr على
نفسك ، وبما أن الكثير من
الناس يكونون بمفردهم عندما
يعانون من السكتة القلبية فإن
هذا الموضوع هام جداً ومطلوب.
الشخص الذي لا ينبض قلبه
بإنتظام وأصبح يشعر بالإغماء
فإن لديه 10 ثواني قبل أن يفقد
كامل وعيه . .
على كل حال ، ضحايا السكتة
القلبية يستطيعون مساعدة
أنفسهم بواسطة الكحة بقوة
شديدة وبشكل متكرر . .
نفس عميق يجب أن يؤخذ قبل
كل كحة ، والكحة يجب أن تكون
عميقة وطويلة وتتكرر كل ثانيتين
على الأقل وبدون توقف أو
إستسلام إلى أن تأتي المساعدة
أو حتى يشعر أن القلب رجع
للنبض الطبيعي بإذن الله . .
فالنفس العميق يدخل الأكسجين
إلى الرئتين أما الكحة فهي
تضغط على القلب وتحرك الدورة
الدموية ، والضغط على القلب
المتولد عن الكحة يعيد النبض
الطبيعي للقلب أيضا . 

أ. د. خالد العياضي

 - كن لطيفاً وتكرم بارسالها للبقيه
 معلومه لك و للزمن.

السبت، 7 يونيو 2014

كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل قل ابن خزيمة : باب ذكر البيان من خبر النبي في إثبات النفس لله عز و جل

كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل
قل ابن خزيمة :
باب ذكر البيان من خبر النبي في إثبات النفس لله عز و جل
على مثل موافقة التنزيل الذي بين الدفتين مسطور وفي المحاريب والمساجد والبيوت والسكك مقروء
(1/13)
1 - : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال ثنا أبو معاوية قال ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله يقول الله أنا مع عبدي حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم // أخرجه البخارى في كتاب التوحيد //
(1/15)
2 - : حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج قال ثنا ابن نمير قال ثنا الأعمش بهذا السند مثله 
3 - : حدثنا بشر بن خالد العسكري قال ثنا محمد يعني بن جعفر عن شعبة عن سليمان وهو الأعمش قال سمعت ذكوان يحدث عن أبي هريرة عن النبي قال قال الله عبدى عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وأطيب 
4 - : حدثنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر قالا حدثنا عبد الرزاق
(1/16)
قال أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله قال الله تبارك وتعالى ابن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي فإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة أو قال في ملأ خير منهم // أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات // فقال عبد الرحمن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي 
5 - : حدثنا عبد الجبار بن العلا العطار قال ثنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن وهو مولى آل طلحة عن كريب عن ابن عباس أن النبي حين خرج إلى صلاة الصبح وجويرية جالسة في المسجد فرجع حين تعالى النهار قال لم تزالي جالسة بعدى قالت نعم قال قد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بهن لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ومداد كلماته ورضى نفسه وزنة عرشه // أخرجه مسلم في كتاب الذكر //
(1/17)
قال أبو بكر خبر شعبة عن محمد بن عبد الرحمن من هذا الباب خرجته في كتاب الدعاء 
6 - : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرني أنس بن عياض عن الحرث وهو ابن أبي ذباب عن عطاء بن مينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده أن رحمتى نالت غضبي // أخرجه البخارى في كتاب التوحيد // 
قال لنا يونس قال لنا أنس نالت
(1/18)
حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي قال حدثنا خالد يعنى ابن الحرث عن محمد بن عجلان 
7 - : وحدثنا محمد بن العلا أبو كريب قال حدثنا أبو خالد عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله لما خلق الله الخلق كتب بيده على نفسه أن رحمتى تغلب غضبي // أخرجه مسلم في كتاب التوبة // 
قال أبو بكر فالله جلا وعلا أثبت في آى من كتابه أن له نفسا وكذلك قد بين على لسان نبيه أن له نفسا كما أثبت النفس في كتابه وكفرت الجهمية بهذه الآى وهذه السنن وزعم بعض جهلتهم أن الله تعالى إنما أضاف النفس إليه على معنى إضافة الخلق إليه وزعم أن نفسه غيره كما أن خلقه غيره وهذا لا يتوهمه ذو لب وعلم فضلا عن أن يتكلم به 
قد أعلم الله في محكم تنزيله أنه كتب على نفسه الرحمة أفيتوهم مسلم أن الله تعالى كتب على غيره الرحمة وحذر الله العباد نفسه 
أفيحل لمسلم أن
(1/19)
يقول إن الله حذر العباد غيره أو يتأول قوله لكليمه موسى واصطنعتك لنفسي فيقول معناه واصطنعتك لغيرى من الخلوق أو يقول أراد روح الله بقوله ولا أعلم ما في نفسك أراد ولا أعلم ما في غيرك هذا لا يتوهمه مسلم ولا يقوله إلا معطل كافر 
8 - : حدثنا محمد بن يحيى قال ثنا أبو النعمان قال ثنا مهدى بن ميمون قال حدثني محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي قال التقى آدم وموسى عليهما السلام فقال له موسى أنت الذى أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة قال آدم لموسى عليهما السلام أنت الذى اصطفاك الله برسالاته واصطنعك لنفسه وأنزل عليك التوراة قال نعم قال فهل وجدته كتبه لي قبل أن يخلقني قال نعم قال فحج آدم موسى عليهما السلام ثلاث مرات // أخرجه البخارى في كتاب التفسير // يريد كرر هذا القول ثلاث مرات
(1/20)
9 - : حدثنا أبو موسى قال ثنا عبد الصمد قال ثنا همام قال ثنا قتادة عن أبي قلابة عن ابن أسماء عن أبي ذر قال قال رسول الله فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادى فلا تظالموا كل بني آدم يخطئ بالليل والنهار ثم يستغفرني فأغفر له ولا أبالي وقال يا بني آدم كلكم كان ضالا إلا من هديت وكلكم كان جائعا إلا من أطعمت // أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج5 / ص 161 // فذكر الحديث 
10 - : حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر قال ثنا سعيد
(1/21)
ابن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي ادريس الخولاني عن أبي ذر عن رسول الله عن الله تبارك وتعالى أنه قال يا عبادى إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا // أخرجه مسلم في كتاب البر // باب ذكر إثبات العلم لله جل وعلا 
تباركت أسماؤه وجل ثناؤه بالوحي المنزل على النبي المصطفى الذى يقرأ في المحاريب والكتاتيب من العلم الذى هو من علم العام لا بنقل الأخبار التي هي من نقل علم الخاص ضد قول الجهمية المعطلة الذين لا يؤمنون بكتاب الله يحرفون الكلم عن مواضعه تشبها باليهود ينكرون أن لله علماء يزعمون أنهم يقولون أن الله هو العالم وينكرون أن لله علما مضافا إليه من صفات الذات 
قال الله جل وعلا في محكم تنزيله لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه قال عز و جل فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله 
فأعلمنا الله أنه أنزل القرآن بعلمه وخبرنا جل ثناؤه أن أنثى لا تحمل ولا تضع إلا بعلمه فأضاف الله جل وعلا إلى نفسه العلم الذى خبرنا أنه أنزل القرآن بعلمه وأن أنثى لا تحمل ولا تضع إلا بعلمه 
فكفرت الجهمية وأنكرت أن يكون لخالقنا علما مضافا إليه من صفات الذات تعالى الله عما يقول الطاعنون في علم الله علوا كبيرا فيقال لهم خبرونا عمن هو
(1/22)
عالم بالأشياء كلها أله علم أم لا فإن قال الله يعلم السر والنجوى وأخفى وهو بكل شئ عليم قيل له فمن هو عالم بالسر والنجوى وهو بكل شئ عليم أله علم أم لا علم له فلا جواب لهم لهذا السؤال إلا الهرب فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين
(1/23)
3 - : باب ذكر إثبات وجه الله 
الذى وصفة بالجلال والإكرام في قوله ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام





الكتاب : كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل
المؤلف : أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (المتوفى : 311هـ)
الناشر : مكتبة الرشيد - الرياض
الطبعة الخامسة ، 1994
تحقيق : د.عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان
عدد الأجزاء : 2

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل وقد ذكر الله تعالى في القرآن الحجة على من أنكر قدرته وعلى من أنكر حكمته

كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل وقد ذكر الله تعالى في القرآن الحجة على من أنكر قدرته وعلى من أنكر حكمته فأول ما أنزل الله تعالى اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم فذكر أنه الأكرم وهو أبلغ من الكريم وهو المحسن غاية الاحسان ومن كرمه أنه علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم فعلمه العلوم بقلبه والتعبير عنها بلسانه وأن يكتب ذلك بالقلم فذكر التعليم بالقلم يتناول علم العبارة والنطق وعبارة المعاني والعلوم فإذا كان قد علمه هذه العلوم فكيف يمتنع عليه أن يعلمه ما يأمره به وما يخبره به وبيان ذلك أنه قال في أول السورة اقرأ باسم بك الذي خلق خلق الانسان من علق ومعلوم أن من رأى العلقة قطعة من دم فقيل له هذه العلقة يصير منها انسان بعلم كذا


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 175 ]  


وكذا لكان يتعجب من هذا غاية التعجب وينكره أعظم الانكار ومعلوم أن نقل الانسان من كونه علقة إلى أن يصير انسانا عالما قادرا كاتبا أعظم من جعل مثل هذا الانسان يعلم ما أمر الله به وما أخبر به فمن قدر على أن ينقله من الصغر إلى أن يجعله عالما قارئا كاتبا كان أن يقدر على جعله عالما بما أمر به وبما أخبر به أولى وأحرى وهذا كما استدل على قدرته على اعادة الخلق بقدرته على الابتداء وقد أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم تعجبوا من التوحيد ومن النبوة ومن المعاد فقال تعالى والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا أن هذا لشيء عجاب فذكر تعجبهم من التوحيد والنبوة وقال تعالى أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم وهذا أيضا تعجب من أن أرسل اليهم رجل منهم وقوله أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس دل على أنه منذر لجنس الناس وأنه من جنس الناس لا يختص به العرب دون غيرهم وان كان أول ما أرسل اليهم وبلسانهم وقال تعالى ق والقران المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد وقال تعالى وان تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وقال تعالى بل عجبت ويسخرون وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون فالرسول كان يعجب من تكذيبهم لما جاءهم به من آيات الانبياء وهم يعجبون مما جاء به لكونه خارجا عما اعتادوه من النظائر فإنهم لم يعرفوا قبل مجيئه لا توحيدا ولا نبوة ولا معادا قال قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون وأما حكمته في إرسال بشر فقد ذكر أنه من جنسهم وأنه بلسانهم فهو أتم في الحكمة والرحمة وذكر أنهم لا يمكنهم


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 176 ]  


الأخذ عن الملك وأنه لو نزل ملكا لكان يجعله في صورة بشر ليأخذوا عنه ولهذا لم يكن البشر يرون الملائكة إلا في صورة الآدميين كما كان جبريل يأتي في صورة دحية الكلبي وكما أتى مرة في صورة أعرابي ولما جاءوا ابراهيم وامرأته حاضرة كانوا في صورة بشر وبشروها باسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قال تعالى وما منع الناس أن يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا ان قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا وأما قدرته على تعريف الخلق بأنه نبيه فكما تقدم فإنه إذا كان قادرا على أن يهدي الانسان الذي كان علقة ومضغة إلى أنواع العلوم بأنواع من الطرق انعاما عليه وفي ذلك من بيان قدرته وحكمته ورحمته ما فيه فكيف لا يقدر أن يعرفه صدق من أرسله اليه وهذا أعظم النعم عليه والاحسان اليه والتعريف بهذا دون تعريف الانسان ما عرفه به من أنواع العلوم فإنه إذا كان هداهم إلى ان يعلم بعضهم صدق رسول من أرسله اليه بشر مثله بعلامات يأتي بها الرسول وان كان لم تتقدم مواطأة وموافقة بين المرسل والمرسل اليهم فمن هدى عباده إلى أن يرسلوا رسولا بعلامة ويعلم المرسل إليه أنها علامة تدل على صدقه قطعا فكيف لا يقدر هو أن يرسل رسولا ويجعل معه علامات يعرف بها عباده أنه قد أرسله وهذا كمن جعل غيره قديرا عليما حكيما فهو أولى أن يكون قديرا عليما حكيما فمن جعل الناس يعلمون صدق رسول يرسله بعض خلقه بعلامات يعلم بها المرسل صدق رسوله فمن هدى العباد الى هذا فهو أقدر على أن يعلمهم صدق رسوله بعلامات يعرفون بها صدقه وإن لم يكن قبل ذلك قد تقدم بينهم وبينه مواطأة
وللناس طرق في دلالة المعجزة على صدق الرسول طريق الحكمة وطريق القدرة وطريق العلم والضرورة وطريق سنته وعادته التي بها يعرف أيضا ما يفعل وهو جنس المواطأة وطريق العدل وطريق الرحمة وكلها طرق صحيحة وكلما كان الناس إلى الشيء أحوج كان الرب به أجود وكذلك كلما كانوا إلى بعض العلم أحوج كان به أجود فإنه سبحانه الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم وهو الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى وهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 177 ]  


هدى فكيف لا يقدر أن يهدي عباده إلى أن يعلمون أن هذا رسوله وأن ما جاء به من الآيات آية من الله وهي شهادة من الله له بصدقه وكيف تقتضي حكمته أن يسوي بين الصادق والكاذب فيؤيد الكاذب من آيات الصدق بمثل ما يؤيد به الصادق حتى لا يعرف هذا من هذا وأن يرسل رسولا يأمر الخلق بالايمان به وطاعته ولا يجعل لهم طريقا إلى معرفة صدقه وهذا كتكليفهم بما لا يقدرون عليه ومالا يقدرون على أن يعلموه وهذا ممتنع في صفة الرب وهو منزه عنه سبحانه فإنه لا يكلف نفسا إلا وسعها وقد علم من سنته وعادته أنه لا يؤيد الكذاب بمثل ما أيد به الصادق قط بل لا بد أن يفضحه ولا ينصره بل لا بد أن يهلكه وإذا نصر ملكا ظالما مسلطا فهو لم يدع النبوة ولا كذب عليه بل هو ظالم سلطه على ظالم كما قال تعالى وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بخلاف من قال انه أرسله فهذا لا يؤيده تأييدا مستمرا الا مع الصدق لكنه قد يمهله مدة ثم يهلكه كما فعل بمن كذب الرسل أنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ولفظ النبي كلفظ الرسول هو في الأصل إنما قيل مضافا الى الله فيقال رسول الله ثم عرف باللام فكانت اللام تعاقب الإضافة كقوله فارسلنا الى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول وقوله لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منهم لو اذا وكذلك اسم النبي يقال نبي الله كما قال فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين وقيل لهم لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا فتقولون يا محمد بل قولوا يا نبي الله يا رسول الله ورسول فعول بمعنى مفعول أي مرسل فرسول الله الذي أرسله الله فكذلك نبي الله هو بمعنى مفعول أي منبأ الله الذي نبأه الله وهذا أجود من أن يقال انه بمعنى فاعل أي منبئ فانه إذا نبأه الله فهو نبي الله سواء أنبأ بذلك غيره أو لم ينبئه فالذي صار به النبي نبيا أن ينبئه الله وهذا مما يبين ما امتاز به عن غيره فإنه إذا كان الذي ينبئه الله كما أن الرسول هو الذي يرسله الله فما نبأ الله حق وصدق ليس فيه كذب لا خطأ ولا عمدا وما يوحيه الشيطان هو من إيحائه ليس


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 178 ]  


من إنباء الله فالذي اصطفاه الله لانبائه وجعله نبيا له كالذي اصطفاه لرسالته وجعله رسولا له فكما أن رسول الله لا يكون رسولا لغيره فلا يقبل أمر غير الله فكذلك نبي الله لا يكون نبيا لغر الله فلا يقبل أنباء أحد إلا أنباء الله واذا أخبر بما أنبأ الله وجب الايمان به فإنه صادق مصدوق ليس في شيء مما أنبأه الله به شيء من وحي الشيطان وهذا بخلاف غير النبي فإنه وإن كان قد يلهم ويحدث ويوحى اليه أشياء من الله ويكون حقا فقد يلقي اليه الشيطان أشياء ويشتبه هذا بهذا فإنه ليس نبيا لله كما أن الذي يأمر بطاعة الله غير الرسول وإن كان أكثر ما يأمر به هو طاعة الله فقد يغلط ويأمر بغير طاعة الله بخلاف الرسول المبلغ عن الله فإنه لا يأمر الا بطاعة الله قال تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع باذن الله فنبي الله هو الذي ينبئه الله لا غيره ولهذا أوجب الله الايمان بما أوتيه النبيون فقال تعالى قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون وقال تعالى آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقال تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم والآخر والملائكة والكتاب والنبيين وليس كل ما أوحي اليه الوحي العام يكون نبيا فإنه قد يوحي الى غير الناس قال تعالى وأوحى ربك الى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون وقال تعالى وأوحي في كل سماء أمرها وقال تعالى عن يوسف وهو صغير فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا اليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وقال تعالى وأوحينا الى أم موسى أن أرضعيه وقال تعالى وإذ أوحيت الى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي وقوله وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا يتناول وحي الانبياء وغيرهم كالمحدثين الملهمين كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد كان


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 179 ]  


في الامم قبلكم محدثون فان يكن في أمتي أحد فعمر منهم وقال عبادة بن الصامت رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده في منامه فهؤلاء المحدثون الملهمون المخاطبون يوحى اليهم هذا الحديث الذي هو لهم خطاب وإلهام وليسوا بأنبياء معصومين مصدقين في كل ما يقع لهم فإنه قد يوسوس لهم الشيطان بأشياء لا تكون من ايحاء الرب بل من ايحاء الشيطان وإنما يحصل الفرقان بما جاءت به الانبياء فهم الذين يفرقون بين وحي الرحمن ووحي الشيطان فإن الشياطين أعداؤهم وهم يوحون بخلاف وحي الانبياء قال تعالى وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون وقال تعالى وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون وقد غلط في النبوة طوائف غير الذين كذبوا بها إما ظاهرا وباطنا وإما باطنا كالمنافق المحض بل الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل الى الرسول وإلى من قبله وهم خلق كثير فيهم شعبة نفاق وان لم يكونوا مكذبين للرسول من كل وجه بل قد يعظمونه بقلوبهم ويعتقدون وجوب طاعته في أمور دون أمور وأبعد هؤلاء عن النبوة المتفلسفة والباطنية والملاحدة فإن هؤلاء لم يعرفوا النبوة الا من جهة القدر المشترك بين بني آدم وهو المنام وليس في كلام أرسطو وأتباعه كلام في النبوة والفارابي جعلها من جنس المنامات فقط ولهذا يفضل هو وأمثاله الفيلسوف على النبي وابن سينا عظمها أكثر من ذلك فجعل للنبي ثلاث خصائص أحدها أن ينال العلم بلا تعلم ويسميها القوة القدسية وهي القوة الحدسية عنده والثاني أن يتخيل في نفسه ما يعلمه فيرى في نفسه صورا نورانية ويسمع في نفسه أصواتا كما يرى النائم في نومه صورا تكلمه ويسمع كلامهم وذلك موجود في نفسه لا في الخارج فهكذا عند هؤلاء جميع ما يختص به النبي مما يراه ويسمعه دون الحاضرين انما يراه في نفسه ويسمعه في نفسه وكذلك الممرور عندهم والثالث أن يكون له قوة يتصرف بها في هيولي العالم باحداث أمور غريبة وهي عندهم آيات الانبياء وعندهم ليس في العالم حادث الا عن قوة نفسانية أو ملكية أو طبعية كالنفس الفلكية والانسانية والأشكال الفلكية والطبائع التي للعناصر


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 180 ]  


الاربعة والمولدات لا يقرون بأن فوق الفلك نفسه شيء يفعل ويحدث شيئا فلا يتكلم ولا يتحرك بوجه من الوجوه لا ملك ولا غير ملك فضلا عن رب العالم والعقول التي يثبتونها عندهم ليس فيها تحول من حال الى حال البتة لا بارادة ولا قول ولا عمل ولا غير ذلك وكذلك المبدأ الاول وهؤلاء عندهم جميع ما يحصل في نفوس الانبياء إنما هو من فيض العقل الفعال ثم انهم لما سمعوا كلام الانبياء أرادوا الجمع بينه وبين أقوالهم فصاروا يأخذون ألفاظ الانبياء فيضعونها على معانيهم ويسمون تلك المعاني الالفاظ المنقولة عن الانبياء ثم يتكلمون ويصفون الكتب بتلك الالفاظ المأخوذة عن الانبياء فيظن من لم يعرف مراد الانبياء ومرادهم أنهم عنوا بها ما عنته الانبياء وضل بذلك طوائف وهذا موجود في كلام ابن سينا ومن أخذ عنه وقد ذكر الغزالي ذلك عنهم تعريفا بمذهبهم وربما حذر عنه ووقع في كلامه طائفة من هذا في الكتب المضنون بها على غير أهلها وفي غير ذلك حتى في كتابه الاحياء يقول الملك والملكوت والجبروت ومقصوده الجسم والنفس والعقل الذي أثبتته الفلاسفة ويذكر اللوح المحفوظ ومراده به النفس الفلكية الى غير ذلك مما قد بسط في غير هذا الموضع وهو في التهافت وغيره يكفرهم وفي المضنون به يذكر ما هو حقيقة مذهبهم حتى يذكر في النبوات عين ما قالوه وكذلك في الإلهيات وهذه الصفات الثلاث التي جعلوها خاصة الانبياء توجد لعموم الناس بل توجد لكثير من الكفار من المشركين وأهل الكتاب فإنه قد يكون لاحدهم من العلم والعبادة ما يتميز به على غيره من الكفار ويحصل له بذلك حدس وفراسة يكون أفضل من غيره وأما التخييل في نفسه فهذا حاصل لجميع الناس الذين يرون في مناماتهم ما يرون لكن هو يقول أن خاصة النبي أن يحصل له في اليقظة ما حصل لغيره في المنام وهذا موجود لكثير من الناس قد يحصل له في اليقظة ما يحصل لغيره في المنام ويكفيك أنهم جعلوا مثل هذا يحصل للممرور وللساحر ولكن قالوا الساحر قصده فاسد والممرور ناقص العقل فجعلوا ما يحصل للانبياء من جنس ما يحصل للمجانين والسحرة وهذا قول الكفار في الانبياء كما قال تعالى وكذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 181 ]  


قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون وهؤلاء عندهم ما يحصل للنبي من المكاشفة والخطاب هو من جنس ما يحصل للساحر والمجنون لكن الفرق بينه وبين الساحر أنه يأمر بالخير وذاك يأمر بالشر والمجنون ماله عقل وهذا القدر الذي فرقوا به موجود في عامة الناس فلم يكن عندهم للانبياء مزية على السحرة والمجانين الا ما يشاركهم فيه عموم المؤمنين وكذلك ما أثبتوه من القوة الفعالة المتصرفة هي عندهم تحصل للساحر وغيره وذلك أنهم لا يعرفون الجن والشياطين وقد أخبروا بأمور عجيبة في العالم فأحالوا ذلك على قوة نفس الانسان فما يأتي به الانبياء من الآيات والسحرة والكهان وما يخبر به المصروع والممرور هو عندهم كله من قوة نفس الانسان فالخبر بالغيب هو لاتصالها بالنفس الفلكية ويسمونها اللوح المحفوظ والتصرف هو بالقوة النفسانية وهذا حذق ابن سينا وتصرفه لما أخبر بأمور في العالم غريبة لم يمكنه التكذيب بها فاراد اخراجها على أصولهم وصرح بذلك في إشارته وقال هذه الامور لم نثبتها ابتداء بل لما تحققنا أن في العالم أمورا من هذا الجنس أردنا أن نبين أسبابها وأما أرسطو وأتباعه فلم يعرفوا هذه الامور الغريبة ولم يتكلموا عليها ولا على آيات الانبياء ولكن كان السحر موجودا فيهم وهؤلاء من أبعد الامم عن العلوم الكلية والالهية فان حدوث هذه الغرائب من الجن واقترانهم بالسحرة والكهان مما قد عرفة عامة الامم وذكروه في كتبهم غير العرب مثل الهند والترك وغيرهم من المشركين وعباد الاصنام وأصحاب الطلاسم والعزائم وعرفوا أن كثيرا من هذه الخوارق هو من الجن والشياطين وهؤلاء الجهال لم يعرفوا ذلك ولهذا كان من اصلهم أن النبوة مكتسبة وكان السهروردي المقتول يطلب أن يكون نبيا وكذلك ابن سبعين وغيره والنبوة الحق هي إنباء الله لعبده ونبي الله من كان الله هو الذي ينبئه ووحيه من الله وهؤلاء وحيهم من الشياطين فهم من جنس المتنبئين الكذابين كمسيلمة الكذاب وأمثاله بل أولئك أحذق منهم فإنهم كانت تأتيهم أرواح فتكلمهم وتخبرهم بأمور غائبة وهي موجودة في الخارج لا في أنفسهم وهؤلاء لا يعرفون مثل هذا ووجود الجن والشياطين في الخارج وسماع كلامهم أكثر من أن يمكن سطر عشره هنا وكذلك صرعهم للانس وتكلمهم على


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 182 ]  


ألسنتهم والفرق بين النبي والساحر أعظم من الفرق بين الليل والنهار والنبي يأتيه ملك كريم من عند الله ينبئه عن الله والساحر والكاهن انما معه شيطان يأمره ويخبره قال تعالى هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون فلا الخبر كالخبر ولا الامر كالامر ولا مخبر هذا كمخبر هذا ولا آمر هذا كآمر هذا كما أنه ليس هذا مثل هذا ولهذا قال تعالى لما ذكر الذي جاء بالقرآن الى محمد وأنه ملك منفصل ليس خيالا في نفسه كما يقوله هؤلاء قال تعالى انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالافق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم فاين تذهبون ان هو الا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين فالقرآن قول رسول أرسله الله لم يرسله الشيطان وهو ملك كريم ذو قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين فهو مطاع عند ذي العرش في الملأ الأعلى والشياطين لا يطاعون في السماوات بل ولا يصعدون اليها وابليس من حين أهبط منها لم يصعد اليها ولهذا كان أصح القولين أن جنة آدم جنة التكليف لم تكن في السماء فإن إبليس دخل الى جنة التكليف جنة آدم بعد إهباطه من السماء وقول الله له فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي الى يوم الدين وقوله قال فاخرج منها مذموما مدحورا لكن كانت في مكان عال في الارض من ناحية المشرق ثم لما أكل من الشجرة أهبط منها الى الأرض كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع ولفظ الجنة في غير موضع من القرآن يراد به بستان في الارض كقوله انا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة وقوله واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب الى قوله كلتا الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئا الى قوله ودخل جنته وهو ظالم لنفسه وقوله تعالى ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة الآية الى قوله أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب الآية وقوله تعالى لقد كان لسبأ في


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 183 ]  


مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال الى قوله وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل وقوله كم تركوا من جنات وعيون الآية وقوله أتتركون فيما ههنا آمنين في جنات وعيون وجنة الجزاء والثواب التي في السماء لم يدخلها الشيطان بعد أن أهبط من السماء وهو أهبط من السماء لما امتنع من السجود لآدم قبل أن يدخل آدم الى جنة التكليف التي وسوس له وأخرجه منها وجنة الجزاء مخلوقة أيضا وقد أنكر بعض أهل البدع أن تكون مخلوقة وقال ان آدم لم يدخلها لكونها لم تخلق بعد فأنكر ذلك من أنكره من علماء السنة وقد ذكر أبو العالية وغيره من السلف أن الشجرة التي نهي عنها آدم كان لها غائط فلما أكل احتاج الى الغائط وجنة الجزاء ليس فيها هذا لكن الله أعلم بصحة هذا النقل وإنما المقصود أن بعض السلف كان يقول إنها في السماء وبعضهم يقول إنها في مكان عال من الارض ولفظ الجنة في القرآن قد ذكر فيما شاء الله من المواضع وأريد به جنة في الارض وجنة الجزاء مخصوصة بمماتهم كقوله قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين فإن أرواح المؤمنين تدخل الجنة من حين الموت كما في هذه الآية قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين قال تعالى وما أنزلنا على قومه بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فاذا هم خامدون وقال تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وقال تعالى لما ذكر أحوال الموتى عند الموت فأما ان كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما ان كان من أصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين وأما ان كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم وهذا غير ما ذكره في أول السورة من انقسامهم يوم القيامة الكبرى الى سابقين وأصحاب يمين ومكذبين فانه سبحانه ذكر في أول السورة انقسامهم يوم القيامة الكبرى وذكر في آخرها انقسامهم عند الموت وهو القيامة الصغرى كما قال المغيرة بن شعبة من مات فقد قامت قيامته وكذلك قال علقمة وسعيد بن جبير عن ميت أما هذا فقد قامت


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 184 ]  


قيامته أي صار الى الجنة أو النار وإن كان بعد هذا تعاد الروح الى البدن ويقعد بقبره ومقصودهم أن الشخص لا يستبطئ الثواب والعقاب فهو اذا مات يكون في الجنة أو في النار قال تعالى عن قوم نوح مما خطيئاتهم أغرقوا فادخلوا نارا وقال عن آل فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم القيامة تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون اشد العذاب وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا الكلام على النبوة فهؤلاء المتفلسفة ما قدروا النبوة حق قدرها وقد ضل بهم طوائف من المتصوفة المدعين للتحقيق وغيرهم وابن عربي وابن سبعين ضلوا بهم فانهم اعتقدوا مذهبهم وتصوفوا عليه ولهذا يقول ابن عربي ان الاولياء أفضل من الانبياء وسائر الاولياء يأخذون عن خاتم الانبياء علم التوحيد وإنه هو يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به الى الرسول فإن الملك عنده هو الخيال الذي في النفس وهو جبريل عندهم وذلك الخيال تابع للعقل فالنبي عندهم يأخذ عن هذا الخيال ما يسمعه من الصوت في نفسه ولهذا يقولون أن موسى كلم من سماء عقله والصوت الذي سمعه كان في نفسه لا في الخارج ويدعي أحدهم أنه أفضل من موسى وكما ادعى ابن عربي أنه أفضل من محمد فانه يأخذ عن العقل الذي يأخذ منه الخيال والخيال عنده هو الملك الذي يأخذ منه النبي فلهذا قال فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به الى النبي قال فإن عرفت هذا فقد حصل لك العلم النافع وبسط الكلام على هؤلاء له مواضع أخر والمقصود هنا الكلام على النبوة فالنبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به فإن أرسل مع ذلك الى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله اليه فهو رسول وأما اذا كان انما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو الى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا اذا تمنى ألقي الشيطان في أمنيته وقوله من رسول ولا نبي فذكر ارسالا يعم النوعين وقد خص أحدهما بأنه رسول فان هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته الى من خالف الله كنوح وقد ثبت في الصحيح أنه أول رسول بعث الى أهل الأرض وقد كان قبله أنبياء كشيت وإدريس


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 185 ]  


وقبلهما آدم كان نبيا مكلما قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام فأولئك الانبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم لكونهم مؤمنين بهم كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول وكذلك أنبياء بني اسرائيل يأمرون بشريعة التوراة وقد يوحى الى أحدهم وحي خاص في قصة معينة ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهمه الله في قضية معنى يطابق القرآن كما فهم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها هو وداود فالانبياء ينبئهم الله فيخبرهم بأمره وبنهيه وخبره وهم ينبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله به من الخبر والامر والنهي فإن أرسلوا الى كفار يدعونهم الى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ولا بد أن يكذب الرسل قوم قال تعالى كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون وقال ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك فان الرسل ترسل الى مخالفين فيكذبهم بعضهم وقال وما أرسلنا من قبلم إلا رجالا نوحي اليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون حتى اذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين وقال انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد فقوله وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي دليل على أن النبي مرسل ولا يسمى رسولا عند الاطلاق لانه لم يرسل الى قوم بما لا يعرفونه بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنه حق كالعلم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الانبياء وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة فان يوسف كان رسولا وكان على ملة ابراهيم وداود وسليمان كانا رسولين وكانا على شريعة التوراة قال تعالى عن مؤمن آل فرعون ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا وقال تعالى انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده وأوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 186 ]  


وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما والإرسال اسم عام يتناول إرسال الملائكة وإرسال الرياح وإرسال الشياطين وإرسال النار قال تعالى يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس وقال تعالى جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة فهنا جعل الملائكة كلهم رسلا والملك في اللغة هو حامل الألوكة وهي الرسالة وقد قال في موضع آخر الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس فهؤلاء الذين يرسلهم بالوحي كما قال وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء وقال تعالى وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وقال تعالى إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين توزهم أزا لكن الرسول المضاف الى الله اذا قيل رسول الله فهم من يأتي برسالة الله من الملائكة والبشر كما قال الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس وقالت الملائكة يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا اليك وأما عموم الملائكة والرياح والجن فإن إرسالها لتفعل فعلا لا لتبلغ رسالة قال تعالى اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا فرسل الله الذين يبلغون عن الله أمره ونهيه هم رسل الله عند الاطلاق وأما من أرسله الله ليفعل فعلا بمشيئة الله وقدرته فهذا عام يتناول كل الخلق كما أنهم كلهم يفعلون بمشيئته وإذنه المتضمن لمشيئته لكن أهل الايمان يفعلون بأمره ما يحبه ويرضاه ويعبدونه وحده ويطيعون رسله والشياطين يفعلون بأهوائهم وهم عاصون لامره متبعون لما يسخطه وان كانوا يفعلون بمشيئته وقدرته وهذا كلفظ البعث يتناول البعث الشرعي كما قال هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم ويتناول البعث العام الكوني كقوله فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقال تعالى واذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب فالعام بحكم مشيئته وقدرته والخاص هو أيضا بحكم مشيئته وقدرته


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 187 ]  


وهو مع ذلك بحكم أمره ورضاه ومحبته وصاحب الخاص من أولياء الله يكرمه ويثبته وأما من خالف أمره فإنه يستحق العقوبة ولو كان فاعلا بحكم المشيئة فإن ذلك لا يغني عنه من الله شيئا ولا يحتج بالمشيئة على المعاصي الا من تكون حجته داحضة ويكون متناقضا متبعا لهواه ليس عنده علم بما هو عليه كالمشركين الذين قالوا ولو شاء الله ما أشركنا ولا آبانا ولا حرمنا من شيء كما قد بسط في غير هذا الموضع والله أعلم
فصل الدليل الذي هو الآية والبرهان يجب طرده كما تقدم فإنه لو كان تارة يتحقق مع وجود المدلول عليه وت









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات