الجمعة، 12 يونيو 2015

كتاب مفتاح دار السعادة قال ابن القيم: الوجه السبعون ان الله سبحانه اخبر عن اهل العلم بأنه جعلهم ائمة يهدون بأمره

كتاب مفتاح دار السعادة
قال ابن القيم:
الوجه السبعون ان الله سبحانه اخبر عن اهل العلم بأنه جعلهم ائمة يهدون بأمره وياتم بهم من بعدهم فقال تعالى وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا يآياتنا يوقنون وقال في موضع آخر والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين إماما أي ائمة يقتدى بنا من بعدنا فأخبر سبحانه ان بالصبر واليقين تنال الامامة في الدين وهي ارفع مراتب الصديقين واليقين هو كمال العلم وغايته فبتكميل مرتبة العلم تحصل إمامة الدين وهي ولاية آلتها العلم يختص الله بها من يشاء من عباده الوجه






 
الكتاب: مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة
المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
عدد الأجزاء: 2 × 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل وقد دل القرآن على أنه سبحانه لا يؤيد الكذاب عليه بل لا بد أن يظهر كذبه وأن ينتقم منه

كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل وقد دل القرآن على أنه سبحانه لا يؤيد الكذاب عليه بل لا بد أن يظهر كذبه وأن ينتقم منه فقال تعالى ولو تقول علينا بعض الأقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ذكر هذا بعد قوله فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون انه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ثم قال ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين هذا بتقدير أن يتقول بعض الاقاول فكيف بمن يتقول الرساله كلها وقوله لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين الوتين عرق في الباطن يقال هو نياط القلب اذا قطع مات الانسان عاجلا وذلك يتضمن هلاكه لو تقول على الله وقوله لأخذنا


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 243 ]  


منه باليمين قيل لاخذنا بيمينه كما يفعل بمن يهان عند القتل فيقال خذ بيده فيجر بيده ثم يقتل فهذا هلاك بعزة وقدرة من الفاعل وإهانة وتعجيل هلاك للمقتول وقيل لاخذنا منه باليمين أي بالقوة والقدرة فان الميامن أقوى ممن يأخذ بشماله كما قال فاخذناهم أخذ عزيز مقتدر وكما قال ان بطش ربك لشديد لكنه قال أخذنا منه ولم يقل لأخذناه فهذا يقوي القول الأول وقال تعالى أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ يختم على قلبك ثم قال ويمحو الله الباطل ويحق الحق بكلماته فقوله ويمحو الله الباطل عطف جملة على جملة قالوا وليس من جواب الشرط لأنه قال ويحق الحق بالضم وهو معطوف على قوله يمحو الله الباطل فمحوه للباطل وإحقاقه الحق خبر منه لا بد أن يفعله فقد بين أنه لا بد أن يمحو الباطل ويحق الحق بكلماته فانه اذا أنزل كلماته دل بها على أنه نبي صادق إذا كانت آية له وبين بها الحق من الباطل وهو أيضا يحق الحق ويبطل الباطل بكلماته فإنه إذا أنزل كلماته دل بها على أنه نبي صادق إذا كانت آية له وبين بها الحق من الباطل وهو أيضا يحق الحق ويبطل الباطل بكلماته التي تكون بها الأشياء فيحق الحق بما يظهره من الآيات وما ينصر به أهل الحق كما تقدمت كلمته بذلك كما قال ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون وقال وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا وقال وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين وقال تعالى أتى أمر الله فلا تستعجلوه وأمره يتضمن ما يأمر به وهو الكائن بكلماته وقال تعالى انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وكلماته صدق وعدل والعدل وضع الاشياء مواضعها فمن عدله أن يجعل الصادق عليه المبلغ لرسالته حيث يصلح من كرامته ونصره وأن يجعل الكاذب عليه حيث يليق به من اهانته وذله قال تعالى ان الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين قال ابو قلابة هي لكل مفتر الى يوم القيامة ومن أعظم الافتراء عليه دعوى النبوة والرسالة


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 244 ]  


كذبا كما قال تعالى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح اليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله وذكر في هذا الكلام جميع أصناف الكاذبين الذين يعارضون رسله الصادقين كما ذكر فيما قبله حال الكاذبين في قوله وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون ثم قال ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء الآية فان الكاذب إما أن يقول ان غيري أنزل علي وإما أن يقول أنا أصنف مثل هذا القرآن وإذا قال غيري أنزل علي فأما أن يعينه فيقول أن الله أنزله علي وإما أن يقول أوحي ولا يعين من أوحاه فذكر الأصناف الثلاثة فقال ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح اليه شيء فهذان نوعان من جنس ثم قال ومن لم يقل أو قال اذ كان هذا معارضا لا يدعي أنه رسول فقال ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله وهؤلاء المعارضون قد تحداهم في غير موضع وقال قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا والرسول أخبر بهذا خبرا تاما في أول الامر وهذا لا يمكن إلا مع قطعه أنه على الحق وإلى الآن لم يوجد أحد أنزل مثل ما أنزل الله قوله ومن قال سأنزل ولم يقل أقدر أن أنزل فإن قوله سأنزل هو وعد بالفعل وبه يحصل المقصود بخلاف قوله أقدر فانه لا يحصل به غرض المعارض وإنما يحصل إذا فعل فمن وعد بانزال مثل ما أنزل كان من أظلم الناس وأكذبهم اذ كان قد تبين عجز جميع الثقلين الانس والجن عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن وقوله مثل ما أنزل الله يقتضي أن كل ما أنزله الله على أوليائه فهو معجز لا يقدر عليه الا الله كالتوراة والانجيل والزبور وهذا حق فإن في ذلك من أنباء الغيب مالا يعلمه الا الله


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 245 ]  


وفيه أيضا من تأييد الرسل بذلك مالا يقدر على أن يرسل بتلك الرسالة إلا الله فلا يقدر أحد أن ينزل مثل ما أنزل الله على نبيه فيكون به مثل الرسول ولا أن يرسل به غيره
فصل والاستدلال بالحكمة أن يعرف أولا حكمته ثم يعرف أن من حكمته أنه لا يسوي بين الصادق بما 









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات

الاثنين، 8 يونيو 2015

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل قد تقدم أن للناس في وجه دلالة المعجزات وهي آيات الأنبياء على

كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل قد تقدم أن للناس في وجه دلالة المعجزات وهي آيات الأنبياء على


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 238 ]  


نبوتهم طرقا متعددة منهم من قال دلالتها على التصديق تعلم بالضرورة ومنهم من قال تعلم بالنظر والاستدلال وكلا القولين صحيح فإن كثيرا من العلوم في هذا الباب كدلالة الأخبار المتواترة فإنه قد يحصل بالخبر علم ضروري وقد يحصل العلم بالاستدلال وطائفة منهم الكعبي وأبو الحسين البصري وأبو الخطاب أنه نظري والتحقيق أن كلا القولين حق فإنه يحصل بها علم ضروري والادلة النظرية توافق ذلك وكذلك كثير من الادلة والعلامات والآيات من الناس من يعرف استلزامها للوازمها بالضرورة ويكون اللزوم عنده بينا لا يحتاج فيه إلى وسط ودليل ومنهم من يفتقر إلى دليل ووسط يبين له ان هذا الدليل مستلزم لهذا الحكم لازم له ومن تأمل معارف الناس وجد أكثرها من هذا الضرب فقد يجيء المخبر اليهم بخبر فيعرف كثير منهم صدقه أو كذبه بالضرورة لأمور تقترن بخبره وآخرون يشكون في هذا ثم قد يتبين لبعضهم بأدلة وقد لا يتبين وكثير من الناس يعلم صدق المخبر بلا آية البتة بل إذا أخبره وهو خبير بحاله أو بحال ذلك المخبر به أو بهما علم بالضرورة إما صدقه وإما كذبه وموسى بن عمران لما جاء إلى مصر فقال لهارون وغيره ان الله أرسلني علموا صدقه قبل أن يظهر لهم الآيات ولما قال لهارون ان الله قد أمرك أن تؤازرني صدقه هارون في هذا لما يعلم من حاله قديما ولما رأى من تغير حاله الدال على صدقه وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر حاله لخديجة وغيرها وذهبت به الى ورقة بن نوفل وكان عالما بالكتاب الأول فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ما يأتيه علم أنه صادق وقال هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى ياليتني فيها جذعا ياليتني أكون حيا حين يخرجك قومك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا وكذلك النجاشي لما سمع القرآن قال إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة وكذلك أبو بكر وزيد بن حارثة وغيرهما علموا صدقه علما ضروريا لما أخبرهم بما جاء به وقرأ عليهم ما أنزل عليه وبقي القرآن الذي قرأه آية وما يعرفون من صدقه وأمانته مع غير ذلك من القرائن يوجب علما ضروريا بأنه صادق وخبر الواحد المجهول من آحاد الناس قد تقترن به القرائن يعرف بها صدقه بالضرورة فكيف


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 239 ]  


بمن عرف صدقه وأمانته وأخبر بمثل هذا الأمر الذي لا يقوله إلا من هو من أصدق الناس أو من أكذبهم وهم يعلمون أنه من الصنف الأول دون الثاني فإذا كان العلم بصدقه بلا آية قد يكون علما ضروريا فكيف بالعلم بكون الآية علامة على صدقه وجميع الأدلة لا بد أن تعرف دلالتها بالضرورة فإن الأدلة النظرية لا بد أن تنتهي إلى مقدمات ضرورية وأكثر الخلق اذا علموا ما جاء به موسى والمسيح ومحمد علموا صدقهم بالضرورة ولهذا لا يوجد أحد قدح في نبوتهم إلا أحد رجلين إما رجل جاهل لم يعرف أحوالهم واما رجل معاند متبع لهواه وعامة من كذبهم في حياتهم كان معاندا فالرؤساء كذبوهم لئلا تزول رئاستهم أو مأكلتهم والاتباع طاعة لكبرائهم كما أخبر الله بمثل ذلك في غير موضع من القرآن لم يكن التكذيب لقيام حجة تدل على الكذب فإنه يمتنع قيام دليل يدل على الكذب فالمكذب مفتر متكلم بلا علم ولا دليل قطعا وكذلك كل من كذب بشيء من الحق أو صدق بشيء من الباطل يمتنع أن يكون عليه دليل صحيح فإن الدليل الصحيح يستلزم مدلوله فإذا كان المدلول منتفيا امتنع أن يكون عليه دليل صحيح وكثير من الناس قد يكون شاكا لعدم طلبه العلم وإعراضه عنه فالمكذب متكلم بلا علم قطعا والشاك معرض عن طلب العلم مقصر مفرط ولو طلب العلم تبين له الحق اذا كان متمكنا من معرفة أدلة الحق وأما من لم يصل اليه الدليل ولا يتمكن من الوصول اليه فهذا عاجز وأما الذين سلكوا طريق الحكمة فلهم أيضا مسالك مثل أن يقال ان الله سبحانه وتعالى اذا بعث رسولا أمر الناس بتصديقه وطاعته فلا بد أن ينصب لهم دليلا يدلهم على صدقه فإن ارسال رسول بدون علامة وآية تعرف المرسل اليهم أنه رسول قبح وسفه في صرائح العقول وهو نقص في جميع الفطر وهو سبحانه منزه عن النقائص والعيوب ولهذا ينكر على المشركين أنهم يصفونه بما هو عندهم عيب ونقص لا يرضونه لأنفسهم مثل كون مملوك أحدهم شريكه يساويه فإن هذا من النقائص والعيوب التي ينزهون أنفسهم عنها ويعيبون ذلك على من فعله من الناس فإذا كان هذا عيبا ونقصا لا يرضاه الخلق لانفسهم لمنافاته الحكمة والعدل فإن الحكمة والعدل تقتضي وضع كل شيء موضعه الذي يليق به ويصلح به فلا تكون العين


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 240 ]  


كالرجل ولا الإمام الذي يؤتم به في الدين والدنيا في آخر المراتب والسفلة من أتباعه في أعلى المراتب فكذلك المالك لا يكون مملوكه مساويا له فإن ذلك يناقض كون أحدهما مالكا والآخر مملوكا ولهذا جاءت الشريعة بأن المرأة لا تتزوج عبدها لتناقض الأحكام فان الزوج سيد المرأة وحاكم عليها والمالك سيد المملوك وحاكم عليه فإذا جعل مملوكها زوجها الذي هو سيدها تناقضت الأحكام فهذا وأمثاله مما يبين أن هذه القضية مستقرة في فطر العقلاء ولهذا قال تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم أي كما يخاف بعضكم بعضا كذلك يفصل الآيات لقوم يعقلون بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله ومالهم من ناصرين وكذلك كل أحد يعلم بفطرته أن الذكر أفضل من الأنثى وكانت العرب أشد كراهية للبنات من غيرهم حتى كان منهم ن يئد البنات ويدفن البنت وهي حية حتى قال تعالى وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت وقال تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب وكانوا لا يورثون الاناث وقد قالت أم مريم ولس الذكر كالأنثى وكان من الكفار من جعل له الإناث أولادا وشركاء قال تعالى أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ان هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم وقال تعالى ان الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الانثى وما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا وقال تعالى ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون يعني ساء الحكم حكمهم أي بئس الحكم حكمهم كما يقال بئسما فعل وبئسما حكم حيث حكموا بأن لله البنات ولهم ما يشتهون فهذا حكم جائر كما أن تلك القسمة قسمة جائرة عوجاء فهذا حكمهم بينهم وبين ربهم


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 241 ]  


وهذا قسمهم يجعلون لانفسهم أفضل النوعين ولربهم أدنى النوعين وهو مثل السوء ولله المثل الأعلى فالواجب أن يكون أفضل الأنواع وأكملها لله وما فيها نقص وعيب فالمخلوق أحق بها من الخالق اذ كان كل كمال في المخلوق فهو من خالقه فيمتنع أن يكون الانقص خلق الاكمل والفلاسفة يقولون بعبارتهم كل كمال في المعلول فهو من العلة وأيضا فالموجود الواجب أكمل من الممكن والقديم أكمل من المحدث والغني أكمل من الفقير فيمتنع اتصاف الأكمل بالنقائص واتصاف الأنقص بالكمالات ولهذا يوصف سبحانه بأنه الأكرم والأكبر والأعلى وأنه أرحم الراحمين وخير الحاكمين وخير الغافرين وأحسن الخالقين فلا يوصف قط الا بما يوجب اختصاصه بالكمالات والممادح والمحاسن التي لا يساويه فيها غيره فضلا عن أن يكون لغيره النوع الفاضل وله النوع المفضول ولهذا عاب الله المشركين بان جعلوا لله ما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء ما يحكمون فبئس الحكم حكمهم في هذا كما أنه بئس الحكم حكمهم في جعل الذكور لهم والاناث له وساء بمعنى بئس كقوله ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا أي بئس مثلا مثلهم ولهذا قالوا في قوله ساء ما يحكمون بئسما يقضون وقال تعالى أفاصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة اناثا انكم لتقولون قولا عظيما وقال تعالى وجعلوا له من عباده جزءا ان الانسان لكفور مبين أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون فهذه الطريقة وهي أن ما يستحقه المخلوق من الكمال الذي لا نقص فيه فالخالق أولى به وما ينزه عنه المخلوق من العيوب المذمومة فالخالق تعالى أولى بتنزيهه عن كل عيب وذم وهو سبحانه القدوس السلام الحميد المجيد من ابلغ الطرق البرهانية وهي مستعملة في القرآن في غير موضع فلذلك يقال الواحد من الناس قادر على ارسال رسول


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 242 ]  


وعلى أن يرسل نشابة وعلامة يعرف المرسل اليهم بها صدقه فكيف لا يقدر الرب على ذلك ثم اذا أرسله اليهم وأمرهم بتصديقه وطاعته ولم يعرفهم أنه رسوله كان هذا من أقبح الامور فكيف يجوز مثل هذا على الله ولو بعثه بعلامة لا تدلهم على صدقه كان ذلك عيبا مذموما فكل ما ترك من لوازم الرسالة اما أن يكون لعدم القدرة واما أن يكون للجهل والسفة وعدم الحكمة والرب أحق بالتنزيه عن هذا وهذا من المخلوق فإذا أرسل رسولا فلا بد أن يعرفهم أنه رسوله ويبين ذلك وما جعله آية وعلامة ودليلا على صدقه امتنع أن يوجد بدون الصدق فامتنع أن يكون للكاذب المتنبي فان ذلك يقدح في الدلالة فهذا ونحوه مما تعرف به دلالة الآيات من جهة حكمة الرب فكيف اذا انضم الى ذلك ان هذه سنته وعادته وأن هذا مقتضى عدله وكل ذلك عند التصور التام يوجب علما ضروريا بصدق الرسول الصادق وأنه لا يجوز أن يسوي بين الصادق والكاذب فيكون ما يظهره النبي من الآيات يظهر مثله على يد الكاذب اذ لو فعل هذا لتعذر على الخلق التمييز بين الصادق والكاذب وحينئذ فلا يجوز أن يؤمروا بتصديق الصادق ولا يذموا على ترك تصديقه وطاعته اذ الامر بذلك بدون دليله تكليف مالا يطاق وهذا لا يجوز في عدله وحكمته ولو قدر أنه جائز عقلا فإنه غير واقع
فصل وقد دل القرآن على أنه سبحانه لا يؤيد الكذاب عليه بل لا بد أن يظهر كذبه وأن ينتقم منه فقال









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات

السبت، 6 يونيو 2015

كتاب الشرح الممتع، قال ابن عثيمين : قوله: "ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة القرآن".

كتاب الشرح الممتع،
قال ابن عثيمين :
قوله: "ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة القرآن". 
"من": اسم شرط جازم، وفعل الشرط: لزمه، وجوابه: حرم، وأسماء الشرط تفيد العموم؛ فيكون المعنى: أي إنسان لزمه الغسل سواء كان ذكرا أم أنثى، ويلزم الغسل بواحد من الموجبات الستة السابقة.
فمن لزمه الغسل حرم عليه: الصلاة، والطواف، ومس المصحف. لأن المؤلف سبق أن قال: "ويحرم على المحدث..."(1) إلخ.
ويحرم عليه أيضا: قراءة القرآن، واللبث في المسجد، وهذان يختصان بمن لزمه الغسل(2).
وقوله: "حرم عليه قراءة القرآن". أي: حتى يغتسل، وإن توضأ ولم يغتسل، فالتحريم لا يزال باقيا.
وقوله: "قراءة القرآن" المراد أن يقرأ آية فصاعدا، سواء كان ذلك من المصحف، أم عن ظهر قلب، لكن إن كانت الآية طويلة فإن بعضها كالآية الكاملة.
وأطول آية في القرآن آية الدين: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى" أجل مسمى فاكتبوه... الآية {البقرة: 282} ومع ذلك لم تستوعب حروف اللغة العربية، واستوعب حروف اللغة العربية آيتان أقصر منها هما:
1ـ آخر آية في سورة الفتح وهي قوله تعالى: محمد رسول الله والذين معه ....الآية {الفتح: 29} .
2ـ الآية التي في آل عمران وهي قوله تعالى: ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة الآية {آل عمران: 154} .
وقوله: "قراءة القرآن" أي: لا قراءة ذكر يوافق القرآن، ولم يقصد التلاوة؛ فإنه لا بأس به كما لو قال: بسم الله الرحمن الرحيم، أو الحمد و رب العالمين؛ ولم يقصد التلاوة.
والدليل على أن الجنب ممنوع من القرآن ممايلي:
1ـ حديث علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم القرآن، وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة"(1).
2ـ ولأن في منعه من قراءة القرآن حثا على المبادرة إلى الاغتسال؛ لأنه إذا علم أنه ممنوع من قراءة القرآن حتى يغتسل فسوف يبادر إلى الاغتسال، فيكون في ذلك مصلحة.
3ـ أنه روي أن الملك يتلقف القرآن من فم القاريء(2)، وأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب(1). وعلى هذا إذا قرأ القرآن فإما أن يحرم الملك من تلقف القرآن،أو يؤذيه بجنابته، وهذا وإن كان فيه شيء من الضعف لكن يعلل به.
وأما بالنسبة للحائض: فإنها ممن يلزمه الغسل، وعلى هذا فجمهور أهل العلم أنه لا يجوز لها أن تقرأ القرآن؛ لكن لها أن تذكر الله بما يوافق القرآن(2).
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: إنه ليس في منع الحائض من قراءة القرآن نصوص صريحة صحيحة(1)، وإذا كان كذلك فلها أن تقرأ القرآن لما يلي:
1ـ أن الأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع.
2ـ أن الله أمر بتلاوة القرآن مطلقا، وقد أثنى الله على من يتلو كتابه، فمن أخرج شخصا عن عبادة الله بقراءة القرآن فإننا نطالبه بالدليل، وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنع، فإنها مأمورة بالقراءة.
فإن قيل: ألا يمكن أن تقاس على الجنب بجامع لزوم الغسل لكل منهما بسبب الخارج؟
أجيب: أنه قياس مع الفارق؛ لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال، وأما الحائض فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع. وأيضا: فإن الحائض مدتها تطول غالبا، والجنب مدته لا تطول؛ لأنه سوف تأتيه الصلاة، ويلزم بالاغتسال.
والنفساء من باب أولى أن يرخص لها، لأن مدتها أطول من مدة الحائض. وما ذهب إليه شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ مذهب قوي.
ولو قال قائل: ما دام العلماء مختلفين، وفي المسألة أحاديث ضعيفة(1)، فلماذا لا نجعل المسألة معلقة بالحاجة، فإذا احتاجت إلى القراءة كالأوراد، أو تعاهد ما حفظته حتى لا تنسى، أوتحتاج إلى تعليم أولادها؛ أو البنات في المدارس فيباح لها ذلك، وأما مع عدم الحاجة فتأخذ بالأحوط، وهي لن تحرم بقية الذكر. فلو ذهب ذاهب إلى هذا لكان مذهبا قويا.
أما إسلام الكافر: فالكافر ممن يلزمه الغسل، فلو أسلم وأراد القراءة منع حتى يغتسل.
والدليل على ذلك: القياس على الجنب.
وهذا فيه نظر قوي جدا؛ لأن العلماء أجمعوا على وجوب الغسل على الجنب بخلاف الكافر فهو مختلف في وجوبه عليه كما سبق(2)، ولا يقاس المختلف فيه على المتفق عليه.
فإن قيل: نحن نقيس بناء على من يقول بوجوب الغسل على الكافر ، أما من يقول بعدم الوجوب فالأمر ظاهر في عدم منعه من قراءة القرآن؟.
فالجواب: أنه حتى على قول من يقول بوجوب الغسل عليه، فإنه لا يرى أن وجوبه متحتم كتحتم الغسل من الجنابة، بل يرى أنه أضعف. وعليه فمنع الكافر من قراءة القرآن حتى يغتسل ضعيف؛ لأنه ليس فيه أحاديث، لا صحيحة ولا ضعيفة، وليس فيه إلا هذا القياس.
قوله: "ويعبر المسجد لحاجة" أي: يمر به عند الحاجة، وهذا يفيد منعه من المكث في المسجد، ولذلك لو قال: ويحرم عليه المكث في المسجد، ثم استثنى العبور كان أوضح.
أي: يحرم على من لزمه الغسل اللبث في المسجد: أي: الإقامة فيه ولو مدة قصيرة. والدليل على ذلك:
1ـ قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" حتى" تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل {النساء: 43} يعني: ولا تقربوها جنبا إلا عابري سبيل.
وليس المعنى لا تصلوا إلا عابري سبيل، لأن عابر السبيل لا يصلي، فيكون النهي عن قربان الصلاة أي: النهي عن المرور بأماكنها، وهي المساجد، فإن عبر المسجد فلا بأس به، وأما أن يمكث فيه فلا. 
2ـ أن المساجد بيوت الله ـ عز وجل ـ ومحل ذكره، وعبادته، ومأوى ملائكته، وإذا كان آكل البصل والأشياء المكروهة ممنوعا من البقاء في المسجــد، فالجـنب الذي تحـرم عليه الصـلاة من باب أولى، ولا سيما إذا كانت الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب، فإنها تتأذي بمنعها من دخول هذا المسجد.
وقوله: "لحاجة". والحاجة متنوعة، فقد يريد الدخول من باب، والخروج من آخر حتى لا يشاهد، وقد يفعل ذلك لكونه أخصر لطريقه، وقد يعبره لينظر هل فيه محتاج فيؤويه أو يتصدق عليه، أو هل فيه حلقة علم فيغتسل ثم يرجع إليها.
وأفادنا ـ رحمه الله ـ بقوله: "لحاجة" أنه لا يجوز له أن يعبر لغير حاجة.
وظاهر الآية الكريمة: إلا عابري سبيل العموم؛ فيعبره لحاجة، أو غيرها، وهو المذهب (1)إلا أن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ كره أن يتخذ المسجد طريقا إلا لحاجة، وهذا له وجه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن هذه المساجد بنيت للذكر، والصلاة، والقراءة(1) فاتخاذها طريقا خلاف ما بنيت له إلا إذا كانت حاجة.
قوله: "ولا يلبث فيه بغير وضوء". فإن توضأ جاز المكث، والدليل على ذلك:
1ـ أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا إذا توضؤوا من الجنابة مكثوا في المسجد، فكان الواحد منهم ينام في المسجد؛ فإذا احتلم ذهب فتوضأ ثم عاد(1)، وهذا دليل على أنه جائز، لأن ما فعل في عهده صلى الله عليه وسلم ولم ينكره، فهو جائز إن كان من الأفعال غير التعبدية، وإن كان من الأفعال التعبدية فهو دليل على أن الإنسان يؤجر عليه.
2ـ أن الوضوء يخفف الجنابة؛ بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يكون عليه الغسل؛ أينام وهو جنب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب"(1).
3ـ ولأن الوضوء أحد الطهورين، ولولا الجنابة لكان رافعا للحدث رفعا كليا فحينئذ يكون مخففا للجنابة.
قوله: "ومن غسل ميتا...". هذا شروع في بيان الأغسال المستحبة فمنها: الاغتسال من تغسيل الميت، فإذا غسل الإنسان ميتا، سن له الغسل، والدليل على ذلك ما يلي:
1ـ قوله صلى الله عليه وسلم: "من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ"(2).
قالوا: وهذا الحديث فيه الأمر، والأمر الأصل فيه الوجوب، لكن لـما كان فيه شيء من الضعف لم ينتهض للإلزام به. وهذا مبني على قاعدة وهي: أن النهي إذا كان في حديث ضعيف لا يكون للتحريم، والأمر إذا كان في حديث ضعيف لا يكون للوجوب، لأن الإلزام بالمنع أو الفعل يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة لإلزام العباد به. 
وهذه القاعدة أشار إليها ابن مفلح في "النكت على المحرر" في باب موقف الإمام والمأموم؛(1) ومراده ما لم يكن الضعف شديدا بل محتملا للصحة، فيكون فعل المأمور وترك المنهي من باب الاحتياط، والاحتياط لا يوجب الفعل أو الترك.
2ـ أنه ورد عن أبي هريرة أنه أمر غاسل الميت بالغسل(2).
وهذا القول الذي مشى عليه المؤلف هو القول الوسط والأقرب.
وقال بعض أهل العلم: إنه يجب أن يغتسل(1). واستدلوا بحديث أبي هريرة السابق، والأصل في الأمر الوجوب.
وقال آخرون: لا يجب عليه أن يغتسل، ولا يسن له(1).
واستدلوا على ذلك بما يلي: 
1ـ ضعف حديث أبي هريرة، فقد قال الإمام أحمد: "لا يثبت في هذا الباب شيء"، وإذا لم يثبت فدعوى المشروعية تحتاج إلى دليل؛ ولا دليل.
2ـ أن المؤمن طاهر حيا وميتا، فإذا كان لا يسن الغسل من تغسيل الحي، فتغسيل الميت من باب أولى.
فإن قيل: أكثر الذين كانوا يغسلون الموتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الذي وقصته ناقتة، وحديث أم عطية ومن معها من النساء اللاتي غسلن ابنته، لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال(2).
فالجواب على ذلك:
1ـ أن عدم الأمر في القضية المعينة لا يلزم منه نفي الأمر الوارد من طريق آخر إذا صح.
2ـ أننا لا نقول بوجوب هذا الغسل، فعدم الأمر في موضعه يدل على عدم الوجوب، لكن لا يدل على نفي المشروعية مطلقا إذا جاء من طريق آخر صحيح.
قوله: "أو أفاق من جنون، أو إغماء ". هذا هو الثاني والثالث من الأغسال المستحبة.
والجنون: زوال العقل، ومنه الصرع فإنه نوع من الجنون.
والإغماء: التغطية، ومنه الغيم الذي يغطي السماء.
فالإغماء: تغطية العقل، وليس زواله، وله أسـباب متعــددة منهـا: شدة المرض كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه في مرضه أغمي عليه ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قالوا: لا، وهم ينتظرونك، فأمر بماء في مخضب ـ وهو شبيه بالصحن ـ فاغتسل؛ فقام لينوء فأغمي عليه مرة ثانية، فلما أفاق قال: أصلى الناس؟ قالوا: لا؛ وهم ينتظرونك"(1). الحديث.
فهذا دليل على أنه يغتسل للإغماء، وليس على سبيل الوجوب، لأن فعله صلى الله عليه وسلم المجرد لا يدل على الوجوب.
وهل هذا مشروع تعبدا، أو مشروع لتقوية البدن؟
يحتمل كلا الأمرين، والفقهاء رحمهم الله قالوا: إنه على سبيل التعبد، ولهذا قالوا: يسن أن يغتسل. وأما بالنسبة للجنون، فإنهم قاسوه على الإغماء، قالوا: فإذا شرع للإغماء، فالجنون من باب أولى، لأنه أشد(1).
قوله: "بلا حلم سن له الغسل" أي: بلا إنزال، فإن أنزل حال الإغماء وجب عليه الغسل كالنائم إذا احتلم.
قوله: "والغسل الكامل...". الغسل: له صفتان:
الأولى: صفة إجزاء .الثانية: صفة كمال.
كما أن للوضوء صفتين، صفة إجزاء، وصفة كمال، وكذلك الصلاة والحج.
والضابط: أن ما اشتمل على الواجب فقط فهو صفة إجزاء، وما اشتمل على الواجب والمسنون، فهو صفة كمال. 
قوله: "أن ينوي". "أن" وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ.
والنية لغة: القصد.
وفي الاصطلاح: عزم القلب على فعل الشيء عزما جازما، سواء كان عبادة، أم معاملة، أم عادة.
ومحلها القلب، ولا تعلق لها باللسان، ولا يشرع له أن يتكلم بما نوى عند فعل العبادة.
فإن قيل: لماذا لا يقال: يشرع أن يتكلم بما نوى ليوافق القلب اللسان، وذلك عند فعل العبادة؟
فالجواب: أنه خلاف السنة.
فإن قيل: إنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه؟ 
فالجواب:
1ـ أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(1).
2ـ أن كل شيء وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله، كان ذلك دليلا على أنه ليس بسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينوي العبادات عند إرادة فعل العبادة، ولم يكن يتكلم بما نوى، فيكون ترك الشيء عند وجود سببه هو السنة، وفعله خلاف السنة.
ولهذا لا يسن النطق بها لا سرا ولا جهرا؛ خلافا لقول بعض العلماء: إنه يسن النطق بها سرا(1).
ولقول بعضهم: إنه يسن النطق بها جهرا(1)، وكلا القولين لا أصل له، والدليل على خلافه.
والنية شرط في صحة جميع العبادات لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"(2).
والنية نيتان: 
الأولى: نية العمل، ويتكلم عليها الفقهاء ـ رحمهم الله ـ، لأنها هي المصححة للعمل.
الثانية: نية المعمول له، وهذه يتكلم عليها أهل التوحيد، وأرباب السلوك لأنها تتعلق بالإخلاص.
مثاله: عند إرادة الإنسان الغسل ينوي الغسل فهذه نية العمل.
لكن إذا نوى الغسل تقربا إلى الله تعالى، وطاعة له، فهذه نية المعمول له، أي: قصد وجهه سبحانه وتعالى، وهذه الأخيرة هي التي نغفل عنها كثيرا، فلا نستحضر نية التقرب، فالغالب أننا نفعل العبادة على أننا ملزمون بها، فننويها لتصحيح العمل، وهذا نقص، ولهذا يقول الله تعالى عند ذكر العمل: ابتغاء وجه ربهم {الرعد: 22} و إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى" {الليل: 20} و والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم {الرعد: 22} و يبتغون فضلا من الله ورضوانا {الحشر: 8} .
قوله: "ثم يسمي". أي: بعد النية، والتسمية على المذهب واجبة كالوضوء وليس فيها نص، ولكنهم قالوا: وجبت في الوضوء فالغسل من باب أولى، لأنه طهارة أكبر.
والصحيـح كما سبق(1) أنهـا ليست بواجبة لا في الوضوء، ولا في الغسل.
قوله: "ويغسل يديه ثلاثا" هذا سنة، واليدان: الكفان لأن اليد إذا أطلقت فهي الكف، والدليل قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما {المائدة: 38} والذي يقطع هو الكف فقط.
ولما أراد ما فوق الكف قال تعالى: وأيديكم إلى المرافق {المائدة: 6}.
قوله: "وما لوثه" أي: يغسل ما لوثه من أثر الجنابة، وفي حديث ميمونة ـ رضي الله عنها ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند غسله ما لوثه ضرب بيده الأرض، أو الحائط مرتين، أو ثلاثا(1).
والذي يظهر لي من حديث ميمونة أن الماء كان قليلا. ولذلك احتاج صلى الله عليه وسلم أن يضرب الحائط بيده مرتين، أو ثلاثا، ليكون أسرع في إزالة ما لوثه، وغسل رجليه في مكان آخر.
قوله: "ويتوضأ". أي: يتوضأ وضوءه للصلاة.
وكلام المؤلف يدل على أنه يتوضأ وضوءا كاملا، وهو كذلك في حديث عائشة(2) رضي الله عنها.
قوله: "ويحثي على رأسه ثلاثا" ظاهره أنه يحثي الماء على جميع الرأس ثلاثا.
قوله: "ترويه" أي: تصل إلى أصوله بحيث لا يكون الماء قليلا.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده"(1). وظاهره أن يصب عليه الماء أولا ويخلله، ثم يفيض عليه بعد ذلك ثلاث مرات.
وقال بعض العلماء: إن قولها: "ثلاث مرات" لا يعم جميع الرأس، بل مرة للجانب الأيمن، ومرة للأيسر، ومرة للوسط(2)، كما يدل على ذلك صنيعه حينما أتى بشيء نحو الحلاب(3) فأخذ منه فغسل به جانب الرأس الأيمن، ثم الأيسر، ثم وسط الرأس(4).
قوله: "ويعم بدنه غسلا". بدليل حديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما: "ثم أفاض الماء على سائر جسده"(1).
قوله "ثلاثا". وهذا بالقياس على الوضوء لأنه يشرع فيه التثليث، وهذا هو المشهور من المذهب.
واختـــار شيخ الإســـلام وجمــاعة من العلماء، أنه لا تثليـــث فـــي غسل البدن(2) لعدم صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يشرع.
قوله: "ويدلكه" أي: يمر يده عليه، وشرع الدلك ليتيقن وصول الماء إلى جميع البدن، لأنه لو صب بلا دلك ربما يتفرق في البدن من أجل ما فيه من الدهون، فسن الدلك.
قوله: "ويتيامن" أي: يبدأ بالجانب الأيمن. لحديث عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في ترجله وتنعله، وطهوره، وفي شأنه كله"(3).
قوله: "ويغسل قدميه مكانا آخر". أي: عندما ينتهي من الغسل يغسل قدميه في مكان آخر غير المكان الأول.
وظاهر كلام المؤلف أنه سنة مطلقا، ولو كان المحل نظيفا كما في حماماتنا الآن.
والظاهر لي أنه يغسل قدميه في مكان آخر عند الحاجة كما لو كانت الأرض طينا، لأنه لو لم يغسلهما لتلوثت رجلاه بالطين.
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل رجليه في حديث عائشة بعد الغسل(1). ورواية: "أنه غسل رجليه"(2) ضعيفة. والصواب: أنه غسل رجليه في حديث ميمونة فقط.
قوله: "والمجزئ". أي: الذي تبرأ به الذمة. 
والإجزاء: سقوط الطلب بالفعل، فإذا قيل: أجزأت صلاته أي: سقطت مطالبته بها لفعله إياها، وكذلك يقال في بقية العبادات.
فلو أن أحدا صلى وهو محدث ناسيا، ثم ذكر بعد الصلاة، فإن صلاته لا تجزئه لأنه مطالب بها، وفعله لم يسقط به الطلب.
قوله: "أن ينوي ويسمي". سبق الكلام على النية(1) والتسمية(2).
قوله: "ويعم بدنه بالغسل مرة". لم يذكر المضمضة والاستنشاق، لأن في وجوبهما في الغسل خلافا، فمن أهل العلم من قال: لا يصح الغسل إلا بهما كالوضوء(3).
وقيل: يصح بدونهما(3).
والصواب: القول الأول؛ لقوله تعالى: فاطهروا {المائدة: 6} وهذا يشمل البدن كله، وداخل الأنف والفم من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الوضوء لدخولهما تحت قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم {المائدة: 6} فإذا كانا داخلين في غسل الوجه، وهو مما يجب تطهيره في الوضوء، كانا داخلين فيه في الغسل لأن الطهارة فيه أوكد.
وقوله: " ويعم بدنه". يشمل حتى ما تحت الشعر الكثيف، فيجب غسل ما تحته بخلاف الوضوء، فلا يجب غسل ما تحته.
والشعر الكثيف: هو الذي لا ترى من ورائه البشرة.
قال أهل العلم: والشعر بالنسبة لتطهيره وما تحته ينقسم إلى ثلاثة أقسام(1):
الأول: مايجب تطهير ظاهره وباطنه بكل حال، وهذا في الغسل الواجب.
الثاني: ما يجب تطهير ظاهره وباطنه إن كان خفيفا، وتطهير ظاهره إن كان كثيفا، وهذا في الوضوء.
الثالث: مالا يجب تطهير باطنه سواء كان كثيفا، أم خفيفا، وهذا في التيمم.
والدليل على أن هذا الغسل مجزيء: قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا {المائدة: 6} ولم يذكر الله شيئا سوى ذلك، ومن عم بدنه بالغسل مرة واحدة صدق عليه أنه قد اطهر.
فإن قيل: هذه الآية مجملة، والنبي صلى الله عليه وسلم فصل هذا الإجمال بفعله فيكون واجبا على الكيفية التي كان يفعلها، كما أن الله لـما قال: وأقيموا الصلاة {المزمل: 20} فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الإقامة بفعله، فصار واجبا علينا إقامة الصلاة كما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم .
فالجواب من وجهين:
الأول: أنه لو كان الله يريد منا أن نغتسـل علـى وجه التفصـيل لبينه كما بين الوضوء على وجه التفصيل، فلمـا أجمل الغسـل وفصـل في الوضوء علم أنه ليس بواجب علينا أن نغتسل على صفة معينة.
الثاني: حديث عمران بن حصين رضي الله عنه الطويل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي كان جنبا ولم يصل: "خذ هذا وأفرغه عليك"(1) ولم يبين له النبي صلى الله عليه وسلم كيف يفرغه على نفسه، ولو كان الغسل واجبا كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم لبينه له؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة في مقام البلاغ لا يجوز.
فإن قيل: لعل هذا الرجل يعرف كيفية الغسل.
أجيب بجوابين:
الأول: أن الأصل عدم معرفته.
الثاني: أن ظاهر حاله أنه جاهل، بدليل أنه لم يعلم أن التيمم يجزيء عن الغسل عند عدم الماء.
والحاصل: أن الغسل المجزئ أن ينوي، ثم يسمي، ثم يعم بدنه بالغسل مرة واحدة مع المضمضة والاستنشاق(1).
ولو أن رجلا عليه جنابة، فنوى الغسل، ثم انغمس في بــركة ـ مثلا ـ ثم خرج، فهذا الغسل مجزيء بشرط أن يتمضمض ويستنشق.
ولو أنه أراد الوضوء بعد أن انغمس فلا يجزيء إلا إن خرج مرتبا لأن الترتيب فرض على المذهب(2).
وظاهر كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ أن الموالاة ليست شرطا في الغسل، فلو غسل بعض بدنه ثم أتمه بعد زمن طويل عرفا صح غسله، وهذا هو المذهب.
وقيل: إن الموالاة شرط، وهو رواية عن الإمام أحمد. وقيل: وجه للأصحاب(1).
وهذا ـ أعني كون الموالاة شرطا ـ أصح، لأن الغسل عبادة واحدة، فلزم أن ينبني بعضه على بعض بالموالاة، لكن لو فرقه لعذر؛ لانقضاء الماء في أثناء الغسل مثلا؛ ثم حصله بعد ذلك لم تلزمه إعادة ما غسله أولا؛ بل يكمل الباقي.
قوله: "ويتوضأ بمد ويغتسل بصاع"."يتوضأ": بالرفع؛ لأنها جملة استئنافية، وليست معطوفة على قوله: "أن ينوي" لأنها لو كانت معطوفة على قوله :"أن ينوي" لصار المعنى: والمجزيء أن ينوي، وأن يتوضأ بمد، وليس كذلك، بل المعنى يسن أن يكون الوضوء بمد، والغسل بصاع.
والمد: ربع الصاع(2).
والصاع النبوي: أقل من الصاع العرفي عندنا بالخمس وخمس الخمس، فالصاع النبوي ـ مثلا ـ زنته ثمانون ريالا فرنسيا، وصاعنا العرفي مائة ريال، وأربع ريالات.
فيأخذ إناء يسع أربعة أخماس الصاع العرفي، ويغتسل به، هذه هي السنة، لئلا يسرف في الماء، فإن أسبغ بأقل جاز.
فإن قيل: نحن الآن نتوضأ من الصنابير فمقياس الماء لا ينضبط؟.
فيقال: لا تزد على المشروع في غسل الأعضاء في الوضوء، فلا تزد على ثلاث، ولا تزد في الغسل على مرة، على القول بعدم الثلاث، وبهذا يحصل الاعتدال.
قوله: "فإن أسبغ بأقل". أي: إن أسبغ بأقل من المد في الوضوء، ومن الصاع في الغسل أجزأ؛ لأن التقدير بالمد والصاع على سبيل الأفضلية.
لكن يشترط ألا يكون مسحا، فإن كان مسحا فلا يجزيء.
والفرق بين الغسل والمسح: أن الغسل يتقاطر منه الماء ويجري، والمسح لا يتقاطر منه الماء، والدليل على ذلك:
1ـ قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم {المائدة: 6} ثم قال: وامسحوا برءوسكم {المائدة: 6} ففرق سبحانه وتعالى بين المسح، والغسل.
2ـ قوله تعالى : فاطهروا {المائدة: 6} بينه صلى الله عليه وسلم بالغسل، لا بالمسح. 
قوله: "أو نوى بغسله الحدثين أجزأ". النية لها أربع حالات:
الأولى: أن ينوي رفع الحدثين جميعا فيرتفعان لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"(1).
الثانية: أن ينوي رفع الحدث الأكبر فقط. ويسكت عن الأصغر، فظاهر كلام المؤلف أنه يرتفع الأكبر، ولا يرتفع الأصغر لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" وهذا لم ينو إلا الأكبر.
واختار شيخ الإسلام: أنه يرتفع الحدثان جميعا(2)، واستدل: بقوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا {المائدة: 6} فإذا تطهر بنية الحدث الأكبر فإنه يجزئه، لأن الله لم يذكر شيئا سوى ذلك، وهذا هو الصحيح.
الثالثة: أن ينوي استباحة ما لا يباح إلا بالوضوء، أو ارتفاع الحدثين جميعا كالصلاة، فإذا نوى الغسل للصلاة، ولم ينو رفع الحدث، ارتفع عنه الحدثان، لأن من لازم نية الصلاة أن يرتفع الحدثان، لأن الصلاة لا تصح إلا بارتفاع الحدثين.
الرابعة: أن ينوي استباحة ما يباح بالغسل فقط، دون الوضوء كقراءة القرآن، أو المكث في المسجد.
فلو اغتسل لقراءة القرآن فقط، ولم ينو رفع الحدث أو الحدثين فيرتفع حدثه الأكبر فقط، فإن أراد الصلاة، أو مس المصحف، فلا بد من الوضوء.
ولكن واقع الناس اليوم، نجد أن أكثرهم يغتسلون من الجنابة من أجل رفع الحدث الأكبر، أو الصلاة، وعلى هذا فيرتفع الحدثان.
قوله: "ويسن لجنب غسل فرجه، والوضوء لأكل". وضــوء الجنب للأكل ليس بواجب بالإجماع؛ لكنه مستحب والدليل على ذلك:
1ـ حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة(1).
وأما من حمل هذا على الوضوء اللغوي، وهو النظافة، فلا عبرة به؛ لأن رواية مسلم صريحة في أن المراد به الوضوء الشرعي.
ولأن القاعدة في أصول الفقه: أن الحقائق تحمل على عرف الناطق بها. فإذا كان الناطق الشرع حملت على الحقيقة الشرعية، وإذا كان من أهل اللغة حملت على الحقيقة اللغوية، وإذا كان من أهل العرف حملت على الحقيقة العرفية.
فمثلا: "زيد قائم" زيد في اللغة فاعل؛ لأن الفاعل في اللغة من قام به الفعل، وعند النحويين مبتدأ؛ لأن الفاعل عندهم: الاسم المرفوع المذكور قبله عامله.
2ـ حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل، أو يشـرب أو ينام أن يتوضأ(1).
قوله: "ونوم". أي: يستحب للجنب إذا أراد النوم أن يتوضأ، واستدل لذلك بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: "نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب"(1) وفي لفظ: "توضأ واغسل ذكرك ثم نم"(2).
وهذا الدليل يقتضي الوجوب لأنه قال: "نعم إذا توضأ". وتعليق المباح على شرط يدل على أنه لا يباح إلا به، وعليه يكون وضوء الجنب عند النوم واجبا، وإلى هذا ذهب الظاهرية وجماعة كثيرة من أهل العلم(3)، ولكن المشهور عند الفقهاء والأئمة المتبوعين أن هذا على سبيل الاستحباب(4) واستدلوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء"(5).
قالوا: فترك النبي صلى الله عليه وسلم للوضوء في هذه الحال بيان للجواز، وأن الأمر ليس للوجوب. وهذه قاعدة صحيحة معتبرة، خلافا لمن قال: إن فعله لا يعارض قوله، بل يؤخذ بالقول فلا يدل فعله على الجواز.
(فائدة) هذه الطريقة يلجأ إليها الشوكاني ـ رحمه الله ـ في "نيل الأوطار"(1)، وأنا أتعجب من سلوكه هذه الطريقة؛ لأنه من المعلوم أننا لا نحمل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم على الخصوصية إلا حيث تعذر الجمع، أما إذا أمكن الجمع فإنه لا يجوز حمل النص على الخصوصية؛ لأن الأصل التأسي به صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة {الأحزاب: 21} فإذا كان الأصل التأسي به فلا وجه لحمل النص على الخصوصية مع إمكان الجمع إلا بدليل. 
ويدل على أن فعله صلى الله عليه وسلم أوقوله لا يحمل على الخصوصية إلا بدليل قول الله تعالى: وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين {الأحزاب: 50} ووجه الدلالة من الآية: أن الله تعالى بين أنها خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولولا ذلك لكان مقتضى النص أنه يجوز للإنسان التزوج بالهبة.
ودليل آخر: أن الله تعالى قال في قصة زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ: فلما قضى" زيد منها وطرا زوجناكها {الأحزاب: 37} وكانــت زينـب تحت زيـد بـن حارثة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه، فلما أحل الله له زينب قال: لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا {الأحزاب: 37} . فهذا الحكم خاص، وعلته عامة، وعلى هذا فالحكم الذي يثبت للرسول صلى الله عليه وسلم يثبت للأمة؛ وإلا لم يكـن لقــولــه : لكي لا يـكــون علـى المؤمنــين حرج في أزواج أدعيائهم فائدة .
وعورض حديث عائشة "كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء" بأمرين:
الأول: أنه منقطع. ورد بأنه متصل، وأن أبا إسحاق سمع من الأسود الذي رواه عن عائشة، وإذا تعارض الوصل والقطع، فالمعتبر الوصل.
الثاني: أن قولها: "من غير يمس ماء" أي: ماء للغسل. ورد بأن هذا بعيد؛ لأن "ماء" نكرة في سياق النفي فتعم أي ماء، وعليه فالتعليل بالانقطاع غير صحيح، وكذلك التأويل.
والذي يظهـر لي: أن الجنب لا ينام إلا بوضوء على سبيل الاستحباب؛ لحديث عائشة ـ رضي الله عنـها ـ وكذا بالنسبة للأكل والشرب.
وفرق الفقهاء ـ رحمهم الله ـ بين الأكل والشرب والنوم، فقالوا: يكره أن ينام على جنابة بلا وضوء، ولا يكره له الأكل، والشرب بلا وضوء(1).
قوله: "ومعاودة وطء". أي: يسن للجنب أن يتوضأ إذا أراد أن يجامع مرة أخرى، والدليل على ذلك. ما ثبت في "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من جامع أهله، ثم أراد أن يعود أن يتوضأ بينهما وضوءا(2).
والأصل في الأمر الوجوب، لكن أخرج هذا الأمر عن الوجوب ما رواه الحاكم :"...إنه أنشط للعود"(1).
فدل هذا أن الوضوء ليس عبادة حتى نلزم الناس به، ولكن من باب التنشيط، فيكون الأمر هنا للإرشاد، وليس للوجوب.
وكان صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه بغسل واحد(2)، وإن كان طوافه عليهن بغسل واحد، لا يمنع أن يكون قد توضأ بين الفعلين. 

باب التيمم
التيمم لغة: القصد.
وشرعا:ال









المصدر :
كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع
للعلامة محمد بن صالح العثيمين 
عدد المجلدات : ٧

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر وفاته رضي الله عنه:( ابو عبيدة بن الجراح )

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر وفاته رضي الله عنه:( ابو عبيدة بن الجراح )
توفي أبو عبيدة في طاعون عمواس بالاردن وقبر ببيسان وصلى عليه معاذ بن جبل وذلك في سنة ثماني عشرة من خلافة عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة3.
قال الشيخ رحمه الله وإذ قد انتهينا ذكر العشرة بحمد الله ومنه فنحن نذكر المشتهرين من الصحابة بالعلم والتعبد والزهد على طبقاتهم والله الموفق.
__________
1 أنظر حلية الأولياء 1/146. رقم 324. والطبقات الكبرى 3/412. وسير أعلام النبلاء 3/11.
2 أنظر حلية الأولياء 1/146. رقم 327.
3 أنظر سير أعلام النبلاء 1/14- 15.
(1/139)

ذكر المشهورين بالعلم والزهد والتعبد من أصحاب رسول الله صلى الله عل






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر صفته:( ابو عبيدة بن الجراح)

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر صفته:( ابو عبيدة بن الجراح)
كان طوالا نحيفا اجنى معروق الوجه اثرم الثنيتين خفيف اللحية.
وكان له من الولد يزيد وعمير امهما هند بنت جابر فدرجا ولم يبق له عقب.
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه:
عن أبي قلابة قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال: " أن لكل أمة امينا وان اميننا ايتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
وعنه أن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه أن يبعث معهم رجلا يعلمهم السنة والإسلام فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال: "هذا امين هذه الأمة" 1.
وعن شريح بن عبيد وراشد بن أسعد وغيرهما قالوا لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ حدث أن بالشام وباء شديدا فقال بلغني شدة الوباء بالشام فقلت أن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فان سألني الله عز وجل لم استخلفته على هذه الأمة قلت أني سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول: "أن لكل نبي أمينا وأميني أبو عبيدة بن الجراح" فان أدركني اجلي وإذا توفي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل فان سألني ربي عز وجل لم استخلفته قلت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أن يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة" 2.
وعن عمر بن الخطاب أنه قال لأصحابه تمنوا فقال رجل اتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا انفقته في سبيل الله عز وجل ثم قال تمنوا فقال رجل اتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا أو جوهرا أنفقه في سبيل الله عز وجل واتصدق به ثم قال تمنوا فقالوا ما ندري يا امير المؤمنين فقال عمر أتمنى لو أن هذا الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح.
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال لما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض فقال عمر أين أخي قالوا من قال أبو عبيدة قالوا الآن يأتيك فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله فقال له عمر إلا اتخذت ما اتخذ أصحابك فقال يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل. رواه الإمام أحمد.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة حديث 3745. وأحمد في المسند حديث 23437.
2 منقطع: أخرجه أحمد في المسند 108. راشد بن أسعد لم يدرك عمر بن الخطاب.
(1/138)

وعن أبي قتادة أن أبا عبيدة بن الجراح قال ما من الناس من احمر ولا اسود حر ولا عبد عجمي ولا فصيح اعلم أنه افضل مني بتقوى إلا أحببت أن أكون في مسلاخه1.
وعن نمران بن مخمر عن أبي عبيدة بن الجراح أنه كان يسير في العسكر فيقول إلا رب مبيض لثياب مدنس لدينه إلا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تغمرهن2.
ذكر وفاته رضي الله عنه:
توفي أبو عبيدة في طاعون عمواس بالاردن و









الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

الجمعة، 5 يونيو 2015

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : 11- أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنه:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
11- أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنه:
ابن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
وأسلم مع عثمان بن مظعون وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرا والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم احد ونزع يومئذ بفيه الحلقتين اللتين دخلتا في وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلق المغفر فوقعت ثنيتاه فكان من احسن الناس هتما.
__________
11- هو: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري أبو عبيدة بن الجراح أسلم قديما وشهد بدرا مشهور مات شهيدا بطاعون عمواس سنة ثماني عشرة وله ثمان وخمسون سنة.
(1/137)




الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]