كتاب الشرح الممتع،
قال ابن عثيمين :
قوله: "ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة القرآن".
"من": اسم شرط جازم، وفعل الشرط: لزمه، وجوابه: حرم، وأسماء الشرط تفيد العموم؛ فيكون المعنى: أي إنسان لزمه الغسل سواء كان ذكرا أم أنثى، ويلزم الغسل بواحد من الموجبات الستة السابقة.
فمن لزمه الغسل حرم عليه: الصلاة، والطواف، ومس المصحف. لأن المؤلف سبق أن قال: "ويحرم على المحدث..."(1) إلخ.
ويحرم عليه أيضا: قراءة القرآن، واللبث في المسجد، وهذان يختصان بمن لزمه الغسل(2).
وقوله: "حرم عليه قراءة القرآن". أي: حتى يغتسل، وإن توضأ ولم يغتسل، فالتحريم لا يزال باقيا.
وقوله: "قراءة القرآن" المراد أن يقرأ آية فصاعدا، سواء كان ذلك من المصحف، أم عن ظهر قلب، لكن إن كانت الآية طويلة فإن بعضها كالآية الكاملة.
وأطول آية في القرآن آية الدين: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى" أجل مسمى فاكتبوه... الآية {البقرة: 282} ومع ذلك لم تستوعب حروف اللغة العربية، واستوعب حروف اللغة العربية آيتان أقصر منها هما:
1ـ آخر آية في سورة الفتح وهي قوله تعالى: محمد رسول الله والذين معه ....الآية {الفتح: 29} .
2ـ الآية التي في آل عمران وهي قوله تعالى: ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة الآية {آل عمران: 154} .
وقوله: "قراءة القرآن" أي: لا قراءة ذكر يوافق القرآن، ولم يقصد التلاوة؛ فإنه لا بأس به كما لو قال: بسم الله الرحمن الرحيم، أو الحمد و رب العالمين؛ ولم يقصد التلاوة.
والدليل على أن الجنب ممنوع من القرآن ممايلي:
1ـ حديث علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم القرآن، وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة"(1).
2ـ ولأن في منعه من قراءة القرآن حثا على المبادرة إلى الاغتسال؛ لأنه إذا علم أنه ممنوع من قراءة القرآن حتى يغتسل فسوف يبادر إلى الاغتسال، فيكون في ذلك مصلحة.
3ـ أنه روي أن الملك يتلقف القرآن من فم القاريء(2)، وأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب(1). وعلى هذا إذا قرأ القرآن فإما أن يحرم الملك من تلقف القرآن،أو يؤذيه بجنابته، وهذا وإن كان فيه شيء من الضعف لكن يعلل به.
وأما بالنسبة للحائض: فإنها ممن يلزمه الغسل، وعلى هذا فجمهور أهل العلم أنه لا يجوز لها أن تقرأ القرآن؛ لكن لها أن تذكر الله بما يوافق القرآن(2).
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: إنه ليس في منع الحائض من قراءة القرآن نصوص صريحة صحيحة(1)، وإذا كان كذلك فلها أن تقرأ القرآن لما يلي:
1ـ أن الأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع.
2ـ أن الله أمر بتلاوة القرآن مطلقا، وقد أثنى الله على من يتلو كتابه، فمن أخرج شخصا عن عبادة الله بقراءة القرآن فإننا نطالبه بالدليل، وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنع، فإنها مأمورة بالقراءة.
فإن قيل: ألا يمكن أن تقاس على الجنب بجامع لزوم الغسل لكل منهما بسبب الخارج؟
أجيب: أنه قياس مع الفارق؛ لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال، وأما الحائض فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع. وأيضا: فإن الحائض مدتها تطول غالبا، والجنب مدته لا تطول؛ لأنه سوف تأتيه الصلاة، ويلزم بالاغتسال.
والنفساء من باب أولى أن يرخص لها، لأن مدتها أطول من مدة الحائض. وما ذهب إليه شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ مذهب قوي.
ولو قال قائل: ما دام العلماء مختلفين، وفي المسألة أحاديث ضعيفة(1)، فلماذا لا نجعل المسألة معلقة بالحاجة، فإذا احتاجت إلى القراءة كالأوراد، أو تعاهد ما حفظته حتى لا تنسى، أوتحتاج إلى تعليم أولادها؛ أو البنات في المدارس فيباح لها ذلك، وأما مع عدم الحاجة فتأخذ بالأحوط، وهي لن تحرم بقية الذكر. فلو ذهب ذاهب إلى هذا لكان مذهبا قويا.
أما إسلام الكافر: فالكافر ممن يلزمه الغسل، فلو أسلم وأراد القراءة منع حتى يغتسل.
والدليل على ذلك: القياس على الجنب.
وهذا فيه نظر قوي جدا؛ لأن العلماء أجمعوا على وجوب الغسل على الجنب بخلاف الكافر فهو مختلف في وجوبه عليه كما سبق(2)، ولا يقاس المختلف فيه على المتفق عليه.
فإن قيل: نحن نقيس بناء على من يقول بوجوب الغسل على الكافر ، أما من يقول بعدم الوجوب فالأمر ظاهر في عدم منعه من قراءة القرآن؟.
فالجواب: أنه حتى على قول من يقول بوجوب الغسل عليه، فإنه لا يرى أن وجوبه متحتم كتحتم الغسل من الجنابة، بل يرى أنه أضعف. وعليه فمنع الكافر من قراءة القرآن حتى يغتسل ضعيف؛ لأنه ليس فيه أحاديث، لا صحيحة ولا ضعيفة، وليس فيه إلا هذا القياس.
قوله: "ويعبر المسجد لحاجة" أي: يمر به عند الحاجة، وهذا يفيد منعه من المكث في المسجد، ولذلك لو قال: ويحرم عليه المكث في المسجد، ثم استثنى العبور كان أوضح.
أي: يحرم على من لزمه الغسل اللبث في المسجد: أي: الإقامة فيه ولو مدة قصيرة. والدليل على ذلك:
1ـ قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" حتى" تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل {النساء: 43} يعني: ولا تقربوها جنبا إلا عابري سبيل.
وليس المعنى لا تصلوا إلا عابري سبيل، لأن عابر السبيل لا يصلي، فيكون النهي عن قربان الصلاة أي: النهي عن المرور بأماكنها، وهي المساجد، فإن عبر المسجد فلا بأس به، وأما أن يمكث فيه فلا.
2ـ أن المساجد بيوت الله ـ عز وجل ـ ومحل ذكره، وعبادته، ومأوى ملائكته، وإذا كان آكل البصل والأشياء المكروهة ممنوعا من البقاء في المسجــد، فالجـنب الذي تحـرم عليه الصـلاة من باب أولى، ولا سيما إذا كانت الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب، فإنها تتأذي بمنعها من دخول هذا المسجد.
وقوله: "لحاجة". والحاجة متنوعة، فقد يريد الدخول من باب، والخروج من آخر حتى لا يشاهد، وقد يفعل ذلك لكونه أخصر لطريقه، وقد يعبره لينظر هل فيه محتاج فيؤويه أو يتصدق عليه، أو هل فيه حلقة علم فيغتسل ثم يرجع إليها.
وأفادنا ـ رحمه الله ـ بقوله: "لحاجة" أنه لا يجوز له أن يعبر لغير حاجة.
وظاهر الآية الكريمة: إلا عابري سبيل العموم؛ فيعبره لحاجة، أو غيرها، وهو المذهب (1)إلا أن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ كره أن يتخذ المسجد طريقا إلا لحاجة، وهذا له وجه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن هذه المساجد بنيت للذكر، والصلاة، والقراءة(1) فاتخاذها طريقا خلاف ما بنيت له إلا إذا كانت حاجة.
قوله: "ولا يلبث فيه بغير وضوء". فإن توضأ جاز المكث، والدليل على ذلك:
1ـ أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا إذا توضؤوا من الجنابة مكثوا في المسجد، فكان الواحد منهم ينام في المسجد؛ فإذا احتلم ذهب فتوضأ ثم عاد(1)، وهذا دليل على أنه جائز، لأن ما فعل في عهده صلى الله عليه وسلم ولم ينكره، فهو جائز إن كان من الأفعال غير التعبدية، وإن كان من الأفعال التعبدية فهو دليل على أن الإنسان يؤجر عليه.
2ـ أن الوضوء يخفف الجنابة؛ بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يكون عليه الغسل؛ أينام وهو جنب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب"(1).
3ـ ولأن الوضوء أحد الطهورين، ولولا الجنابة لكان رافعا للحدث رفعا كليا فحينئذ يكون مخففا للجنابة.
قوله: "ومن غسل ميتا...". هذا شروع في بيان الأغسال المستحبة فمنها: الاغتسال من تغسيل الميت، فإذا غسل الإنسان ميتا، سن له الغسل، والدليل على ذلك ما يلي:
1ـ قوله صلى الله عليه وسلم: "من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ"(2).
قالوا: وهذا الحديث فيه الأمر، والأمر الأصل فيه الوجوب، لكن لـما كان فيه شيء من الضعف لم ينتهض للإلزام به. وهذا مبني على قاعدة وهي: أن النهي إذا كان في حديث ضعيف لا يكون للتحريم، والأمر إذا كان في حديث ضعيف لا يكون للوجوب، لأن الإلزام بالمنع أو الفعل يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة لإلزام العباد به.
وهذه القاعدة أشار إليها ابن مفلح في "النكت على المحرر" في باب موقف الإمام والمأموم؛(1) ومراده ما لم يكن الضعف شديدا بل محتملا للصحة، فيكون فعل المأمور وترك المنهي من باب الاحتياط، والاحتياط لا يوجب الفعل أو الترك.
2ـ أنه ورد عن أبي هريرة أنه أمر غاسل الميت بالغسل(2).
وهذا القول الذي مشى عليه المؤلف هو القول الوسط والأقرب.
وقال بعض أهل العلم: إنه يجب أن يغتسل(1). واستدلوا بحديث أبي هريرة السابق، والأصل في الأمر الوجوب.
وقال آخرون: لا يجب عليه أن يغتسل، ولا يسن له(1).
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1ـ ضعف حديث أبي هريرة، فقد قال الإمام أحمد: "لا يثبت في هذا الباب شيء"، وإذا لم يثبت فدعوى المشروعية تحتاج إلى دليل؛ ولا دليل.
2ـ أن المؤمن طاهر حيا وميتا، فإذا كان لا يسن الغسل من تغسيل الحي، فتغسيل الميت من باب أولى.
فإن قيل: أكثر الذين كانوا يغسلون الموتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الذي وقصته ناقتة، وحديث أم عطية ومن معها من النساء اللاتي غسلن ابنته، لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال(2).
فالجواب على ذلك:
1ـ أن عدم الأمر في القضية المعينة لا يلزم منه نفي الأمر الوارد من طريق آخر إذا صح.
2ـ أننا لا نقول بوجوب هذا الغسل، فعدم الأمر في موضعه يدل على عدم الوجوب، لكن لا يدل على نفي المشروعية مطلقا إذا جاء من طريق آخر صحيح.
قوله: "أو أفاق من جنون، أو إغماء ". هذا هو الثاني والثالث من الأغسال المستحبة.
والجنون: زوال العقل، ومنه الصرع فإنه نوع من الجنون.
والإغماء: التغطية، ومنه الغيم الذي يغطي السماء.
فالإغماء: تغطية العقل، وليس زواله، وله أسـباب متعــددة منهـا: شدة المرض كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه في مرضه أغمي عليه ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قالوا: لا، وهم ينتظرونك، فأمر بماء في مخضب ـ وهو شبيه بالصحن ـ فاغتسل؛ فقام لينوء فأغمي عليه مرة ثانية، فلما أفاق قال: أصلى الناس؟ قالوا: لا؛ وهم ينتظرونك"(1). الحديث.
فهذا دليل على أنه يغتسل للإغماء، وليس على سبيل الوجوب، لأن فعله صلى الله عليه وسلم المجرد لا يدل على الوجوب.
وهل هذا مشروع تعبدا، أو مشروع لتقوية البدن؟
يحتمل كلا الأمرين، والفقهاء رحمهم الله قالوا: إنه على سبيل التعبد، ولهذا قالوا: يسن أن يغتسل. وأما بالنسبة للجنون، فإنهم قاسوه على الإغماء، قالوا: فإذا شرع للإغماء، فالجنون من باب أولى، لأنه أشد(1).
قوله: "بلا حلم سن له الغسل" أي: بلا إنزال، فإن أنزل حال الإغماء وجب عليه الغسل كالنائم إذا احتلم.
قوله: "والغسل الكامل...". الغسل: له صفتان:
الأولى: صفة إجزاء .الثانية: صفة كمال.
كما أن للوضوء صفتين، صفة إجزاء، وصفة كمال، وكذلك الصلاة والحج.
والضابط: أن ما اشتمل على الواجب فقط فهو صفة إجزاء، وما اشتمل على الواجب والمسنون، فهو صفة كمال.
قوله: "أن ينوي". "أن" وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ.
والنية لغة: القصد.
وفي الاصطلاح: عزم القلب على فعل الشيء عزما جازما، سواء كان عبادة، أم معاملة، أم عادة.
ومحلها القلب، ولا تعلق لها باللسان، ولا يشرع له أن يتكلم بما نوى عند فعل العبادة.
فإن قيل: لماذا لا يقال: يشرع أن يتكلم بما نوى ليوافق القلب اللسان، وذلك عند فعل العبادة؟
فالجواب: أنه خلاف السنة.
فإن قيل: إنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه؟
فالجواب:
1ـ أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(1).
2ـ أن كل شيء وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله، كان ذلك دليلا على أنه ليس بسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينوي العبادات عند إرادة فعل العبادة، ولم يكن يتكلم بما نوى، فيكون ترك الشيء عند وجود سببه هو السنة، وفعله خلاف السنة.
ولهذا لا يسن النطق بها لا سرا ولا جهرا؛ خلافا لقول بعض العلماء: إنه يسن النطق بها سرا(1).
ولقول بعضهم: إنه يسن النطق بها جهرا(1)، وكلا القولين لا أصل له، والدليل على خلافه.
والنية شرط في صحة جميع العبادات لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"(2).
والنية نيتان:
الأولى: نية العمل، ويتكلم عليها الفقهاء ـ رحمهم الله ـ، لأنها هي المصححة للعمل.
الثانية: نية المعمول له، وهذه يتكلم عليها أهل التوحيد، وأرباب السلوك لأنها تتعلق بالإخلاص.
مثاله: عند إرادة الإنسان الغسل ينوي الغسل فهذه نية العمل.
لكن إذا نوى الغسل تقربا إلى الله تعالى، وطاعة له، فهذه نية المعمول له، أي: قصد وجهه سبحانه وتعالى، وهذه الأخيرة هي التي نغفل عنها كثيرا، فلا نستحضر نية التقرب، فالغالب أننا نفعل العبادة على أننا ملزمون بها، فننويها لتصحيح العمل، وهذا نقص، ولهذا يقول الله تعالى عند ذكر العمل: ابتغاء وجه ربهم {الرعد: 22} و إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى" {الليل: 20} و والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم {الرعد: 22} و يبتغون فضلا من الله ورضوانا {الحشر: 8} .
قوله: "ثم يسمي". أي: بعد النية، والتسمية على المذهب واجبة كالوضوء وليس فيها نص، ولكنهم قالوا: وجبت في الوضوء فالغسل من باب أولى، لأنه طهارة أكبر.
والصحيـح كما سبق(1) أنهـا ليست بواجبة لا في الوضوء، ولا في الغسل.
قوله: "ويغسل يديه ثلاثا" هذا سنة، واليدان: الكفان لأن اليد إذا أطلقت فهي الكف، والدليل قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما {المائدة: 38} والذي يقطع هو الكف فقط.
ولما أراد ما فوق الكف قال تعالى: وأيديكم إلى المرافق {المائدة: 6}.
قوله: "وما لوثه" أي: يغسل ما لوثه من أثر الجنابة، وفي حديث ميمونة ـ رضي الله عنها ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند غسله ما لوثه ضرب بيده الأرض، أو الحائط مرتين، أو ثلاثا(1).
والذي يظهر لي من حديث ميمونة أن الماء كان قليلا. ولذلك احتاج صلى الله عليه وسلم أن يضرب الحائط بيده مرتين، أو ثلاثا، ليكون أسرع في إزالة ما لوثه، وغسل رجليه في مكان آخر.
قوله: "ويتوضأ". أي: يتوضأ وضوءه للصلاة.
وكلام المؤلف يدل على أنه يتوضأ وضوءا كاملا، وهو كذلك في حديث عائشة(2) رضي الله عنها.
قوله: "ويحثي على رأسه ثلاثا" ظاهره أنه يحثي الماء على جميع الرأس ثلاثا.
قوله: "ترويه" أي: تصل إلى أصوله بحيث لا يكون الماء قليلا.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده"(1). وظاهره أن يصب عليه الماء أولا ويخلله، ثم يفيض عليه بعد ذلك ثلاث مرات.
وقال بعض العلماء: إن قولها: "ثلاث مرات" لا يعم جميع الرأس، بل مرة للجانب الأيمن، ومرة للأيسر، ومرة للوسط(2)، كما يدل على ذلك صنيعه حينما أتى بشيء نحو الحلاب(3) فأخذ منه فغسل به جانب الرأس الأيمن، ثم الأيسر، ثم وسط الرأس(4).
قوله: "ويعم بدنه غسلا". بدليل حديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما: "ثم أفاض الماء على سائر جسده"(1).
قوله "ثلاثا". وهذا بالقياس على الوضوء لأنه يشرع فيه التثليث، وهذا هو المشهور من المذهب.
واختـــار شيخ الإســـلام وجمــاعة من العلماء، أنه لا تثليـــث فـــي غسل البدن(2) لعدم صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يشرع.
قوله: "ويدلكه" أي: يمر يده عليه، وشرع الدلك ليتيقن وصول الماء إلى جميع البدن، لأنه لو صب بلا دلك ربما يتفرق في البدن من أجل ما فيه من الدهون، فسن الدلك.
قوله: "ويتيامن" أي: يبدأ بالجانب الأيمن. لحديث عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في ترجله وتنعله، وطهوره، وفي شأنه كله"(3).
قوله: "ويغسل قدميه مكانا آخر". أي: عندما ينتهي من الغسل يغسل قدميه في مكان آخر غير المكان الأول.
وظاهر كلام المؤلف أنه سنة مطلقا، ولو كان المحل نظيفا كما في حماماتنا الآن.
والظاهر لي أنه يغسل قدميه في مكان آخر عند الحاجة كما لو كانت الأرض طينا، لأنه لو لم يغسلهما لتلوثت رجلاه بالطين.
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل رجليه في حديث عائشة بعد الغسل(1). ورواية: "أنه غسل رجليه"(2) ضعيفة. والصواب: أنه غسل رجليه في حديث ميمونة فقط.
قوله: "والمجزئ". أي: الذي تبرأ به الذمة.
والإجزاء: سقوط الطلب بالفعل، فإذا قيل: أجزأت صلاته أي: سقطت مطالبته بها لفعله إياها، وكذلك يقال في بقية العبادات.
فلو أن أحدا صلى وهو محدث ناسيا، ثم ذكر بعد الصلاة، فإن صلاته لا تجزئه لأنه مطالب بها، وفعله لم يسقط به الطلب.
قوله: "أن ينوي ويسمي". سبق الكلام على النية(1) والتسمية(2).
قوله: "ويعم بدنه بالغسل مرة". لم يذكر المضمضة والاستنشاق، لأن في وجوبهما في الغسل خلافا، فمن أهل العلم من قال: لا يصح الغسل إلا بهما كالوضوء(3).
وقيل: يصح بدونهما(3).
والصواب: القول الأول؛ لقوله تعالى: فاطهروا {المائدة: 6} وهذا يشمل البدن كله، وداخل الأنف والفم من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الوضوء لدخولهما تحت قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم {المائدة: 6} فإذا كانا داخلين في غسل الوجه، وهو مما يجب تطهيره في الوضوء، كانا داخلين فيه في الغسل لأن الطهارة فيه أوكد.
وقوله: " ويعم بدنه". يشمل حتى ما تحت الشعر الكثيف، فيجب غسل ما تحته بخلاف الوضوء، فلا يجب غسل ما تحته.
والشعر الكثيف: هو الذي لا ترى من ورائه البشرة.
قال أهل العلم: والشعر بالنسبة لتطهيره وما تحته ينقسم إلى ثلاثة أقسام(1):
الأول: مايجب تطهير ظاهره وباطنه بكل حال، وهذا في الغسل الواجب.
الثاني: ما يجب تطهير ظاهره وباطنه إن كان خفيفا، وتطهير ظاهره إن كان كثيفا، وهذا في الوضوء.
الثالث: مالا يجب تطهير باطنه سواء كان كثيفا، أم خفيفا، وهذا في التيمم.
والدليل على أن هذا الغسل مجزيء: قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا {المائدة: 6} ولم يذكر الله شيئا سوى ذلك، ومن عم بدنه بالغسل مرة واحدة صدق عليه أنه قد اطهر.
فإن قيل: هذه الآية مجملة، والنبي صلى الله عليه وسلم فصل هذا الإجمال بفعله فيكون واجبا على الكيفية التي كان يفعلها، كما أن الله لـما قال: وأقيموا الصلاة {المزمل: 20} فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الإقامة بفعله، فصار واجبا علينا إقامة الصلاة كما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم .
فالجواب من وجهين:
الأول: أنه لو كان الله يريد منا أن نغتسـل علـى وجه التفصـيل لبينه كما بين الوضوء على وجه التفصيل، فلمـا أجمل الغسـل وفصـل في الوضوء علم أنه ليس بواجب علينا أن نغتسل على صفة معينة.
الثاني: حديث عمران بن حصين رضي الله عنه الطويل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي كان جنبا ولم يصل: "خذ هذا وأفرغه عليك"(1) ولم يبين له النبي صلى الله عليه وسلم كيف يفرغه على نفسه، ولو كان الغسل واجبا كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم لبينه له؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة في مقام البلاغ لا يجوز.
فإن قيل: لعل هذا الرجل يعرف كيفية الغسل.
أجيب بجوابين:
الأول: أن الأصل عدم معرفته.
الثاني: أن ظاهر حاله أنه جاهل، بدليل أنه لم يعلم أن التيمم يجزيء عن الغسل عند عدم الماء.
والحاصل: أن الغسل المجزئ أن ينوي، ثم يسمي، ثم يعم بدنه بالغسل مرة واحدة مع المضمضة والاستنشاق(1).
ولو أن رجلا عليه جنابة، فنوى الغسل، ثم انغمس في بــركة ـ مثلا ـ ثم خرج، فهذا الغسل مجزيء بشرط أن يتمضمض ويستنشق.
ولو أنه أراد الوضوء بعد أن انغمس فلا يجزيء إلا إن خرج مرتبا لأن الترتيب فرض على المذهب(2).
وظاهر كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ أن الموالاة ليست شرطا في الغسل، فلو غسل بعض بدنه ثم أتمه بعد زمن طويل عرفا صح غسله، وهذا هو المذهب.
وقيل: إن الموالاة شرط، وهو رواية عن الإمام أحمد. وقيل: وجه للأصحاب(1).
وهذا ـ أعني كون الموالاة شرطا ـ أصح، لأن الغسل عبادة واحدة، فلزم أن ينبني بعضه على بعض بالموالاة، لكن لو فرقه لعذر؛ لانقضاء الماء في أثناء الغسل مثلا؛ ثم حصله بعد ذلك لم تلزمه إعادة ما غسله أولا؛ بل يكمل الباقي.
قوله: "ويتوضأ بمد ويغتسل بصاع"."يتوضأ": بالرفع؛ لأنها جملة استئنافية، وليست معطوفة على قوله: "أن ينوي" لأنها لو كانت معطوفة على قوله :"أن ينوي" لصار المعنى: والمجزيء أن ينوي، وأن يتوضأ بمد، وليس كذلك، بل المعنى يسن أن يكون الوضوء بمد، والغسل بصاع.
والمد: ربع الصاع(2).
والصاع النبوي: أقل من الصاع العرفي عندنا بالخمس وخمس الخمس، فالصاع النبوي ـ مثلا ـ زنته ثمانون ريالا فرنسيا، وصاعنا العرفي مائة ريال، وأربع ريالات.
فيأخذ إناء يسع أربعة أخماس الصاع العرفي، ويغتسل به، هذه هي السنة، لئلا يسرف في الماء، فإن أسبغ بأقل جاز.
فإن قيل: نحن الآن نتوضأ من الصنابير فمقياس الماء لا ينضبط؟.
فيقال: لا تزد على المشروع في غسل الأعضاء في الوضوء، فلا تزد على ثلاث، ولا تزد في الغسل على مرة، على القول بعدم الثلاث، وبهذا يحصل الاعتدال.
قوله: "فإن أسبغ بأقل". أي: إن أسبغ بأقل من المد في الوضوء، ومن الصاع في الغسل أجزأ؛ لأن التقدير بالمد والصاع على سبيل الأفضلية.
لكن يشترط ألا يكون مسحا، فإن كان مسحا فلا يجزيء.
والفرق بين الغسل والمسح: أن الغسل يتقاطر منه الماء ويجري، والمسح لا يتقاطر منه الماء، والدليل على ذلك:
1ـ قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم {المائدة: 6} ثم قال: وامسحوا برءوسكم {المائدة: 6} ففرق سبحانه وتعالى بين المسح، والغسل.
2ـ قوله تعالى : فاطهروا {المائدة: 6} بينه صلى الله عليه وسلم بالغسل، لا بالمسح.
قوله: "أو نوى بغسله الحدثين أجزأ". النية لها أربع حالات:
الأولى: أن ينوي رفع الحدثين جميعا فيرتفعان لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"(1).
الثانية: أن ينوي رفع الحدث الأكبر فقط. ويسكت عن الأصغر، فظاهر كلام المؤلف أنه يرتفع الأكبر، ولا يرتفع الأصغر لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" وهذا لم ينو إلا الأكبر.
واختار شيخ الإسلام: أنه يرتفع الحدثان جميعا(2)، واستدل: بقوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا {المائدة: 6} فإذا تطهر بنية الحدث الأكبر فإنه يجزئه، لأن الله لم يذكر شيئا سوى ذلك، وهذا هو الصحيح.
الثالثة: أن ينوي استباحة ما لا يباح إلا بالوضوء، أو ارتفاع الحدثين جميعا كالصلاة، فإذا نوى الغسل للصلاة، ولم ينو رفع الحدث، ارتفع عنه الحدثان، لأن من لازم نية الصلاة أن يرتفع الحدثان، لأن الصلاة لا تصح إلا بارتفاع الحدثين.
الرابعة: أن ينوي استباحة ما يباح بالغسل فقط، دون الوضوء كقراءة القرآن، أو المكث في المسجد.
فلو اغتسل لقراءة القرآن فقط، ولم ينو رفع الحدث أو الحدثين فيرتفع حدثه الأكبر فقط، فإن أراد الصلاة، أو مس المصحف، فلا بد من الوضوء.
ولكن واقع الناس اليوم، نجد أن أكثرهم يغتسلون من الجنابة من أجل رفع الحدث الأكبر، أو الصلاة، وعلى هذا فيرتفع الحدثان.
قوله: "ويسن لجنب غسل فرجه، والوضوء لأكل". وضــوء الجنب للأكل ليس بواجب بالإجماع؛ لكنه مستحب والدليل على ذلك:
1ـ حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة(1).
وأما من حمل هذا على الوضوء اللغوي، وهو النظافة، فلا عبرة به؛ لأن رواية مسلم صريحة في أن المراد به الوضوء الشرعي.
ولأن القاعدة في أصول الفقه: أن الحقائق تحمل على عرف الناطق بها. فإذا كان الناطق الشرع حملت على الحقيقة الشرعية، وإذا كان من أهل اللغة حملت على الحقيقة اللغوية، وإذا كان من أهل العرف حملت على الحقيقة العرفية.
فمثلا: "زيد قائم" زيد في اللغة فاعل؛ لأن الفاعل في اللغة من قام به الفعل، وعند النحويين مبتدأ؛ لأن الفاعل عندهم: الاسم المرفوع المذكور قبله عامله.
2ـ حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل، أو يشـرب أو ينام أن يتوضأ(1).
قوله: "ونوم". أي: يستحب للجنب إذا أراد النوم أن يتوضأ، واستدل لذلك بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: "نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب"(1) وفي لفظ: "توضأ واغسل ذكرك ثم نم"(2).
وهذا الدليل يقتضي الوجوب لأنه قال: "نعم إذا توضأ". وتعليق المباح على شرط يدل على أنه لا يباح إلا به، وعليه يكون وضوء الجنب عند النوم واجبا، وإلى هذا ذهب الظاهرية وجماعة كثيرة من أهل العلم(3)، ولكن المشهور عند الفقهاء والأئمة المتبوعين أن هذا على سبيل الاستحباب(4) واستدلوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء"(5).
قالوا: فترك النبي صلى الله عليه وسلم للوضوء في هذه الحال بيان للجواز، وأن الأمر ليس للوجوب. وهذه قاعدة صحيحة معتبرة، خلافا لمن قال: إن فعله لا يعارض قوله، بل يؤخذ بالقول فلا يدل فعله على الجواز.
(فائدة) هذه الطريقة يلجأ إليها الشوكاني ـ رحمه الله ـ في "نيل الأوطار"(1)، وأنا أتعجب من سلوكه هذه الطريقة؛ لأنه من المعلوم أننا لا نحمل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم على الخصوصية إلا حيث تعذر الجمع، أما إذا أمكن الجمع فإنه لا يجوز حمل النص على الخصوصية؛ لأن الأصل التأسي به صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة {الأحزاب: 21} فإذا كان الأصل التأسي به فلا وجه لحمل النص على الخصوصية مع إمكان الجمع إلا بدليل.
ويدل على أن فعله صلى الله عليه وسلم أوقوله لا يحمل على الخصوصية إلا بدليل قول الله تعالى: وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين {الأحزاب: 50} ووجه الدلالة من الآية: أن الله تعالى بين أنها خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولولا ذلك لكان مقتضى النص أنه يجوز للإنسان التزوج بالهبة.
ودليل آخر: أن الله تعالى قال في قصة زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ: فلما قضى" زيد منها وطرا زوجناكها {الأحزاب: 37} وكانــت زينـب تحت زيـد بـن حارثة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه، فلما أحل الله له زينب قال: لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا {الأحزاب: 37} . فهذا الحكم خاص، وعلته عامة، وعلى هذا فالحكم الذي يثبت للرسول صلى الله عليه وسلم يثبت للأمة؛ وإلا لم يكـن لقــولــه : لكي لا يـكــون علـى المؤمنــين حرج في أزواج أدعيائهم فائدة .
وعورض حديث عائشة "كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء" بأمرين:
الأول: أنه منقطع. ورد بأنه متصل، وأن أبا إسحاق سمع من الأسود الذي رواه عن عائشة، وإذا تعارض الوصل والقطع، فالمعتبر الوصل.
الثاني: أن قولها: "من غير يمس ماء" أي: ماء للغسل. ورد بأن هذا بعيد؛ لأن "ماء" نكرة في سياق النفي فتعم أي ماء، وعليه فالتعليل بالانقطاع غير صحيح، وكذلك التأويل.
والذي يظهـر لي: أن الجنب لا ينام إلا بوضوء على سبيل الاستحباب؛ لحديث عائشة ـ رضي الله عنـها ـ وكذا بالنسبة للأكل والشرب.
وفرق الفقهاء ـ رحمهم الله ـ بين الأكل والشرب والنوم، فقالوا: يكره أن ينام على جنابة بلا وضوء، ولا يكره له الأكل، والشرب بلا وضوء(1).
قوله: "ومعاودة وطء". أي: يسن للجنب أن يتوضأ إذا أراد أن يجامع مرة أخرى، والدليل على ذلك. ما ثبت في "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من جامع أهله، ثم أراد أن يعود أن يتوضأ بينهما وضوءا(2).
والأصل في الأمر الوجوب، لكن أخرج هذا الأمر عن الوجوب ما رواه الحاكم :"...إنه أنشط للعود"(1).
فدل هذا أن الوضوء ليس عبادة حتى نلزم الناس به، ولكن من باب التنشيط، فيكون الأمر هنا للإرشاد، وليس للوجوب.
وكان صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه بغسل واحد(2)، وإن كان طوافه عليهن بغسل واحد، لا يمنع أن يكون قد توضأ بين الفعلين.
باب التيمم
التيمم لغة: القصد.
وشرعا:ال
المصدر :
كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع
للعلامة محمد بن صالح العثيمين
عدد المجلدات : ٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق