الثلاثاء، 24 مارس 2015

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل والنوع الثاني ما يدل بقصد الدال به كالكلام وكالعقد باليد والاشارة بها أو بالعين أو الحاجب أو غير ذلك

كتاب النبوات،
قال ابن تيمية :
فصل والنوع الثاني ما يدل بقصد الدال به كالكلام وكالعقد باليد والاشارة بها أو بالعين أو الحاجب أو غير ذلك من الأعضاء وقد يسمى ذلك رمزا ووحيا وكذلك الخط خط الكتابة بخلاف الاستدلال بآثار خطى الانسان فإن هذا من النوع الاول وكذلك القيافة وهي من النوع الاول وهو الاستدلال بالشبه على النسب وكذلك القائف قد يعرف بالأثر من هو الواطئ وأين ذهب ومن هذا النوع الاميال التي جعلت علامات على حدود الحرم والاميال تجعل في الطرقات فإنه قصد بها الدلالة على الطريق أي قصد الناس بها ذلك وهذا النوع قسمان منه ما يكون بالاتفاق والمواطأة بين اثنين فصاعدا كما يتفق الرجل مع وكيله على علامة لمن يرسله اليه مثل وضع خنصره في خنصره ومثل وضع يده على ترقوته كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك علامة مع بعض الناس وكما يجعل الملوك وغيرهم لهم علامات عند بعض الناس من جاء بها عرفوا أنه مرسل من جهته ومن هذا الباب شعائر الناس في الحرب كل طائفة يعرف أصحابها بشعارها ولهذا قال الفقهاء ويجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به كما كان للمهاجرين شعار وللانصار شعار ومن هذا الباب الأعلام والرايات للمقدمين فان الراية ترى فيعلم صاحبها وكذلك


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 199 ]  


العلم يعلم فيعلم صاحبه وقد تميز راية عن راية لما يختص به صاحبها ويسمى ذلك رنكا وقد يكون ذلك اسم الشخص وقد يكون غير ذلك لكن قد اتفق مع غيره على أن هذا علامة وآية له فمتى رؤي استدل به على أنه هو المضاف اليه ذلك العلم ويجعل هذا على الدور والثياب والدواب ومنه الوسم الذي تعلم به إبل الصدقة وإبل الجزية فإن الوسم علامة مقصودة للواسم وأما السيما فهي علامة بنفسها لم يقصدها مثل سيما المؤمنين وسيما المنافقين قال تعالى في المؤمنين سيماهم في وجوههم من أثر السجود وقال في المنافقين فلعرفتهم بسيماهم وقال عتل بعد ذلك زنيم قيل له زنمة من الشر يعرف بها ومنه سيما المؤمنين يوم القيامة التي بها يعرفهم نبيهم وهو أنهم غر محجلين من آثار الوضوء فهذه علامة وآية لكنها من النوع الاول لم يقصد المسلمون أن يتوضئوا ليعرفوا بالوضوء لكن من اللوازم لهم الوضوء للصلاة وقد جعل الله أثر ذلك نورا في وجوههم وأيديهم وليس هذا لغيرهم فإن هذا الوضوء لم يكن لغيرهم والحديث الذي يروى هذا وضوئي ووضوء النبيين من قبلي ضعيف بخلاف الصلاة في المواقيت الخمس فإن الانبياء كانوا يصلون في هذه المواقيت كما قال هذا وقتك ووقت الانبياء قبلك والوسم والسيما من الوسم متفقان في الاشتقاق الاوسط فان أصل سيما سوما فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء مثل ميقات وميعاد ونحو ذلك والاسم أيضا من هذا الباب وهو علم على المسمى ودليل عليه وآيه عليه وهذا المعنى ظاهر فيه فلذلك قال الكوفيون انه مشتق من الوسم والسمة وهي العلامة وقال البصريون بل هو مشتق من السمو فإنه يقال في تصغيره سمي لا وسيم وفي جمعه أسماء لا أوسام وفي تصريفه سميت ولا وسمت وكلا القولين حق لكن قول البصريين أتم فإنه مشتق منه على قولهم في الاشتقاق الاصغر وهو اتفاق اللفظين في الحروف وتأليفها وعلى قول الكوفيين هو مشتق منه من الاشتقاق الاوسط وهو اتفاق اللفظين في الحروف لا في ترتيبها كما قلنا في الوسم والسيما والسمو هو العلو والسامي هو العالي والعلو مستلزم للظهور كما تقدم فالعالي ظاهر والظاهر عال


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 200 ]  


فكان الاسم بعلوه يظهر فيدل على المسمى لأنه يظهر باللسان والخط ويظهر للسمع المسمى فيعرف بالقلب وقد تقدم أنهم يسمون الجبال أعلاما لما فيها من الظهور ودلالة الاسم على مسماه دلالة قصدية فان المسمى يسمى بالاسم ليعرف به المسمى وليدل عليه يقصد به الدلالة على مجرد نفسه كأسماء الأعلام للأشخاص وتارة يقصد به الدلالة على ما في اللفظ من المعنى كالأسماء المشتقة مثل العالم والحي والقادر ومن هذا الباب تسمية المعبودين آلهة سموها بما لا تستحقه كما يسمى الجاهل عالما والعاجز قادرا والكذاب نبيا فلهذا قال تعالى ان هي إلا اسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان والنوع الثاني من هذه الدلالة القصدية أن يقصد الدال الدلالة من غير مواطأة مع المستدلين على أنه دليل لكن هم يعلمون أنه قصد الدلالة لعلمهم بأحواله مثل ما يرسل الرجل شيئا من ملابسه المختص به مع شخص فيعلمون أنه أرسلها علامة على أنه أرسله قال سعيد بن جبير عن ابن عباس ان في ذلك لآية للمؤمنين قال العلامة تكون بين الرجل وأهله رواه ابن المنذر حدثنا موسى بن هارون حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان حدثنا أبو اسامة حدثني سفيان عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان في ذلك لآية قال علامة ألم تر إلى الرجل إذا أراد أن يرسل إلى أهله في حاجة أرسل بخاتمه أو ثبوته فعرفوا أنه حق فتارة يرسل خاتمه معه فيعلمون أنه أرسله ليعلموا أنه أرسله إذ كانوا قد علموا أن الخاتم معه وأنه ليس في إرساله مع ذلك الشخص الذي لا يعرفونه مقصود له إلا أن يكون علامة على أنه أرسله اليهم فيصدقونه فيما أخبر عنه وتارة يرسل معه عمامته أو نعليه وقد علموا أنه لا يخلع عمامته ويبعثها مع ذلك الشخص إلا لتكون علامة على صدقه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة الفتح لما كانت راية الخزرج مع سعد بن عبادة وكان فيه حدة وقال لا قريش بعد اليوم اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنه يخاف منه أن يضع السيف في أهل مكة فقال قولوا


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 201 ]  


له يعطى الراية لابنه قيس فقيل انه لا يقبل منه فقال هذه عمامتي قولوا له قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فلما رأى عمامته مع من جاء بها علم أنه ليس له في إعطائه عمامته مقصود إلا أن تكون علامة ولم يكن قبل ذلك قد واطأه على ذلك وكذلك لما أعطى أبا هريرة نعليه ليخرج فيبشر الناس بما ذكره له فإنهم إذا أرادوا معه نعليه علموا أنه لم يعطه النعلين إلا علامة وكذلك قد يكون بين الشخص وبين غيره سر لم يطلع عليه المرسل فيقول له اعطني علامة فيقول قل له بعلامة ما تكلمت أنت وهو في كذا وكذا أو ما فعلت أنت وهو كذا وكذا فيعلم المرسل اليه أن المرسل هو أعلم هذا الرسول بهذا الأمر اذ كان غيره لم يعلمه ويعلم أنه ليس له في إعلامه به مقصود إلا أن يكون علامة له على تصديقه ثم أكثر هذه الآيات التي هي علامات للناس يرسلونها مع من يرسلونه ليعرف صدقه هي قطعية عند المستدل بها المرسل اليه من الأهل والاصدقاء والوكلاء والنواب وغيرهم يأتيهم الرجل بعلامة وهي مستدلة على حيهم فيعلمون قطعا أن هذا جاء من عنده ويعلمون قطعا أنه لم يرسله بتلك العلامة الا ليعلموا صدقه لا يخطر لسعد بن عبادة حين رأى عمامة النبي صلى الله عليه وسلم معهم أنهم أخذوها بغير قصده بأن تكون سقطت منه ونحو ذلك بل قد علم أنها كانت على رأسه وهو راكب في الجيش وقد أرسلها مع هذا وكذلك خاتم الشخص الذي يعلمون أنه لا ينزع خاتمه من يده ويعطيها لغيره ليعبث بها عنه وهو لا يختم بها شيئا إلا لذلك وقد يقع في مثل ذلك احتمالات فيستعمل المستدلون التقسيم فإن الاستدلال مداره على أنه أرسله بالعلامة وأنه إنما أرسله بها ليبين صدقه فقد يعرض في المقدمة الاولى أنه أخذها بغير اختياره أو أن الخاتم سقط منه أو ان كان مسافرا أنه قتل أو مات فقد يقع مثل ذلك وقد يؤخذ خاتم الرجل بغير أمره ويختم به كتابه كما حكى أن مروان فعل مثل ذلك بعثمان والمقدمة الثانية أنه قد يرسله بالخاتم ليختم به شيئا أو ليصلحه ونحو ذلك فإذا عرض مثل هذا الاحتمال وقوى توقفوا وإن عرفوا انتفاء ذلك مثل أن يكون قد ذهب من عندهم


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 202 ]  


قريبا وليس له ما يختم به ونحو ذلك قطعوا بأنه أرسله علامة ثم بعد هذا قد يعلمون أنه أرسله لكن قد يكذب عليه ولكن العهدة في هذا على المرسل فإن ارسال العلامة هو إعلام منه لهم بأني أرسلته اليكم فهذا الفعل هو مثل هذا القول يجري مجرى إعلامهم وإخبارهم بأنه أرسله وتصديقه في قوله هو أرسلني والإخبار تارة يكون بالقول وتارة يكون بالعمل كما يعلم الرجل غيره بالاشارة بيده ورأسه وعينه وغير ذلك وان لم يتقدم بينهما مواضعة لكن يعلم قصده ضرورة مثل أن يسأله عن شيء هل كان فيرفع رأسه أو يخفضه أو يشير بيده أو يكون قائما فيشير اليه اجلس أو قاعدا مطلوبا فيشير اليه أن اهرب فقد جاء عدوك أو نحو ذلك من الاشارات التي هي أعمال بالأعضاء وهي تدل دلالة ضرورية تعلم من قصد الدال كما يدل القول وقد تكون أقوى من دلالة القول لكن دلالة القول أعم وأوسع فإنه يدل على الأمور الغائبة وعلى الأمور المعضلة وهذه الأدلة العيانية هي أقوى من وجه ولكن ليس فيها من السعة للمعاني الكثيرة ما في الاقوال
فصل وخاصة الدليل أن يكون مستلزما للمدلول فكل ما استلزم شيئا كان دليلا 









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق