[وجه الارتباط بين الكلام في قدم العالم ومسألة الحكمة والتعليل]
وإنما [كان] المقصود [هنا] التنبيه (1) على مآخذ المسلمين في مسألة التعليل. فالمجوزون للتعليل يقولون: الذي دل عليه الشرع والعقل أن كل ما سوى الله محدث كائن بعد أن لم يكن، وأما كون الرب لم يزل معطلا عن الفعل ثم فعل، فهذا ليس في الشرع ولا في العقل (2) ما يثبته، بل كلاهما يدل على نقيضه.
وإذا عرف الفرق بين نوع الحوادث وبين أعيانها، وعلم الفرق بين قول المسلمين وأهل الملل وأساطين الفلاسفة الذين يقولون بحدوث كل واحد واحد من العالم العلوي والسفلي، وبين قول أرسطو وأتباعه الذين يقولون بقدم الأفلاك والعناصر، تبين (3) ما في هذا الباب من الخطأ والصواب، وهو من أجل المعارف وأعلى العلوم، فهذا جواب من يقول بالتعليل لمن احتج عليه بالتسلسل في الآثار (4) .
[حجة الاستكمال]
وأما حجة الاستكمال (5) فقالوا: الممتنع أن يكون الرب تعالى مفتقرا
_________
(1) ن، م: وإنما المقصود التنبيه.
(2) ا، ب: فليس في الشرع ولا العقل.
(3) ا، ب: وبين.
(4) يتبين هنا أن كل ما سبق من الاستطراد في الكلام على مسألة قدم العالم، إنما كان لاتصاله بمسألة الحكمة والتعليل التي سبق الكلام عليها في ص 141 من كتابنا هذا.
(5) وهي الحجة الثانية المذكورة في ص 141.
(1/420)
إلى غيره، أو أن يكون ناقصا في الأزل عن كمال يمكن وجوده في الأزل كالحياة والعلم. وإذا كان هو القادر الفاعل لكل شيء، لم يكن محتاجا إلى غيره بوجه من الوجوه، بل العلل المفعولة هي مقدورة ومرادة له. والله تعالى يلهم عباده الدعاء ويجيبهم، ويلهمهم التوبة ويفرح بتوبتهم إذا تابوا، ويلهمهم العمل ويثيبهم إذا عملوا، ولا يقال: إن المخلوق أثر في الخالق (1) أو (2) جعله فاعلا للإجابة (3) والإثابة والفرح [بتوبتهم] (4) ، فإنه سبحانه هو الخالق لذلك كله، له الملك وله الحمد لا شريك له في شيء من ذلك، ولا يفتقر فيه إلى غيره. والحوادث التي لا يمكن وجودها إلا متعاقبة، لا يكون عدمها في الأزل نقصا.
قالوا (5) : وأما قولهم هذا يستلزم قيام الحوادث به (6) .
فيقال: أولا: هذا قول من هم من أكبر شيوخ المعتزلة والشيعة (7) - كهشام بن الحكم وأبي الحسين البصري ومن تبعهما - وهو لازم لسائرهم، والشيعة المتأخرون أتباع المعتزلة البصريين (8) في هذا الباب، هم والمعتزلة البصريون يقولون: إنه صار مدركا بعد أن لم يكن، (* لأن
_________
(1) ا، ب: إن للمخلوق أثرا في الخالق.
(2) أو: ساقطة من (ب) فقط.
(3) ن (فقط) : في الإجابة.
(4) بتوبتهم: ساقطة من (ن) ، (م) .
(5) قالوا: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(6) به: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(7) ا، ب: هذا قول من هم أكبر من أئمة المعتزلة والشيعة، وهو خطأ.
(8) البصريين: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(1/421)
الإدراك عندهم كالسمع والبصر إنما يتعلق بالموجود، وهم يقولون: صار مريدا بعد أن لم يكن *) (1) . وأما البغداديون فإنهم وإن أنكروا الإدراك والإرادة فهم يقولون (2) : صار فاعلا بعد أن لم يكن. قالوا: وهذا قول بتجدد أحكام له وأحوال.
ولهذا قيل: إن هذه المسألة تلزم سائر الطوائف حتى الفلاسفة، وقد قال بها من أساطينهم الأولين وفضلائهم المتأخرين غير واحد، ويقال (3) : إن [الأساطين] (4) الذين كانوا قبل أرسطو أو كثيرا منهم (5) كانوا يقولون بها، وقال بها أبو البركات صاحب " المعتبر " وغيره، وهو قول طوائف من أهل الكلام من المرجئة والشيعة (6) والكرامية وغيرهم كأبي معاذ التومني (7) والهشامين.
وأما جمهور أهل السنة والحديث فإنهم يقولون بها أو بمعناها، وإن كان منهم من لا يختار إلا (8) أن يطلق الألفاظ الشرعية، ومنهم من يعبر
_________
(1) ما بين النجمتين ساقط من (ا) ، (ب) .
(2) ا، ب: وأما البغداديون فإنهم أنكروا الإدراك فهم يقولون. .
(3) ا، ب: غير واحد يقال. .
(4) الأساطين: ساقطة من (ن) ، (م) .
(5) عبارة " أو كثيرا منهم ": ساقطة من (ن) ، (م) .
(6) ا، ب: من الشيعة والمرجئة.
(7) من أئمة المرجئة، ورأس فرقة التومنية منهم وهو ينتسب إلى تومن، ولم أتمكن من معرفة تاريخ وفاته. وانظر مقالات الأشعري 1/204، 326، 2/232؛ الفرق بين الفرق 123 - 124؛ الملل والنحل 1/128؛ ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب (ط. القدسي، 1357) 1/187؛ ياقوت: معجم البلدان، مادة: تومن.
(8) إلا: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(1/422)
عن المعنى الشرعي (1) بالعبارات الدالة عليه، مثل حرب الكرماني (2) ، ونقله عن الأئمة، ومثل عثمان بن سعيد الدارمي (3) ، ونقله عن أهل السنة، ومثل البخاري صاحب الصحيح، [وأبي بكر] بن خزيمة (4) الملقب إمام الأئمة، ومثل أبي عبد الله بن حامد (5) ، وأبي إسماعيل الأنصاري (6) الملقب بشيخ الإسلام، ومن لا يحصي عدده إلا الله.
والمعتزلة كانوا ينكرون أن يقوم بذات الله (7) صفة أو فعل، وعبروا عن ذلك بأنه لا تقوم به الأعراض والحوادث، فوافقهم [أبو محمد عبد الله بن سعيد] بن كلاب (8) على [نفي] (9) ما يتعلق بمشيئته وقدرته، وخالفهم في
_________
(1) ن، م: بالمعنى الشرعي، وهو تحريف.
(2) حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني صاحب الإمام أحمد، ومن أئمة الحنابلة، توفي سنة 280. ترجمته في شذرات الذهب 2/176؛ طبقات الحنابلة 1/145 - 146.
(3) أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي السجزي، محدث وله مؤلفات في الرد على المبتدعة، توفي سنة 280. ترجمته في شذرات الذهب 2/176؛ تذكرة الحفاظ 3/621 - 622؛ الأعلام 4/366؛ تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 4/31؛ سزكين م [0 - 9] ج [0 - 9] ص [0 - 9] 1 - 32.
(4) ن، م: وابن خزيمة.
(5) هو أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي، إمام الحنابلة في زمانه له " الجامع " في مذهب الحنابلة، وله " شرح الخرقي " توفي سنة 403. ترجمته في طبقات الحنابلة 2/171 - 177؛ تذكرة الحفاظ 3/1078؛ تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/315.
(6) هو أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي الأنصاري، كان يدعى شيخ الإسلام، وكان إمام أهل السنة بهراة، ويسمى خطيب العجم، لتبحر علمه وفصاحته ونبله، توفي سنة 481. ترجمته في طبقات الحنابلة 2/247 - 248؛ الذيل لابن رجب 1
- 68؛ الأعلام 4/267.
(7) ن، م: أن يقوم بالله.
(8) ن، م: فوافقهم ابن كلاب.
(9) نفي: ساقطة من (ن) فقط.
(1/423)
نفي الصفات ولم يسمها أعراضا. ووافقه على ذلك الحارث المحاسبي أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي من شيوخ الصوفية، توفي ببغداد سنة 243 ترجمته في طبقات الشافعية 2/275 - 279؛ شذرات الذهب 2؛ الشعراني: الطبقات الكبرى 1/64؛ السلمي: طبقات الصوفية، ص 56 - 60؛ الخلاصة للخزرجي، ص 57؛ ميزان الاعتدال 1/430 - 431؛ الأعلام 2/153 - 154؛ سزكين م [0 - 9] ج 1، ص [0 - 9] 13 - 119.، ويقال إنه رجع عن ذلك، وبسبب مذهب ابن كلاب هجره الإمام أحمد بن حنبل، وقيل: إنه تاب منه.
وصار النزاع في هذا [الأصل] الأصل: ساقطة من (ن) فقط. بين طوائف الفقهاء، فما من طائفة من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي [وأحمد] إلا [وفيهم] من يقول (1) بقول ابن كلاب في هذا الأصل، كأبي الحسن التميمي والقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى [وأبي المعالي] الجويني (2) وابن عقيل وابن الزاغوني، وفيهم من يقول بقول جمهور أهل الحديث كالخلال (3) وصاحبه أبي بكر عبد العزيز (4) وأبي عبد الله بن حامد وأبي
_________
(1) ن (فقط) : والشافعي إلا من يقول.
(2) ن، م: والجويني.
(3) ن، ا، ب: كالجلال؛ م (غير منقوطة) والصواب ما أثبتناه. وهو أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر المعروف بالخلال، من أئمة الحنابلة، له التصانيف الدائرة والكتب السائرة، مثل " الجامع " و " العلل " و " السنة "، توفي سنة 311. ترجمته في طبقات الحنابلة 2/12 - 15؛ تذكرة الحفاظ 3/7؛ تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/313 - 314؛ الأعلام 1/196.
(4) هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد بن معروف، أبو بكر المعروف بغلام الخلال. من أهم مصنفاته " الشافي " و " المقنع "، توفي سنة 363. ترجمته في طبقات الحنابلة 2/119 - 127؛ شذرات الذهب 3/45 - 46؛ الأعلام 4/139.
(1/424)
عبد الله بن منده (1) وأبي إسماعيل الأنصاري وأبي نصر السجزي (2) وأبي بكر محمد بن إسحق بن خزيمة وأتباعه (3) .
وجماع [القول في] ذلك ن، م: وجماع ذلك. أن الباري تعالى هل يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته كالأفعال الاختيارية على هذين القولين؟ .
قال المثبتون لذلك وللتعليل: نحن نقول لمن أنكر ذلك من المعتزلة والشيعة ونحوهم: أنتم تقولون: [إن الرب] (4) كان معطلا في الأزل لا يتكلم ولا يفعل شيئا، ثم أحدث الكلام والفعل بلا سبب حادث أصلا، فلزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بلا مرجح، وبهذا استطالت عليكم الفلاسفة وخالفتهم أئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة في ذلك، وظننتم أنكم أقمتم الدليل على حدوث العالم بهذا، حيث ظننتم أن ما لا يخلو عن نوع الحوادث يكون حادثا لامتناع حوادث لا نهاية لها.
وهذا الأصل ليس معكم به كتاب ولا سنة ولا أثر عن الصحابة والتابعين، بل الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة [والقرابة] وأتباعهم (5)
_________
(1) هو محمد بن إسحاق بن محمد أبو عبد الله بن منده الأصبهاني، من أئمة الحنابلة، قال عنه ابن أبي يعلى: بلغني عنه أنه قال: كتبت عن ألف شيخ وسبعمائة شيخ، توفي سنة 395. ترجمته في طبقات الحنابلة 2/167؛ شذرات الذهب 3/337؛ تذكرة الحفاظ 3/220 - 224.
(2) هو أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري السجزي (نسبة إلى سجستان) نزيل الحرم ومصر المتوفى سنة 444. ترجمته في تذكرة الحفاظ 3/206 - 207، 1118 - 1120.
(3) في (ن) ، (م) سقطت عبارة " وأبي بكر عبد العزيز " واختلف ترتيب الأسماء عما أثبته من (ا) ، (ب) .
(4) إن الرب: ساقطة من (ن) فقط.
(5) ن، م: وآثار الصحابة وأتباعهم.
(1/425)
بخلاف ذلك، والنص والعقل دل على أن كل ما سوى الله [تعالى مخلوق] حادث (1) كائن بعد أن لم يكن، ولكن لا يلزم (2) من حدوث كل فرد فرد مع كون الحوادث متعاقبة [حدوث النوع] (3) ، فلا يلزم من ذلك أنه لم يزل الفاعل المتكلم معطلا عن الفعل (4) والكلام، ثم حدث ذلك بلا سبب (5) ، كما لم يلزم [مثل] (6) ذلك في المستقبل، فإن كل فرد فرد من المستقبلات المنقضية (7) فان، وليس النوع فانيا. كما قال تعالى: {أكلها دائم وظلها} [سورة الرعد: 35] ، وقال: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} [سورة ص: 54] . فالدائم الذي لا ينفد - أي لا ينقضي - هو (8) النوع، وإلا فكل فرد من أفراده نافد منقض ليس بدائم.
وذلك أن الحكم الذي توصف به الأفراد إذا كان لمعنى موجود في الجملة [وصفت به الجملة، مثل وصف كل فرد بوجود أو إمكان أو بعدم، فإنه يستلزم وصف الجملة] (9) بالوجود والإمكان والعدم؛ لأن طبيعة الجميع هي (10) طبيعة كل واحد واحد، وليس المجموع إلا الآحاد الممكنة أو الموجودة أو المعدومة.
_________
(1) ن، م: كل ما سوى الله حادث.
(2) ن، م: لا يستلزم.
(3) عبارة " حدوث النوع " سقطت من (ن) واختلف ترتيبها في الجملة في (م) .
(4) ن (فقط) : عن العقل، وهو تحريف.
(5) ا، ب: بالسبب.
(6) مثل: ساقطة من (ن) ، (م) .
(7) ن: المقتضية، وهو تحريف.
(8) ب (فقط) : هذا.
(9) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م)
(10) هي: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(1/426)
وأما إذا كان ما وصف به الأفراد لا يكون صفة للجملة، لم يلزم أن يكون حكم الجملة حكم الأفراد، كما في أجزاء البيت والإنسان [والشجرة] (1) ، فإنه ليس كل منها بيتا ولا إنسانا [ولا شجرة] (2) ، وأجزاء الطويل والعريض والدائم والممتد لا يلزم أن يكون كل منها طويلا وعريضا ودائما وممتدا (3) .
وكذلك إذا وصف كل واحد واحد من المتعاقبات بفناء أو حدوث، لم يلزم أن يكون النوع منقطعا أو حادثا (4) بعد أن لم يكن؛ لأن حدوثه معناه أنه وجد بعد أن لم يكن، كما أن فناءه معناه أنه عدم بعد وجوده. وكونه عدم بعد وجوده، أو وجد بعد عدمه أمر (5) يرجع إلى وجوده وعدمه، لا إلى نفس الطبيعة الثابتة للمجموع، كما في الأفراد الموجودة (6) أو المعدومة أو الممكنة، فليس إذا كان هذا المعين (7) لا يدوم، يلزم أن يكون نوعه (8) لا يدوم؛ لأن الدوام تعاقب الأفراد، وهذا أمر يختص به المجموع، لا يوصف به الواحد، وإذا حصل للمجموع بالاجتماع حكم
_________
(1) والشجرة: ساقطة من (ن) ، (م) .
(2) ولا شجرة: ساقطة من (ن) ، (م) .
(3) في (ن) ، (م) : بعد كلمة " وممتدا ": قال تعالى: (أكلها دائم وظلها) وقال: (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) فالدائم الذي لا ينفد أي لا ينقضي هو النوع، وإلا فكل فرد من أفراده نافد منقض ليس بدائم. وهذه الزيادة في (ن) ، (م) تكرار لما سبق ولا موضع لها هنا والمعنى يتم بدونها.
(4) ب (فقط) : فانيا أو حادثا.
(5) أمر: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(6) ن (فقط) : كما في الأفراد المجموعة الموجودة.
(7) ن، م: المعنى، وهو خطأ.
(8) ن، م: عدمه، وهو خطأ.
(1/427)
يخالف به حكم الأفراد، لم يجب مساواة المجموع للأفراد في أحكامه.
وبالجملة، فما يوصف به الأفراد قد توصف به الجملة وقد لا توصف به، فلا يلزم من حدوث الفرد حدوث النوع إلا إذا ثبت أن هذه الجملة موصوفة بصفة هذه الأفراد.
وضابط ذلك أنه إن كان بانضمام هذا الفرد إلى هذا الفرد يتغير ذلك الحكم الذي لذلك الفرد (1) ، لم يكن حكم المجموع حكم الأفراد، وإن لم يتغير ذلك الحكم الذي لذلك الفرد، كان حكم المجموع حكم أفراده (2) .
مثال الأول: أنا إذا ضممنا هذا الجزء إلى هذا الجزء، صار المجموع (3) أكثر وأطول وأعظم من كل فرد، فلا يكون في مثل هذا حكم (4) المجموع حكم الأفراد. فإذا قيل: إن (5) هذا اليوم طويل، لم يلزم أن يكون جزؤه طويلا. وكذلك إذا قيل: هذا الشخص أو الجسم (6) طويل أو ممتد، أو قيل: إن هذه الصلاة طويلة، أو قيل: [إن] (7) هذا النعيم دائم، لم يلزم أن يكون كل جزء منه دائما.
قال الله تعالى: {أكلها دائم وظلها} [سورة الرعد: 35] ، وليس كل جزء
_________
(1) ا، ب: الذي للفرد.
(2) ن، م، ا: أمثاله، والصواب ما أثبته من (ب) .
(3) ن، م: صار الكل.
(4) ن (فقط) : في حكم هذا مثل حكم. .
(5) إن: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(6) ن، م: والجسم.
(7) إن: ساقطة من (ن) ، (م) .
(1/428)
من أجزاء (1) الأكل دائما. وكذلك في الحديث (2) الصحيح قوله - صلى الله عليه وسلم -: " «أحب العمل إلى الله أدومه» " (3) وقول عائشة [رضي الله عنها] (4) : «وكان عمله ديمة» (5) . فإذا كان عمل المرء دائما، لم يلزم أن يكون كل جزء منه دائما.
_________
(1) أجزاء: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(2) ن، م، ا: وكذلك قوله في الحديث.
(3) جاء الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - في المسند (ط. الحلبي) 6/51 بلفظ: إن أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه. وأوله: مه عليكم بما تطيقون. . الحديث. وعقد مسلم في صحيحه 1/540 - 541 فصلا (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره) أورد فيه أربعة أحاديث كلها عن عائشة - رضي الله عنها - وفيها معنى الحديث الذي ذكره ابن تيمية منه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. وجاء في حديث آخر عن أم سلمة - رضي الله عنها - في المسند (ط. الحلبي) 6/319 ونصه: " ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان أكثر صلاته قاعدا إلا المكتوبة وكان أحب العمل إليه ما داوم العبد عليه وإن كان يسيرا ". وأورد البخاري حديثين عن عائشة - رضي الله عنها - بمعنى هذا الحديث مع اختلاف الألفاظ: الأول 1/13 (كتاب الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه) ولفظه: وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه. والثاني 3/38 - 39 (كتاب الصوم، باب صوم شعبان) ولفظه: وأحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما داوم عليه وإن قلت. وجاء الحديث عن عائشة في: سنن أبي داود 2/65 (كتاب التطوع، باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة) .
(4) رضي الله عنها: زيادة في (ا) ، (ب) .
(5) الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - في: البخاري 8/98 (كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل) ونصه: عن علقمة قال: سألت أم المؤمنين عائشة قلت: يا أم المؤمنين كيف كان عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع. وجاء الحديث أيضا في: البخاري 3/42 (كتاب الصوم، باب هل يخص شيئا من الأعمال) ؛ مسلم 1/541 (كتاب صلاة المسافرين، باب فضيلة العمل الدائم. .) ؛ سنن أبي داود 2/66 (كتاب التطوع، باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة) ؛ المسند (ط. الحلبي) 6/43، 55، 189.
(1/429)
وكذلك إذا قيل: هذا المجموع عشر أوقية أو نش (1) أو إستار (2) ، لم يلزم أن يكون كل جزء (3) من أجزائه عشر أوقية ولا نشا ولا إستارا (4) ؛ لأن المجموع حصل بانضمام الأجزاء بعضها إلى بعض، والاجتماع ليس موجودا (5) للأفراد.
وهذا بخلاف ما إذا قيل (6) : كل جزء من الأجزاء معدوم أو موجود أو ممكن أو واجب أو ممتنع، فإنه يجب في المجموع أن يكون معدوما أو موجودا أو ممكنا أو واجبا أو ممتنعا، وكذلك إذا قلت: كل واحد من الزنج أسود، فإنه يجب أن يكون معدوما أو موجودا أو ممكنا أو واجبا أو ممتنعا، وكذلك إذا قلت: كل واحد من الزنج أسود، فإنه يجب أن يكون المجموع سودا؛ لأن اقتران الموجود بالموجود لا يخرجه عن كونه موجودا، واقتران المعدوم بالمعدوم لا يخرجه عن العدم (7) ، واقتران الممكن لذاته والممتنع لذاته بنظيره لا يخرجه عن كونه ممكنا لذاته وممتنعا لذاته.
بخلاف ما لا يكون ممتنعا لذاته (8) إلا إذا انفرد وهو بالاقتران يصير
_________
(1) ن، م، ا: أو بيت، وهو خطأ. وفي اللسان: النش: وزن نواة من ذهب. وقيل هو وزن عشرين درهما.
(2) ن، م، ا: أو إنسان، وهو خطأ. وفي اللسان: الإستار أيضا وزن أربعة مثاقيل ونصف، والجمع: الأساتير.
(3) عبارة " كل جزء " ساقطة من (ا) ، (ب) .
(4) ب: أن يكون من أجزائه عشر أوقية ولا نش ولا إستار؛ ا: أن يكون من أجزائه عشرة ولا قبة ولا بيتا ولا إنسانا؛ ن، م: أن يكون كل جزء من الأجزاء عشرة ولا شيئا ولا أوقية ولا إنسانا؛ وأرجو أن يكون الصواب ما أثبته.
(5) ن، م: ليس بموجود.
(6) ا، ب: إذا قلت.
(7) ن، م: عن المعدوم.
(8) لذاته: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(1/430)
ممكنا، كالعلم مع الحياة، فإنه وحده ممتنع ومع الحياة ممكن. وكذلك أحد الضدين هو وحده ممكن ومع الآخر ممتنع اجتماعهما، فالمتلازمان يمتنع انفراد أحدهما، والمتضادان يمتنع اجتماعهما.
وبهذا يتبين الفرق بين دوام الآثار الحادثة الفانية واتصالها، وبين وجود علل ومعلولات ممكنة لا نهاية لها. فإن من الناس من سوى بين القسمين في الامتناع، كما يقوله كثير من أهل الكلام، ومن الناس من توهم أن التأثير واحد في الإمكان والامتناع، ثم لم يتبين له امتناع علل ومعلولات لا تتناهى، وظن أن هذا موضع (1) مشكل لا يقوم على امتناعه حجة، وإن لم يكن قولا لأحد، كما ذكر ذلك الآمدي في " رموز الكنوز " (2) . والأبهري (3) [ومن اتبعهما] (4) .
والفرق بين النوعين حاصل، فإن الحادث المعين إذا ضم إلى الحادث المعين، حصل من الدوام والامتداد وبقاء النوع ما لم يكن حاصلا للأفراد، فإذا كان المجموع طويلا ومديدا ودائما وكثيرا وعظيما، لم يلزم أن يكون كل فرد طويلا ومديدا ودائما وكثيرا وعظيما. وأما العلل والمعلولات المتسلسلة فكل منهما ممكن، وبانضمامه إلى الآخر لا يخرج عن الإمكان، وكل منهما معدوم، وبانضمامه إلى الآخر لا يخرج
_________
(1) موضع: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(2) سبقت ترجمة الآمدي في هذا الجزء، ص 248. وانظر في ترجمته أيضا: ميزان الاعتدال 1/349؛ لسان الميزان 3/134 - 135؛ مرآة الجنان لليافعي 4؛ مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/49 brock: gal gi. 393،si، 678
(3) سبقت ترجمة الأبهري في هذا الجزء، ص 220.
(4) ومن اتبعهما: ساقطة من (ن) ، (م) .
(1/431)
عن العدم. فاجتماع المعدومات الممكنة (* لا يجعلها موجودة، بل ما فيها من الافتقار إلى الفاعل حاصل عند اجتماعها *) (1) ، (2) أعظم من حصوله عند افتراقها (3) ، وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع.
[أدلة القائلين بامتناع ما لا نهاية له من الحوادث والرد عليهم]
وعمدة من يقول بامتناع ما لا نهاية له من ال