كتاب مفتاح دار السعادة
قال ابن القيم:
الوجه السادس والسبعون ان فضيلة الشيء وشرفه يظهر تارة من عموم منفعته وتارة من شدة الحاجة اليه وعدم الاستغناء عن وتارة من ظهور النقص والشر بفقده وتارة من حصول اللذة والسرور والبهجة بوجوده لكونه محبوبا ملائما فادراكه يعقب غاية اللذة وتارة من كمال الثمرة المترتبة عليه وشرف علته الغائية وافضاله إلى اجل المطالب وهذه الوجوه ونحوها تنشأ وتظهر من متعلقة فإذا كان في نفسه كمالا وشرفا بقطع النظر عن متعلقاته جمع جهات الشرف والفضل في نفسه ومتعلقاته ومعلوم ان هذه الجهات بأسرها حاصلة للعلم فإنه أعم شيء نفعا واكثره وادومه والحاجة اليه فوق الحاجة إلى الغذاء بل فوق الحاجة إلى التنفس إذ غاية مايتصور من فقدهما فقد حياة الجسم وأما فقد العلم ففيه فقد حياة القلب والروح فلا غنى للعبد عنه طرفة عين ولهذا إذا فقد من الشخص كان شرا من الحمير بل كان شرا من الدواب عند الله ولا شيء انقص منه حينئذ وأما حصول اللذة والبهجة بوجوده فلأنه كمال في نفسه وهو ملائم غاية الملاءمة للنفوس فان الجهل مرض ونقص وهو في غاية الايذاء والايلام للنفس ومن لم يشعر بهذه الملاءمة والمنافرة فهو لفقد حسه ونفسه وما لجرح ميت إيلام فحصوله للنفس إدراك منها لغاية محبوبها واتصال به وذلك غاية لذتها وفرحتها وهذا بحسب المعلوم في نفسه ومحبة النفس له ولذتها بقربه والعلوم والمعلومات
(1/85)
متفاوته في ذلك اعظم التفاوت وابينه فليس علم النفوس بفاطرها وباريها ومبدعها ومحبته والتقرب اليه كعلمها بالطبيعة واحوالها وعوارضه وصحتها وفسادها وحركاتها وهذا بتبين بالوجه السابع والسبعين وهو ان شرف العلم تابع لشرف معلومه لوثوق النفس بأدلة وجوده وبراهينه ولشدة الحاجة
الكتاب: مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة
المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
عدد الأجزاء: 2 × 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق