الثلاثاء، 12 أبريل 2016

منهاج السنة النبوية ، قال ابن تيمية :- فصل وأما قوله عنهم إنهم يقولون إنه لا يفعل ما هو الأصلح لعباده بل ما هو الفساد لأن فعل المعاصي وأنواع الكفر وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم مسندة إليه تعالى الله عن ذلك

منهاج السنة النبوية ، قال ابن تيمية :-
 فصل
وأما قوله عنهم إنهم يقولون إنه لا يفعل ما هو الأصلح
لعباده بل ما هو الفساد لأن فعل المعاصي وأنواع الكفر وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم مسندة إليه تعالى الله عن ذلك
يقال هذا الكلام وإن قاله طائفة من متكلمي أهل الإثبات فهو قول طائفة من متكلمي الشيعة أيضا وأئمة أهل السنة وجمهورهم لا يقولون ما ذكر بل الذي يقولونه إن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وإنه لا يخرج عن ملكه وخلقه وقدرته شيء وقد دخل في ذلك جميع أفعال الحيوان فهو خالق لعبادات الملائكة والمؤمنين وسائر حركات العباد
والقدرية ينفون عن ملكه خيار ما في ملكه وهو طاعة الملائكة والأنبياء والمؤمنين فيقولون لم يخلقها الله تعالى ولا يقدر على أن يستعمل العبد فيها ولا يلهمه إياها ولا يقدر أن يجعل من لم يفعلها فاعلا لها
وقد قال الخليل عليه السلام ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك سورة البقرة 128 فطلب من الله أن يجعله مسلما لله ومن ذريته أمة مسلمة له وهو صريح في أن الله تعالى يجعل الفاعل فاعلا وقال رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي سورة إبراهيم 40 فقد طلب من الله تعالى أن يجعله مقيم الصلاة فعلم


--

 منهاج السنة النبوية    [ جزء 1 - صفحة 462 ]  


أن الله هو الذي يجعل المصلي مصليا وقد أخبر عن الجلود والجوارح إخبار مصدق لها أنها قالت أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء سورة فصلت 21 فعلم أنه ينطق جميع الناطقين
وأما كونه لا يفعل ما هو الأصلح لعباده أو لا يراعي مصالح العباد فهذا مما اختلف فيه الناس
فذهبت طائفة من المثبتين للقدر إلى ذلك وقالوا خلقه وأمره متعلق بمحض المشيئة لا يتوقف على مصلحة وهذا قول الجهم
وذهب جمهور العلماء إلى أنه إنما أمر العباد بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم وأن فعل المأمور به مصلحة عامة لمن فعله وأن إرساله الرسل مصلحة عامة وإن كان فيه ضرر على بعض الناس لمعصيته فإن الله كتب في كتاب فهو عنده موضوع فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي وفي رواية إن رحمتي سبقت عضبي أخرجاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم


--

 منهاج السنة النبوية    [ جزء 1 - صفحة 463 ]  


فهم يقولون فعل المأمور به وترك المنهى عنه مصلحة لكل فاعل وتارك وأما نفس الأمر وإرسال الرسل فمصلحة عامة للعباد وإن تضمن شرا لبعضهم وهكذا سائر ما يقدره الله تغلب فيه المصلحة والرحمة والمنفعة وإن كان في ضمن ذلك ضرر لبعض الناس فلله في ذلك حكمة أخرى
وهذا قول أكثر الفقهاء وأهل الحديث والتصوف وطوائف من أهل الكلام غير المعتزلة مثل الكرامية وغيرهم وهؤلاء يقولون وإن كان في بعض ما يخلقه ما فيه ضرر لبعض الناس أو هو سبب ضرر كالذنوب فلا بد في كل ذلك من حكمة ومصلحة لأجلها خلقها الله وقد غلبت رحمته غضبه وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع
وهو لم يذكر إلا مجرد حكاية الأقوال فبينا ما في ذلك النقل من الصواب والخطأ فإن هذا الذي نقله ليس من كلام شيوخه الرافضة بل هو من كلام المعتزلة كأصحاب أبي علي وأبي هاشم وأبي الحسين البصري وغيرهم
وهؤلاء ذكروا ذلك ردا على الأشعرية خصوصا فإن الأشعرية وبعض المثبتين للقدر وافقوا الجهم بن صفوان في أصل قوله في الجبر وإن نازعوه في بعض ذلك نزاعا لفظيا أتوا بما لا يعقل لكن لا يوافقونه


--

 منهاج السنة النبوية    [ جزء 1 - صفحة 464 ]  


على قوله في نفي الصفات بل يثبتون الصفات فلهذا بالغوا في مخالفة المعتزلة في مسائل القدر حتى نسبوا إلى الجبر وأنكروا الطبائع والقوى التي في الحيوان أن يكون لها تأثير أو سبب في الحوادث أو يقال فعل بها وأنكروا أن يكون للمخلوقات حكمة وعلة
ولهذا قيل إنهم أنكروا أن يكون الله يفعل لجلب منفعة لعباده أو دفع مضرة وهم لا يقولون إنه لا يفعل مصلحة ما فإن هذا مكابرة بل يقولون إن ذلك ليس بواجب عليه وليس بلازم وقوعه منه ويقولون إنه لا يفعل شيئا لأجل شيء ولا بشيء وإنما اقترن هذا بهذا لإرادته لكليهما فهو يفعل أحدهما مع صاحبه لا به ولا لأجله والاقتران بينهما مما جرت به عادته لا لكون أحدهما سببا للآخر ولا حكمة له ويقولون إنه ليس في القرآن في خلقه وأمره لام تعليل


--

 منهاج السنة النبوية    [ جزء 1 - صفحة 465 ]  


وقد وافقهم على ذلك طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم مع أن أكثر الفقهاء الذين يوافقونهم على هذا في كتب الكلام يقولون بضد ذلك في مسائل الفقه والتفسير والحديث وأدلة الفقه وكلامهم في أصول الفقه تارة يوافق هؤلاء وتارة يوافق هؤلاء
لكن جمهور أهل السنة من هؤلاء الطوائف وغيرهم يثبتون القدر ويثبتون الحكمة إيضا والرحمة وأن لفعله غاية محبوبة وعاقبة محمودة وهذه مسألة عظيمة جدا قد بسطت في غير هذا الموضع
ففي الجملة لم تثبت المعتزلة والشيعة نوعا من الحكمة والرحمة إلا وقد أثبت أئمة أهل السنة ما هو أكمل من ذلك وأجل منه مع إثباتهم قدرة الله التامة ومشيئته النافذة وخلقه العام
هؤلاء لا يثبتون هذا ومتكلموا الشيعة المتقدمون كالهشامين وغيرهما كانوا يثبتون القدر كما يثبته غيرهم وكذلك الزيدية منهم من يثبته ومنهم من ينفيه فالشيعة في القدر على قولين كما أن المثبتين لخلافة الخلفاء الثلاثة في القدر على قولين
فلا يوجد لأهل السنة قول ضعيف إلا وفي الشيعة من يقوله ويقول


--

 منهاج السنة النبوية    [ جزء 1 - صفحة 466 ]  


ما هو أضعف منه ولا يوجد للشيعة قول قوي إلا وفي أهل السنة من يقوله ويقول ما هو أقوى منه ولا يتصور أن يوجد للشيعة قول قوي لم يقله أحد من أهل السنة فثبت أن أهل السنة أولى بكل خير منهم كما أن المسلمين أولى بكل خير من اليهود والنصارى
فصل
وأما قوله إنهم يقولون
إن المطيع لا يستحق ثوابا والعاصي لا يس






 
الكتاب: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)
المحقق: محمد رشاد سالم
الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1986 م
عدد المجلدات: 9
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بحواشي المحقق]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق