الاثنين، 31 مارس 2014

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهاده:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهاده:
عن علقمة، قال: سألت عائشة أكان: رسول الله. صلى الله عليه وسلم يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة وأيكم يطيق ماكان رسول لله. صلى الله عليه وسلم يطيق؟ أخرجاه في الصحيحين3.
وعن كريب أن ابن عباس أخبره أنه بات عند خالته ميمونة زوج النبي. صلى الله عليه وسلم قال: فاضطجعت في عرض الوسادة: واضطجع رسول الله. صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله. صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعد بقليل، استيقظ رسول الله. صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير حديث 2902. باب 80. المجن ومن يترس بترس صاحبه.
2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3553. باب 23. صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الصوم حديث 1987. باب 64. هل يخص شيئا من الأيام؟ والترمذي 2856. وقال: هذا حديث حسن صحييح.
(1/74)

وجهه بيده ثم قرأ العشر الأيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله. صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح. أخرجاه في الصحيحين1.
وعن عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله. صلى الله عليه وسلم من التطوع. فقالت: كان يصلي قبل الظهر أربعا في بيتي، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي بهم العشاء ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا جالسا، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر. انفرد بإخراجه مسلم2.
وقد اختلفت الرواية في عدد الركعات اللواتي كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يصليهن بالليل، فقال الترمذي: أقل ما روي عنه تسع ركعات وأكثره ثلاث عشرة مع الوتر. وقد روي عنه إحدى عشرة ركعة.
قلت: وقد روى البخاري من حديث مسروق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله. صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة، سوى ركعتي الفجر3. وهذا غير ما قال الترمذي.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الدعوات حديث 6316. باب 10. الدعاء إذا انتبه من الليل ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها حديث 763. باب 26. صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل.
2 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها حديث 730. باب 15. فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدها وبيان عددها وأبو داود في كتاب الصلاة حديث 1251. باب تفريغ أبواب التطوع وركعات السنة والترمذي في كتاب الصلاة حديث 436. باب ما جاء في الركعتين بعد العشاء وقال: حديث عبد الله بن شقيق عن عائشة حديث حسن صحيح.
3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب التهجد حديث 1139. باب 10. كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل؟.
(1/75)

وعن حميد، قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن صلاة رسول الله. صلى الله عليه وسلم من الليل، فقال: ما كنا نشاء من الليل أن نراه مصليا إلا رأيناه، وما كنا نشاء أن نراه نائما إلا رأيناه وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر شيئا أخرجاه في الصحيحين.
وعن عبد الله، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء. قلنا: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه أخرجاه في الصحيحين.
وعن حذيفة، قال: صليت مع النبي. صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة. قال: ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبا من قيامه. انفرد بإخراجه مسلم1.
وسورة النساء في هذا الحديث مقدمة على آل عمران وكذلك هي في مصحف ابن مسعود.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه. قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: يا عائشة، أفلا أكون عبدا شكورا؟ أخرجاه في الصحيحين2.
ذكر عيشه وفقره صلى الله عليه وسلم:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ص






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

الأحد، 30 مارس 2014

كتاب الشرح الممتع، ابن عثيمين : .(مسألة): إذا اضطرت الحائض إلى الطواف.

كتاب الشرح الممتع،
ابن عثيمين :
 .(مسألة): إذا اضطرت الحائض إلى الطواف.
على القول بأن الطهارة من الحيض شرط فإنها لا تطوف؛ لأنها لو طافت لم يصح طوافها؛ لأنه شرط للصحة.
وإن قلنا: لا تطوف لتحريم المقام عليها في المسجد الحرام، فإنها إذا اضطرت جاز لها المكث، وإذا جاز المكث جاز الطواف.
ولهذا اختلف العلماء في امرأة حاضت ولم تطف للإفاضة، وكانت في قافلة ولن ينتظروها(1)، فهذه القوافل التي لا يمكن أن تنتظر ولا يمكن للمرأة أن ترجع إذا سافرت؛ كما لو كانت في أقصى الهند أو أمريكا، فحينئذ إما أن يقال: تكون محصرة فتتحلل بدم، ولا يتم حجها؛ لأنها لم تطف. وهذا فيه صعوبة لأنها حينئذ لم تؤد الفريضة.
أو يقال: تذهب إلى بلدها وهي لم تتحلل التحلل الثاني، فلا يحل لها أن تتزوج ولا يحل لمزوجة أن يقربها زوجها، وإن مات عنها أو طلقها لا يحل لها أن تتزوج، لأنها ما زالت في إحرام، وهذا فيه مشقة عظيمة.
أو يقال: تبقى في مكة وهذا غير ممكن.
أو يقال: تطوف للضرورة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ (1)، وهو الصواب، لكن يجب عليها أن تتحفظ حتى لا ينزل الدم إلى المسجد فيلوثه. 
بـاب الغسل
أي: باب ما يوجبه، وصفته، فالباب جام








المصدر :
كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع
للعلامة محمد بن صالح العثيمين 
عدد المجلدات : ٧

كتاب الشرح الممتع، قال ابن عثيمين : قوله: "ويحرم على المحدث مس المصحف".

كتاب الشرح الممتع،
قال ابن عثيمين :

قوله: "ويحرم على المحدث مس المصحف". المصحف: ما كتب فيه القرآن سواء كان كاملا، أم غير كامل، حتى ولو آية واحدة كتبت في ورقة ولم يكن معها غيرها؛ فحكمها حكم المصحف.
وكذا اللوح له حكم المصحف؛ إلا أن الفقهاء استثنوا بعض الحالات.
وقوله :"المحدث" أي: حدثا أصغر أو أكبر؛ لأن "أل" في المحدث اسم موصول فتشمل الأصغر والأكبر.
والحدث:وصف قائم بالبدن يمنع من فعل الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة.
والدليل على ذلك:
1ـ قوله تعالى: إنه لقرآن كريم ( 77 ) في كتاب مكنون ( 78 ) لا يمسه إلا المطهرون ( 79 ) تنزيل من رب العالمين ( 80 ) {الواقعة: 77 - 80}
وجه الدلالة: أن الضمير في قوله: "لا يمسه" يعود على القرآن، لأن الآيات سيقت للتحدث عنه بدليل قوله: تنزيل من رب العالمين {الواقعة: 80} والمنزل هو هذا القرآن، والمطهر: هو الذي أتى بالوضوء والغسل من الجنابة، بدليل قوله: ولكن يريد ليطهركم {المائدة: 6}(1).
فإن قيل: يرد على هذا الاستدلال: أن "لا" في قوله: "لا يمسه" نافية، وليست ناهية، لأنه قال:"لا يمسه" ولم يقل:"لا يمسه"؟.
قيل: إنه قد يأتي الخبر بمعنى الطلب، بل إن الخبر المـراد بــه الطلب أقوى من الطلب المجرد، لأنه يصور الشيء كأنه مفروغ منه، ومنه قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا {البقرة: 234} فقـــولـه "يتربصن" خبر بمعنــى الأمـر. وفي الـســنة: "لا يبيـع الرجــل على بيـع أخيه"(2) بلفـظـ الخبـــر، والمـــراد النـهـي.
2ـ ما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه: "... ألا يمس القرآن إلا طاهر..."(1).
والطاهر: هو المتطهر طهارة حسية من الحدث بالوضوء أو الغسل، لأن المؤمن طهارته معنوية كاملة، والمصحف لا يمسه غالبا إلا المؤمنون، فلما قال: "إلا طاهر" علم أنها طهارة غير الطهارة المعنوية، بل المراد الطهارة من الحدث ويدل لهذا قوله تعالى: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم {المائدة: 6} أي طهارة حسية؛ لأنه قال ذلك في آية الوضوء والغسل.
3ـ من النظر الصحيح: أنه ليس في الوجود كلام أشرف من كلام الله، فإذا أوجب الله الطهارة للطواف في بيته، فالطهارة لتلاوة كتابه الذي تكلم به من باب أولى، لأننا ننطق بكلام الله خارجا من أفواهنا، فمماستنا لهذا الكلام الذي هو أشرف من البناء يقتضي أن نكون طاهرين؛ كما أن طوافنا حول الكعبة يقتضي أن نكون طاهرين، فتعظيما واحتراما لكتاب الله يجب أن نكون على طهارة. 
وهذا قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة(1) .
وقال داود الظاهري وبعض أهل العلم: لا يحرم على المحدث أن يمس المصحف(2).
واستدلوا: بأن الأصل براءة الذمة، فلا نؤثم عباد الله بفعل شيء لم يثبت به النص.
وأجابوا عن أدلة الجمهور:
أما الآية فلا دلالة فيها، لأن الضمير في قوله: "لا يمسه" يعود إلى "الكتاب المكنون"، والكتاب المكنون يحتمل أن المراد به اللوح المحفوظ، ويحتمل أن المراد به الكتب التي بأيدي الملائكة. فإن الله تعالى قال: كلا إنها تذكرة ( 11 ) فمن شاء ذكره ( 12 ) في صحف مكرمة ( 13 ) مرفوعة مطهرة ( 14 ) بأيدي سفرة ( 15 ) كرام بررة {عبس: 11 - 16} وهذه الآية تفسير لآية الواقعة فقوله: في صحف مكرمة كقوله: في كتاب مكنون {الواقعة: 78}
وقوله: بأيدي سفرة كقوله: لا يمسه إلا المطهرون{الواقعة: 79}.
والقرآن يفسر بعضه بعضا،ولو كان المراد ما ذكر الجمهور لقال: "لا يمسه إلا المطهرون" بتشديد الطاء المفتوحة وكسر الهاء المشددة يعني: المتطهرين، وفرق بين "المطهر" اسم مفعول، وبين "المتطهر" اسم فاعل، كما قال الله تعالى : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين 222 {البقرة: 222} .
وقولهم: إن الخبر يأتي بمعنى الطلب، هذا صحيح لكن لا يحمل الخبر على الطلب إلا بقرينة، ولا قرينة هنا، فيجب أن يبقى الكلام على ظاهره، وتكون الجملة خبرية، ويكون هذا مؤيدا لما ذكرناه من أن المراد بـ "المطهرون"، الملائكة كما دلت على ذلك الآيات في سورة "عبس" .
وأما قوله: تنزيل من رب العالمين {الواقعة: 80} فهو عائد على القرآن، لأن الكلام فيه، ولا مانع من تداخل الضمائر، وعود بعضها إلى غير المتحدث عنه، ما دامت القرينة موجودة.
ثم على احتمال تساوي الأمرين فالقاعدة عند العلماء أنه إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال. فيسقط الاستدلال بهذه الآية، فنرجع إلى براءة الذمة.
وأما بالنسبة لحديث عمرو بن حزم: فهو ضعيف، لأنه مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف، والضعيف لا يحتج به في إثبات الأحكام؛ فضلا عن إثبات حكم يلحق بالمسلمين المشقة العظيمة في تكليف عباد الله ألا يقرؤوا كتابه إلا وهم طاهرون، وخاصة في أيام البرد.
وإذا فرضنا صحته بناء على شهرته فإن كلمة "طاهر" تحتمل أن يكون طاهر القلب من الشرك، أو طاهر البدن من النجاسة، أو طاهرا من الحدث الأصغر؛ أو الأكبر، فهذه أربعة احتمالات، والدليل إذا احتمل احتمالين بطل الاستدلال به، فكيف إذا احتمل أربعة؟
وكذا فإن الطاهر يطلق على المؤمن لقوله تعالى: إنما المشركون نجس {التوبة: 28} وهذا فيه إثبات النجاسة للمشرك.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن لا ينجس"(1) وهذا فيه نفي النجاسة عن المؤمن، ونفي النقيض يستلزم ثبوت نقيضه، لأنه ليس هناك إلا طهارة أو نجاسة، فلا دلالة فـيه علـى أن مـس المصحف لا يكون إلا من متوضيء.
وأما بالنسبة للنظر: فنحن لا نقر بالقيـاس أصلا، لأن الظاهــرية لا يقولون به.
وعندي: أن ردهم للاستدلال بالآية واضح، وأنا أوافقهم على ذلك.
وأما حديث عمرو بن حزم فالسند ضعيف كما قالوا(1) ، لكن من حيث قبول الناس له، واستنادهم عليه فيما جاء فيه من أحكام الزكاة والديات وغيرها، وتلقيهم له بالقبول يدل على أن له أصلا، وكثيرا ما يكون قبول الناس للحديث سواء كان في الأمور العلمية أو العملية قائما مقام السند، أو أكثر، والحديث يستدل به من زمن التابعين إلى وقتنا هذا، فكيف نقول: لا أصل له؟ هذا بعيد جدا.
وكنت في هذه المسألة أميل إلى قول الظاهرية، لكن لـما تأملت قوله صلى الله عليه وسلم "لا يمس القرآن إلا طاهر" والطاهر يطلق على الطاهر من الحدث الأصغر والأكبر لقوله تعالى: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم {المائدة: 6} ولم يكن من عادة النبي  صلى الله عليه وسلم أن يعبر عن المؤمن بالطاهر؛ لأن وصفه بالإيمان أبلغ، تبين لي أنه لا يجوز أن يمس القرآن من كان محدثا حدثا أصغر، أو أكبر، والذي أركن إليه حديث عمرو بن حزم، والقياس الذي استدل به على رأي الجمهور فيه ضعف، ولا يقوى للاستدلال به، وإنما العمدة على حديث عمرو بن حزم.
وقد يقول قائل: إن كتاب عمرو بن حزم كتب إلى أهل اليمن، ولم يكونوا مسلمين في ذلك الوقت، فكونه لغير المسلمين يكون قرينة أن المراد بالطاهر هو المؤمن.
وجوابه: أن التعبير الكثير من قوله صلى الله عليه وسلم أن يعلق الشيء بالإيمان، وما الذي يمنعه من أن يقول: لا يمس القرآن إلا مؤمن، مع أن هذا واضح بين.
فالذي تقرر عندي أخيرا: أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء.
(مسألة) هل المحرم مس القرآن، أو مس المصحف الذي فيه القرآن؟ فيه وجه للشافعية: أن المحرم مس نفس الحروف دون الهوامش(1)، لأن الهوامش ورق، قال تعالى: بل هو قرآن مجيد 21 في لوح محفوظ {البروج: 21، 22} والظرف غير المظروف.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر"(2).
وقال الحنابلة: يحرم مس القرآن وما كتب فيـه؛ إلا أنـه يجـوز للصغير أن يمس لوحا فيه قرآن بشــرط ألا تقع يده علــى الحروف(1).
وهذا هو الأحوط؛ لأنه يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا.
(مسألة) هل يشمل هذا الحكم من دون البلوغ.
قال بعض العلماء: لا يشمل الصغار لأنهم غير مكلفين(2)، وإذا كانوا غير مكلفين فكيف نلزمهم بشيء لا يتعلق به كفر، ولا ما دون الكفر؛ إلا أنه معصية للكبير، وهؤلاء ليسوا من أهل المعاصي لرفع القلم عنهم. 
وهل يلزم وليه أن يأمره بذلك، أو لا يلزمه؟
الصحيح عند الشافعية: أنه لايلزمه الوضوء، ولا يلزم وليه أن يلزمه به(3)؛ لأنه غير مكلف. 
ولأن إلزام وليه به فيه مشقة وهو غير واجب عليه، وإذا كان فيه مشقة في أمر لا يجب على الصغير، فإنه لا يلزمه به وليه.
والمشهور عند الحنابلة: أنه لا يجوز للصغير أن يمس القرآن بلا وضوء، وعلى وليه أن يلزمه به كما يلزمه بالوضوء للصلاة(1)، لأنه فعل تشترط لحله الطهارة، فلا بد من إلزام وليه به.
واستثنوا "اللوح"، فيجوز للصغير أن يمسه ما لم تقع يده على الحروف(1). وعلل بعضهم ذلك بالمشقة(2)، وعلل آخرون بأن هذه الكتابة ليست كالتي في المصحف(2)، لأن التي في المصحف تكتب للثبوت والاستمرار، أما هذه فلا.
ولو كتبت قرآنا معكوسا ووضعته أمام المرآة، فإنه يكون قرآنا غير معكوس، ولا يحرم مس المرآة، لأن القرآن لم يكتب فيها.
وظاهر كلام الفقهاء رحمهم الله: أنه لا يجوز مس "السبورة"(3) الثابتة بلا وضوء إذا كتبت فيها آية، لكن يجوز أن تكتب القرآن بلا وضوء ما لم تمسها. وقد يقال: إن هذا الظاهر غير مراد؛ لأنه يفرق بين المصحف أو اللوح وبين السبورة الثابتة، بأن المصحف أو اللوح ينقل ويحمل فيكون تابعا للقرآن بخلاف السبورة الثابتة.
وأما كتب التفسير فيجوز مسها؛ لأنها تعتبر تفسيرا، والآيات التي فيها أقل من التفسير الذي فيها.
ويستدل لهذا بكتابة النبي صلى الله عليه وسلم الكتب للكفار، وفيها آيات من القرآن(1)، فدل هذا على أن الحكم للأغلب والأكثر.
أما إذا تساوى التفسير والقرآن، فإنه إذا اجتمع مبيح وحاظر ولم يتميز أحدهما برجحان، فإنه يغلب جانب الحظر فيعطى الحكم للقرآن.
وإن كان التفسير أكثر ولو بقليل أعطي حكم التفسير.
قوله: "والصلاة". أي: تحرم الصلاة على المحدث، وذلك بالنص من الكتاب والسنة والإجماع.
أولا: الكتاب:
قال الله تعالى: يا أيها الذيــن آمنوا إذا قمتم إلى الصـــلاة فاغســلوا وجوهكم {المائدة: 6} ثم علل ذلك بأن المقـصود التطهر لهذه الصلاة.
وعلى هذا فالطهارة شرط لصحة الصلاة وجوازها، فلا يحل لأحد أن يصلي وهو محدث، سواء كان حدثا أصغر أو أكبر.
فإن صلى وهو محدث، فإن كان هذا استهزاء منه؛ فهو كافر لاستهزائه. وإن كان متهاونا فقد اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في تكفيره.
فمذهب أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ : أنه يكفر(1)، لأن من صلى وهو محدث مع علمه بإيجاب الله الوضوء فهذا كالمستهزيء، والاستهزاء كفر كما قال الله تعالى: قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون 65 لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم {التوبة: 65، 66}. 
ومذهب الأئمة الثلاثة: أنه لا يكفر(2)، لأن هذه معصية، ولا يلزم من تركه أن يكون مستهزئا.
ولهذا قلنا: إن صلى بلا وضوء استهزاء فإنه كافر، وإلا فلا. وهذا أقرب، لأن الأصل بقاء الإسلام، ولا يمكن أن نخرجه منه إلا بدليل. 
ثانيا: السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله صلاة بغير طهور"(1) وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لا صلاة بغير طهور"(2) وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"(3).
ثالثا :الإجماع :
فقد أجمع المسلمون أنه يحرم على المحدث أن يصلي بلا طهارة.
والصلاة هي التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، سواء كانت ذات ركوع وسجود أم لا.
فالفرائض الخمس صلاة، والجمعة، والعيدان، والاستسقاء، والكسوف، والجنازة صلاة، لأن الجنازة مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، فينطبق عليها التعريف الشرعي، فتكون داخلة في مسمى الصلاة.
وقال بعض العلماء: إن الصلاة هي التي فيها ركوع وسجود(1).
وقال آخرون: إن الصلاة هي التي تكون ركعتين فأكثر، إلا الوتر فهو صلاة، ولو ركعة(1).
والأول هو الأصح.
وبناء على هذا التعريف ننظر في سجدتي التلاوة والشكر هل يكونان صلاة؟
فالمشهور من المذهب أنهما صلاة تفتتح بالتكبير، وتختتم بالتسليم، ولهذا يشرع عندهم أن يكبر إذا سجد وإذا رفع، ويسلم. وبناء على هذا يحرم على المحدث أن يسجد للتلاوة أو الشكر وهو غير طاهر. فالخلاف في اشتراط الطهارة لهما مبني على أن سجدتي التلاوة والشكر هل هما صلاة أم لا؟ فإن قلنا: إنهما صلاة وجب لهما الطهارة ، وإن قلنا: إنهما غير صلاة لم تجب لهما الطهارة . 
والمتأمل للسنة يدرك أنهما ليسا بصلاة لما يلي:
1ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسجد للتلاوة، ولم ينقل عنه أنه كان يكبر إذا سجد أو رفع، ولا يسلم، إلا في حديث رواه أبو داود في التكبير للسجود دون الرفع منه، ودون التسليم(1).
2ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم، وسجد معه المسلمون والمشركون، والمشرك لا تصح منه صلاة، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك(2).
وهذا قد يعارض فيه، فيقال: إن سجود المشركين في ذلك الوقت كان قبل فرض الوضوء، لأن فرض الوضوء لم يكن إلا مع فرض الصلاة، والصلاة لم تفرض إلا متأخرة قبل الهجرة بسنة، أو بثلاث سنوات، وما دام الاحتمال قائما فالاستدلال فيه نظر.
والمتأمل لسجود النبي صلى الله عليه وسلم للشكر، أو التلاوة يظهر له أنه لا يكبر، وعليه لا تكون سجدة التلاوة والشكر من الصلاة، وحينئذ لا يحرم على من كان محدثا أن يسجد للتلاوة أو الشكر وهو على غير طهارة، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله(1). 
وصح عن عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يسجد للتلاوة بلا وضوء(2).
ولا ريب أن الأفضل أن يتوضأ، ولاسيما أن القاريء سوف يتلو القرآن، وتلاوة القرآن يشرع لها الوضوء، لأنها من ذكر الله، وكل ذكر و يشرع له الوضوء.
أما اشتراط الطهارة لسجود الشكر فضعيف، لأن سببه تجدد النعم، أو تجدد اندفاع النقم، وهذا قد يقع للإنسان وهو محدث.
فإن قلنا: لا تسجد حتى تتوضأ؛ فربما يطول الفصل، والحكم المعلق بسبب إذا تأخر عن سببه سقط، وحينئذ إما أن يقال: اسجد على غير وضوء، أو لا تسجد، لأنه قد لا يجد الإنسان ماء يتوضأ منه سريعا ثم يسجد.
أما سجود التلاوة فينبغي ألا يسجد الإنسان إلا وهو على طهارة كما أنه ينبغي أن يقرأ على طهارة.
قوله: "والطواف" أي: يحرم على المحدث الطواف بالبيت، سواء كان هذا الطواف نسكا في حج، أو عمرة أو تطوعا، كما لو طاف في سائر الأيام.
والدليل على ذلك:
1ـ أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حين أراد الطواف توضأ ثم طاف(1).
2ـ حديث صفية لما قيل له: إن صفية قد حاضت، وظن أنها لم تطف للإفاضة فقال: "أحابستنا هي؟"(2).
والحائض معلوم أنها غير طاهر.
3ـ حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت"(1).
4ـ قوله صلى الله عليه وسلم: "الطواف بالبيت صلاة؛ إلا أن الله أباح فيه الكلام؛ فلا تكلموا فيه إلا بخير"(2).
5ـ استدل بعضهم بقوله تعالى وعهدنا إلى" إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود {البقرة: 125} 
وجه الدلالة: أنه إذا وجب تطهير مكان الطائف، فتطهير بدنه أولى، وهذا قول جمهور العلماء(3).
وقال بعض العلماء: إن الطواف لا تشترط له الطهارة، ولا يحرم على المحدث أن يطوف، وإنما الطهارة فيه أكمل(1).
واستدلوا: بأن الأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل على تحريم هذا الفعل إلا بهذا الشرط، ولا دليل على ذلك، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم يوما من الدهر: لا يقبل الله طوافا بغير طهور، أو: لا تطوفوا حتى تطهروا. وإذا كان كذلك فلا نلزم الناس بأمر لم يكن لنا فيه دليل بين على إلزامهم، ولاسيما في الأحوال الحرجة كما لو انتقض الوضوء في الزحمة الشديدة في أيام الموسم، فيلزمه على هذا القول إعادة الوضوء، والطواف من جديد.
وأجابوا عن أدلة الجمهور:
أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد لا يدل على الوجوب، بل يدل على أنه الأفضل، ولا نزاع في أن الطواف على طهارة أفضل؛ وإنما النزاع في كون الطهارة شرطا لصحة الطواف.
وأما حديث عائشة: "افعلي ما يفعل الحاج... " إلى آخره، وقوله صلى الله عليه وسلم في صفية: "أحابستنا هي؟". فالحائض إنما منعت من الطواف بالبيت، لأن الحيض سبب لمنعها من المكث في المسجد، والطواف مكث.
وأيضا: فالحيض حدث أكبر، فلا يستدل بهذا على أن المحدث حدثا أصغر لا يجوز له الطواف بالبيت، وأنتم توافقون على أن المحدث حدثا أصغر يجوز له المكث في المسجد، ولا يجوز للحائض أن تمكث، فمناط حكم المنع عندنا هو المكث في المسجد.
وأما حديث "الطواف بالبيت صلاة"(1) فيجاب عنه:
1ـ أنه موقوف على ابن عباس، ولا يصح رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم.
2ـ أنه منتقض، لأننا إذا أخذنا بلفظه، فإنه على القواعد الأصولية يقتضي أن جميع أحكام الصلاة تثبت للطواف إلا الكلام، لأن من القواعد الأصولية: أن الاستثناء معيار العموم. أي: إذا جاء شيء عام ثم استثنى منه، فكل الأفراد يتضمنه العموم، إلا ما استثني، وإذا نظرنا إلى الطواف وجدناه يخالف الصلاة في غالب الأحكام غير الكلام، فهو يجوز فيه الأكل، والشرب، ولا يجب فيه تكبير ولا تسليم، ولا قراءة، ولا يبطل بالفعل ونحوه، وكلامه صلى الله عليه وسلم يكون محكما لا يمكن أن ينتقض، فلما انتقض بهذه الأمور ووجدنا هذه الاستثناءات علمنا أن هذا لا يصح من قول الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا أحد الأوجه التي يستدل بها على ضعف الحديث مرفوعا، وهو أن يكون متخلخلا، لا يمكن أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما بالنسبة للآية ؛ فلا يصح الاستدلال بها، إذ يلزم منه أن المعتكف لا يصح اعتكافه إلا بطهارة، ولم يشترط أحد ذلك، إلا إن كان جنبا فيجب عليه أن يتطهر ثم يعتكف؛ لأن الجنابة تنافي المكث في المسجد.
ولا شك أن الأفضل أن يطوف بطهارة بالإجماع، ولا أظن أن أحدا قال: إن الطواف بطهارة وبغير طهارة سواء، لأنه من الذكر، ،ولفعله صلى الله عليه وسلم .
(مسألة): إذا اضطرت الحائض إلى الطواف.
على القول بأن الطهارة من الحيض شرط







المصدر :
كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع
للعلامة محمد بن صالح العثيمين 
عدد المجلدات : ٧

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وحبهم إياه:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وحبهم إياه:
عن أنس، قال: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وقد أطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل: انفرد بإخراجه مسلم5.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة حديث 7283. باب 2. الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2283. باب شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم.
2 صحيح: أخرجه أحمد في المسند حديث 14170.
3 صحيح: أخرجه البخاري في متاب الإيمان حديث 13. باب 7. من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ومسلم في كتاب الإيمان حديث 44. باب 17. الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير.
4 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الإيمان والنذور حديث 6632. باب 3. كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وسلم.
5 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الفضائل حديث 2325. باب 9. قربه صلى الله عليه وسلم من الناس وتبركهم به وتواضعهم له.
(1/73)

وعنه قال، لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة له، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا، قال: وكان الرجل، يمر معه الجعبة من النبل، فيقول: " انثرها لأبي طلحة". قال ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. رواه البخاري1.
وفي الصحيحين من حديث أبي جحيفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فخرج بلال بوضوئه، فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئا تمسح به ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس فجعلوا يأخذون يده ويمسحون بها وجوههم، فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من ريح المسك2.
وعن أنس، قال: لما كان يوم أحد حاص الناس حيصة وقالوا: قتل محمد، حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة. قال: فخرجت امرأة من الأنصار فاستقبلت بأخيها وأبيها وزوجها وابنها، لا ادري بأيهم استقبلت أولا، فلما مرت على آخرهم قالت: من هذا؟ قالوا: هذا أخوك وأبوك وزوجك وابنك. قالت: فما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: أمامك، حتى ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب.
ذكر عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهاده:
عن علقمة، قال: سألت عائشة أكان: رسول الله. صلى الله عليه وسلم ي






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

الجمعة، 28 مارس 2014

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر وجوب تقديم محبته على النفس والولد والوالد:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
 ذكر وجوب تقديم محبته على النفس والولد والوالد:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين" أخرجاه في الصحيحين3.
وعن عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي. صلى الله عليه وسلم وهو أخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لانت أحب إلي مكل شيء الا نفسي فقال: " لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب اليك من نفسك" فقال له عمر فانه الان والله لانت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الان ياعمر" رواه البخاري منفردا4.
ذكر تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وحبهم إياه:
عن أنس، قال: لقد رأيت النبي صلى الله ع






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر مشي الملائكة من ورائه صلى الله عليه وسلم:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر مشي الملائكة من ورائه صلى الله عليه وسلم:
عن جابر قال كان أصحاب النبي. صلى الله عليه وسلم يمشون أمامه إذا خرج ويدعون ظهره للملائكة رواه الامام أحمد2.
ذكر وجوب تقديم محبته على النفس والولد والوالد:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ص






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر شجاعته صلى الله عليه وسلم:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
 ذكر شجاعته صلى الله عليه وسلم:
عن أنس قال كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم احسن الناس وكان اجود الناس وكان اشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لابي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لم تراعوالم تراعوا قال وجدناه بحرا أوانه لبحر3 أخرجاه في الصحيحين.
وعن ابي اسحاق قال سألت البراء وساله رجل فقال فررتم عن رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال البراء ولكن رسول الله. صلى الله عليه وسلم لم يفر كانت هوازن ناسا رماة وانا لما حملنا عليهم انكشفوا فاكببناعلى الغنائم فاستقبلونا بالسهام ولقد رأيت رسول الله. صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وان أبا سفيان بن الحارث أخذ بلجامها وهو يقول:
"أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب" 4
أخرجاه في الصحيحين.
ذكر فضلة على الأنبياء وعلو قدره صلى الله عليه وسلم:
عن جابر بن عبد ال





الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

الخميس، 27 مارس 2014

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر مثله ومثل ما بعثه الله به صلى الله عليه وسلم:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر مثله ومثل ما بعثه الله به صلى الله عليه وسلم:

عن أبي موسى عن النبي. صلى الله عليه وسلم قال إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال يا قوم اني رأيت الجيش بعيني واني أنا النذير العريان فالنجاء فاطاعه طائفة من قومه فادلجوا فانطلقوا على مهلتهم وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق أخرجاه في الصحيحين1.
ذكر مشي الملائكة من ورائه صلى الله عليه وسلم:
عن جابر قال كان أصحاب النبي. صلى الله عليه وسلم يمشون أمام






الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

كتاب صفة الصفوة : قال ابن الجوزي : ذكر كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم:

كتاب صفة الصفوة :
قال ابن الجوزي :
ذكر كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس قال كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم اجود الناس وكان اجود ما يكون في
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري في مختصر الشمائل رقم 204. وصححه العلامة الألباني رحمه الله في مختصر الشمائل 204. والطبراني في المعجم الكبير حديث 5310. وابن حبان في صحيحه 2276.
2 صحيح: أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد حديث 2578. باب في السبق على الرجل والتبريزي في مشكاة المصابيح 3251. وانظر موارد الظمآن 1310.
3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الأدب حديث 6129. باب 18. الانبساط إلى الناس ومسلم في كتاب الأدب حديث 2150. باب 5. جواز تكنية من لم يولد له وتكنية الصغير.
(1/69)

رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله. صلى الله عليه وسلم اجود بالخير من الريح المرسلة1 أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس ان رسول الله. صلى الله عليه وسلم لم يكن يسال شيئا على الإسلام الا اعطاه قال فأتاه رجل فساله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة قال فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة2 انفرد باخراجه مسلم.
ذكر شجاعته صلى الله عليه وسلم:
عن أنس قال كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم 





الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

الثلاثاء، 25 مارس 2014

قال ابن الجوزي : بكتاب صفة الصفوة : ذكر مزاحه ومداعبته صلى الله عليه وسلم:


وعن أنس أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا وكان يهدي للنبي. صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية فيجهزه رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم "أن زاهرا بادينا ونحن حاضروه1". وكان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلا دميما.
فأتاه النبي. صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل فقال ارسلني من هذا فالتفت فعرف النبي. صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما الصق ظهره ببطن النبي. صلى الله عليه وسلم حين عرفه وجعل النبي. صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري العبد فقال يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لكن عند الله عز وجل لست بكاسد" أو قال: "لكن عند الله أنت غال" رواه الامام أحمد قال لنا محمد بن ابي منصور قال لنا ابو زكريا الدميم بالدال المهملة في الخلق وبالذال المعجمة في الخلق.
وعن عائشة قالت خرجت مع النبي. صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم احمل اللحم ولم أبدن فقال للناس تقدموا ثم قال لي: "تعالي حتى أسابقك" فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت نسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا ثم قال لي: "تعالي حتى أسابقك" فسابقته فسبقني فجعل يضحك ويقول "هذه بتلك" 2 رواه الامام أحمد.
وعن أنس ان النبي. صلى الله عليه وسلم دخل على ام سليم فرأى أبا عمير حزينا فقا يا ام سليم مابال عمير حزينا قالت يا رسول الله مات نغيره فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: "يا أبا عمير ما فعل النغير" 3 "أخرجاه في الصحيحين.
ذكر كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس قال كان رسول الله. صلى الله عليه و





الكتاب: صفة الصفوة
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
المحقق: أحمد بن علي
الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر
الطبعة: 1421هـ/2000م
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل ولما أرادوا إثبات معجزات الانبياء عليهم السلام وأن الله سبحانه لا يظهرها على يد كاذب مع تجويزهم عليه فعل كل شيء فنفوا منعا فقالوا لو جاز ذلك لزم أن لا يقدر على تصديق من ادعى النبوة

وما لزم منه نفي القدرة كان ممتنعا فهذا هو المشهور عن الأشعري وعليه اعتمد القاضي أبو بكر وابن فورك والقاضي أبو يعلى وغيرهم وهو مبني على مقدمات أحدها أن النبوة لا تثبت الا بما ذكروه من المعجزات وأن الرب لا يقدر على إعلام الخلق بأن هذا نبي إلا بهذا الطريق وأنه لا يجوز أن يعلموا ذلك ضرورة وان اعلام الخلق بان هذا نبي بهذا الطريق


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 109 ]  


ممكن فلو قيل لهم لا نسلم أن هذا ممكن على قولكم فانكم إذا جوزتم عليه فعل كل شيء وارادة كل شيء لم يكن فرق بين أن يظهرها على يد صادق أو كاذب ولم يكن ارسال رسول يصدقه بالمعجزات ممكنا على أصلكم ولم يكن لكم حجة على جواز إرسال الرسول وتصديقه بالمعجزات إذ كان لا طريق عندهم إلا خلق المعجز وهذا إنما يكون دليلا اذا علم أنه إنما خلقه لتصديق الرسول وأنتم عندكم لا يفعل شيئا لشيء ويجوز عليه فعل كل شيء وسلك طائفة منهم طريقا آخر وهي طريقة أبي المعالي وأتباعه وهو أن العلم بتصديقه لمن أظهر على يديه المعجز علم ضروري وضربوا له مثلا بالملك وهذا صحيح اذا منعت أصولهم فان هذه تعلم اذا كان المعلم بصدق رسوله ممن يفعل شيئا لحكمة فاما من لا يفعل شيئا لشيء فكيف يعلم أنه خلق هذه المعجزات لتدل على صدقه لا لشيء آخر ولم لا يجوز أن يخلقها لالشيء على أصلهم وقالوا أيضا ما ذكره الأشعري المعجز علم الصدق ودليله فيستحيل وجوده بدون الصدق فيمتنع وجوده على يد الكاذب وهذا كلام صحيح لكن كونه علم الصدق مناقض لاصولهم فانه إنما يكون علم الصادق اذا كان الرب منزها عن ان يفعله على يد الكاذب أو علم بالاضطرار أنه إنما فعله لتصديق الصادق أو أنه لا يفعله على يد كاذب وإذا علم بالاضطرار تنزهه عن بعض الأفعال بطل أصلهم
فصل والمعتزلة قبلهم ظنوا أن مجرد كون الفعل خارقا للعادة هو الآية على صدق الرسول فلا يجوز ظهور









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل وهذا الأصل دخل في جميع أبواب الدين أصضوله وفروعه في خلق الرب لما يخلقه ورزقه واعطائه ومنعه وسائر ما يفعله تبارك وتعالى

 وجهل في أمره ونهيه وجميع ما يأمر به وينهى عنه ودخل في المعاد فعندهم يجوز أن يعذب الله جميع أهل العدل والصلاح والدين والأنبياء والمرسلين بالعذاب الأبدي وأن ينعم دميع أهل الكذب والظلم والفواحش بالنعيم الأبدي لكن بمجرد الخبر عرفنا أنه لا يفعل هذا ويجوز عندهم أن يعذب من لا له ذنب أصلا بالعذاب الأبدي بل هذا واقع عند من يقول بأن أطفال الكفار يعذبون في النار مع آبائهم كلهم يجوزون تعذيبهم إذ كان عندهم يجوز تعيب كل حي العذاب المؤبد بلا ذنب ولا غلاض ولا حكمة لكن هل يقع هذا في أطفال المشركين منهم جزم بوقوعه كالقاضي أبي يعلى ومن وافقه ومنهم من توقفت لعدم الدليل السمعى عنده لا لمانع عقلي كالقاضي


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 106 ]  


أبي بكر ونحوه وليس عندهم من أفعال الرب ما ينزهونه عنه أو ما تقتضي الحكمة وجوده بل يجوز عندهم أن يفعل كل ممكن ويجوز أن لا يفعل شيئا من الخير لكن إذا أخبر أنه يفعل شيئا أو أنه لا يفعله علم أنه واقع أو غير واقع بالخبر ويجوز عندهم أن يعذب من لا ذنب له ومن هو أبر الناس وأعدلهم وأفضلهم عذابا مؤبدا لا يعذبه أحدا من العالمين ويجوز أن ينعم شر الخلق من شياطين الإنس والجن نعيما في أعلى درجات الجنة لا ينعم مثله لمخلوق لكن لما أخبر بأن المؤمنين يدخلون الجنة والكفار يدخلون النار علم ما يقع مع أنه لو وقع ضده لم يكن بينهما فرق عندهم ثم مع مجيء الخبر فكثير منهم وافقه أما في جنس الفساق مطلقا فيجوزون أن يدخل جميعهم الجنة ويجوزون أن يدخل جميعهم النار ويجوزون أن يدخل بعضهم كما يقوله من يقوله ممن وافق الشيعة والأشعرية كالقاضي أبي بكر لأن القرآن عنده لم يدل على شيء والأخبار أخبار آحاد بزعمه فلا يحتج بها في ذلك وأما جمهور المنتسبين الى السنة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم فيقطعون بان الله يعذب بعض أهل الذنوب بالنار ويعفو عن بعضهم كما قال تعالى ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فهذا فيه الإخبار بانه يغفر ما دون الشرك وأنه يغفر لمن يشاء لا لكل أحد لكن هل الجزاء والثواب والعقاب مبني على الموازنة بالحكمة والعدل كما اخبر الله بوزن الأعمال أو يغفر ويعذب بلا سبب ولا حكمة ولا اعتبار الموازنة فيه لهؤلاء قولان فمن جوز ذلك فانه يجوز عندهم أن يعذب الله من هو من أبر الناس وأكثرهم طاعات وحسنات على سيئة صغيرة عذابا أعظم من عذاب أفسق الفاسقين ويجوز عندهم أن يغفر لأفسق الفاسقين من المسلمين وأعظمهم كبائر كل ذنب ويدخله الجنة ابتداء مع تعذيبهم ذلك في النار على صغيرة ولهذا قال جمهور الناس عن هؤلاء إنهم لا ينزهون الرب على السفه والظلم بل يصفونه بالأفعال التي يوصف بها المجانين والسفهاء فان المجنون والسفيه قد يعطي مالا عظيما لمن ليس هو له بأهل وقد


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 107 ]  


يعاقب عقوبة عظيمة من هو أهل للإكرام والإحسان والرب تعالى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وخير الراحمين والحكمة وضع الأشياء مواضعها والظلم وضع الشيء في غير موضعه ومن تدبر حكمته في مخلوقاته ومشروعاته رأى ما يبهر العقول فانه مثلا خلق العين واللسان ونحوهما من الاعضاء لمنفعة وخلق الرجل والظفر ونحو ذلك لمنفعة فلا تقتضي الحكمة أن يستعمل العين واللسان حيث يستعمل اليد والرجل والظفر ولا أن يستعمل الرجل واليد حيث يستعمل العين واللسان وهذا من حكمته موجود في أعضاء الانسان وسائر الحيوان والنبات وسائر المخلوقات فكيف يجوز في حكمته وعدله ورحمته في من هو دائما يفعل ما يرضيه من الطاعات والعبادات والحسنات وقد نظر نظرة منهيا عنها أن يعاقبه على هذه النظرة بما يعاقب به أفجر الفساق وأن يكون أفجر الفساق في أعلى عليين وهو سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لكن لا يشاء إلا ما يناسب حكمته ورحمته وعدله كما لا يشاء ويريد إلا ما علم أنه سيكون فلو قيل هل يجوز أن يشاء ما علم أنه لا يكون لم يجر ذلك باتفاقهم لمناقضة علمه والعلم يطابق المعلوم فكيف يشاء ما يناقض حكمته ورحمته وعدله وبسط هذه الامور له مواضع متعددة
والمقصود أن هؤلاء لما احتاجوا الى إثبات النبوات اضطربوا في صفة النبي وما يجوز عليه وفي الآيات التي بها يعلم صدقه فجوزوا أن يرسل الله من يشاء بما يشاء لا يشترطون في النبي إلا أن يعلم ما أرسل به لأن تبليغ الرسالة بدون العلم ممتنع ومن جوز منهم تكليف ما لا يطاق مطلقا يلزمه جواز أن يأمره الله بتبليغ رسالة لا يعلم ما هي وجوزوا من جهة العقل ما ذكره القاضي أبو بكر أن يكون الرسول فاعلا للكبائر إلا أنه لا بد أن يكون عالما بمرسله لكن ما علم بالخبر أن الرسول لا يتصف به علم من جهة الخبر فقط لا لأن الله منزه عن إرسال ظالم أو مرتكب للفواحش أو مكاس أو مخنث أو غير ذلك فانه لا يعلم نفي شيء من ذلك بالعقل لكن بالخبر وهم في السمعيان عمدتهم الإجماع وأما الاحتجاج بالكتاب والسنة فأكثر ما يذكرونه تبعا للعقل او الاجماع والعقل والاجماع مقدمان عندهم على


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 108 ]  


الكتاب والسنة فلم يعتمد القاضي أبو بكر وأمثاله في تنزيه الانبياء لا على دليل عقلي ولا سمعي من الكتاب والسنة فان العقل عنده لا يمنع أن يرسل الله من شاءاذ كان يجوز عنده على الله فعل كل ما يقدر عليه وإنما اعتمد على الإجماع فما أجمع المسلمون عليه أنه لا يكون في النبي نزه عنه ثم ذكر ما ظنه إجماعا كعاداته وعادات أمثاله في نقل إجماعات لا يمكن نقلها عن واحد من الصحابة ولا ثلاثة من التابعين ولا أربعة من الفقهاء المشهورين كدعواه الاجماع على أن الصلاة في الدار المغصوبة مجزئة مع قوله إن العقل يحيل أن يكون مأمورا به فيدعي الاجماع على براءة المأمور من فعل ما أمر به لكونه فعل ما نهي عنه ولأهل الكلام والرأي من دعوى الإجماعات التي ليست صحيحة بل قد يكون فيها نزاع معروف وقد يكون إجماع السلف على خلاف ما ادعوا فيه الاجماع ما يطول ذكره هنا وقد ذكرنا قطعة من الاجماعات الفروعية حكاها طائفة من أعيان العلماء العالمين بالاختلاف مع أنها منتقضة وفيها نزاع ثابت لم يعرفوه وقد يكون غيرهم حكى الاجماع على نقيض قولهم وربما كان من السلف كقول الشافعي ما اعلم أحدا قبل شهادة العبد وقبله من الصحابة أنس بن مالك يقول ما أعلم أحد رد شهادة العبد وكدعوى ابن حزم الاجماع على إبطال القياس وأكثر الأصوليين يذكرون الاجماع على إثبات القياس وبسط هذا له موضع آخر
فصل ولما أرادوا إثبات معجزات الانبياء عليهم السلام وأن الله سبحانه لا يظهرها على يد كاذب مع تجويزهم








المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات

الاثنين، 24 مارس 2014

كتاب النبوات، قال ابن تيمية : فصل ويقال لهم لم فررتم من إثبات المحبة والحكمة والارادة والفعل فان قالوا لأن ذلك لا يعقل إلا في حق من يلتذ ويتألم وينتفع ويتضرر والله منزه عن ذلك

كتاب النبوات، قال ابن تيمية :
فصل ويقال لهم لم فررتم من إثبات المحبة والحكمة والارادة والفعل فان قالوا لأن ذلك لا يعقل إلا في حق من يلتذ ويتألم وينتفع ويتضرر والله منزه عن ذلك قيل للفلاسفة فأنتم تثبتون أنه مستلذ مبتهج فهذا غير محذور عندكم وان قلتم لان ذلك يستلزم لذة حادثة قيل لكم في حلول الحوادث قولان وليس معكم في النفي إلا ما يدل على نفي الصفات مطلقا كدليل التركيب وقد عرف فساده من


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 100 ]  


وجوه وقيل للجهمية والمعتزلة أن أردتم أن ذلك يقتضي حاجته الى العباد وأنهم يضرونه أو ينفعونه فهذا ليس بلازم ولهذا كان الله منزها عن ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الإلهي يا عبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني فالله أجل من أن يحتاج إلى عباده لينفعوه أو يخاف منهم أن يضروه واذا كان المخلوق العزيز لا يتمكن غيره من قهره فمن له العزة جميعا وكل عزة فمن عزته أبعد عن ذلك وكذلك الحكيم المخلوق اذا كان لا يفعل بنفسه ما يضرها فالحق جل جلاله أولى أن لا يفعل ذلك لو كان ممكنا فكيف اذا كان ممتنعا قال تعالى الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا وقال تعالى وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن السلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فقد بين أن العصاة لا يضرونه ولا يظلمونه كعصاة المخلوقين فان مماليك السيد وجند الملك وأعوان الرجل وشركاءه اذا عصوه فيما يأمرهم ويطلبه منهم فقد يحصل له بذلك ضرر في نفسه أو ماله أو عرضه أو غير ذلك وقد يكون ذلك ظلما له والله تعالى لا يقدر أحد على أن يضره ولا يظلمه وان كان الكافر على ربه ظهيرا فمظاهرته على ربه ومعاداته له ومشاقته ومحاربته عادت عليه بضرره وظلمه لنفسه وعقوبته في الدنيا والآخرة وأما النفع فهو سبحانه غني عن الخلق لا يستطيعون نفعه فينفعوه فما أمرهم به اذا لم يفعلوه لم يضروه بذلك كما قال تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين وقال ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم وقال إن تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى وان أردتم أنه سبحانه لا يريد ولا يفعل ما يفرح به ويجعل عباده المؤمنين يفعلون ما يفرح به فمن أين لكم هذا وان سمى هذا لذة فالالفاظ المجملة التي قد يفهم منها معنى فاسد اذا لم ترد في كلام الشارع لم نكن محتاجين


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 101 ]  


الى اطلاقها كلفظ العشق وان أريد به المحبة التامة وقد أطلق بعضهم على الله أنه يعشق ويعشق وأراد به أنه يحب ويحب محبة تامة فالمعنى صحيح والمعنى فيه نزاع واللذة يفهم منها لذة الاكل والشرب والجماع كما يفهم من العشق المحبة الفاسدة والتصور الفاسد ونحو ذلك مما يجب تنزيه الله عنه فان الذين قالوا لا يجوز وصفه بأنه يعشق منهم من قال لأن العشق هو الإفراط في المحبة والله تعالى لا افراط في حبه ومنهم من قال العشق لا يكون الا مع فساد التصور للمعشوق والا فمع صحة التصور لا يحصل إفراط في الحب وهذا المعنى لا يمدح فاعله فان من تصور في الله ما هو منزه عنه فهو مذموم على تصوره ولوازم تصوره ومنهم من قال لان الشرع لم يرد بهذا اللفظ وفيه إبهام وإيهام فلا يطلق وهذا أقرب وآخرون ينكرون محبة الله وأن يحب ويحب كالمعتزلة والجهمية ومن وافقهم من الاشعرية وغيرهم فهؤلاء يكون الكلام معهم في كونه يحب ويحب كما نطق به الكتاب والسنة في مثل قوله فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه لا في لفظ العشق كذلك لفظ اللذة فيه إبهام وإيهام والشرع لم يرد باطلاقه ولكن استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الله يفرح بتوبة التائب أعظم من فرح من وجد راحلته بعد أن أفقدها وأيس منها في مفازة مهلكة ويئس من الحياة والنجاة من تلك الارض ومن وجود مركبه ومطعمه ومشربه ثم وجد ذلك بعد اليأس قال النبي صلى الله عليه وسلم فكيف تجدون فرحه بدابته قالوا عظيما يا رسول الله قال لله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته وقد نطق الكتاب والسنة بأنه يحب المتقين والمحسنين والصابرين والتوابين والمتطهرين والذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وأنه يرضى عن المؤمنين فاذا كنتم نفيتم حقيقة الحب والرضى لأن ذلك يستلزم اللذة بحصول المحبوب قيل لكم إن كان هذا لازما فلازم الحق حق وان لم يكن لازما بطل نفيكم والفرح في الانسان هو لذة تحصل في قلبه بحصول محبوبه وقد جاء أيضا وصفه تعالى بأنه يسر في الأثر والكتب المتقدمة وهو مثل لفظ الفرح وأما الضحك فكثير في الأحاديث ولفظ البشبشة جاء أيضا أنه يتبشبش للداخل الى المسجد كما يتبشبش أهل الغائب


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 102 ]  


بغائبهم اذا قدم وجاء في الكتاب والسنة ما يلائم ذلك ويناسبه شيء كثير فيقال لمن نفى ذلك لم نفيته ولم نفيت هذا المعنى وهو وصف كمال لا نقص فيه ومن يتصف به أكمل ممن لا يتصف به وإنما النقص فيه أن يحتاج فيه الى غيره والله تعالى لا يحتاج الى أحد في شيء بل هو فعال لما يريد لكن القدرية قد يشكل هذا على قولهم فان العباد عندهم مستقلون بإحداث فعلهم ولكن هذا مثل إجابة دعائهم وإثابتهم على أفعالهم ونحو ذلك مما فيه أن أفعالهم تقتضي أمورا يفعلها هو وهم لا يفرون من كونه يجب عليه أشياء وأنه يفعل ما يجب عليه فيكون العبد قد جعله مريدا لما لم يكن مريدا له وحينئذ فاذا كان العبد يجعلونه مريدا عندهم فالقول في لوازم الارادة كالقول فيها وهذا إما أن يدل على فساد قولهم في القدر وهو الصواب وإما أن يكون هو الذي شاء ذلك من العبد فيلزمهم في لوازمها ما يلزمهم فيها واما على قول المثبتة فكل ما يحدث فهو بمشيئته وقدرته فما جعله أحدا مريدا فاعلا بل هو الذي يحدث كل شيء ويجعل بعض الاشياء سببا لبعض فان قال نافي المحبة والفرح والحكمة ونحو ذلك هذا يستلزم حاجته الى المخلوق ظهر فساد قوله وان قيل ان ذلك ان كان وصف كمال فقد كان فاقدا له وان كان نقصا فهو منزه عن النقص قيل له هو كمال حين اقتضت الحكمة حدوثه وحدوثه قبل ذلك قد يكون نقصا في الحكمة أو يكون ممتنعا غير ممكن كما يقال في نظائر ذلك وتمام البسط في هذا الأصل مذكور في غير هذا الموضع والمقصود هنا التنبيه على لوازم ذلك فان نفاة ذلك نفوا أن يكون في الممكن فعل ينزه عنه فليس عندهم فعل يحسن منه وفعل ينزه عنه بل عنده تقسيم الأفعال أفعال الرب والعبد الى حسن وقبيح لا يكون عندهم إلا بالشرع وذلك لا يرجع الى صفة في الفعل بل الشارع عندهم يرجح مثلا على مثل والحسن والقبيح إنما يعقل إذا كان الحسن ملائما للفاعل وهو الذي يلتذ به والقبيح ينافيه وهو الذي يتألم به والحسن والقبح في أفعال العباد بهذا


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 103 ]  


الاعتبار متفق على جوازه وإنما النزاع في كونه يتعلق به المدح والثواب وهذا في الحقيقة يرجع الى الالم واللذة فلهذا سلم الرازي في آخر عمره ما ذكره في كتاب ان الحسن والقبح العقليين ثابتان في أفعال العباد دون الرب اذا كان معناهما يؤول الى اللدة والالم والمعتزلة أثبتوا حسنا وقبحا عقليين في فعل القادر مطلقا سواء كان قديما أو محدثا وقال الحسن ما للقادر فعله والقبيح ما ليس له فعله وقالوا ان ذلك ثابت بدون كونه مستلزما للذة والألم كما ادعوا ثبوت حكمته للفاعل القادر ولا تعود اليه ولا يستلزم اللذة فادعوا ما هو خلاف الموجود والمعقول ولهذا تسلط عليهم النفاة فكان حجتهم عليهم أن يثبتوا أن هذا أمر لا يعقل إلا مع اللذة والالم ثم يقولون وذلك في حق الله محال فحجتهم مبنية على مقدمتين أن الحسن والقبح والحكمة مستلزم للذة والالم وذلك في حق الله محال والمعتزلة منعوا المقدمة الأولى فغلبوا معهم والمقدمة الثانية جعلوها محل وفاق وهي مناسبة المعتزلة لكونهم ينفون الصفات فنفى الفعل القائم به أولى على أصلهم ونفى مقتضي ذلك أولى على أصلهم وهذه المقدمة التي اشتركوا فيها تقتضي نفي كونه مريدا ونفي كونه فاعلا ونفي حدوث شيء من الحوادث كما أن نفي الصفات يقتضي نفي قائم بنفسه موصوف بالصفات فنفي اتصافه بالصفات يستلزم أن لا يكون في الوجود شيء يتصف بصفة ونفي فعله وأحداثه يقتضي أن لا يكون في الوجود شيء حادث فكان ما نفوه مستلزما نهاية السفسطة وجحد الحقائق ولهذا كان من وافق هؤلاء على نفي محبة الله لما أمر به من الصوفية يلزمهم تعطيل الأمر والنهي وان لا ينفي إلا القدر العام وقد التزم ذلك طائفة من محققيهم وكان نفي الصفات يستلزم نفي الصفات وان لا يكون موجودان أحدهما واجب قديم خالق والآخر ممكن أو محدث أو مخلوق وهكذا التزمه طائفة من محققيهم وهم القائلون بوحدة الوجود وهم يقولون بكون العبد أولا يشهد الفرق بين الطاعة والمعصية ثم يشهد طاعة بلا معصية ثم لا طاعة ولا معصية بل الوجود واحد فالذين اثبتوا الحسن والقبح في الافعال وأن لها صفات تقتضي


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 104 ]  


ذلك قالوا بما قاله جمهور العقلاء من المسلمين وغيرهم قال أبو الخطاب هذا قوله أكثر الفقهاء والمتكلمين لكن تناقضوا فلم يثبوا لازم ذلك فتسلط عليهم النفاء أكثر الفقهاء والمتكلمين لكن تناقضوا فلم يثبوا لازم ذلك فتسلط عليه النفاء لما نفوا الحسن والقبح في نفس الأمر قالوا لا فرق في ما يخلقه الله وما يأمره به بين فعل وفعل وليس في نفس الأمر حسن ولا قبيح ولا صفات توجب ذلك واستثنوا ما يوجب اللذة والألم لكن اعتقدوا ما اعتقدته المعتزلة أن هذا لا يجوز اثباته في حق الرب وأما في حق العبد فظنوا أن الأفعال لا تقتضي إلا لذة وأما في الدنيا وأما كونها مشتملة على صفات تقتضي لذة وألما في الآخرة فذلك عندهم باطل ولم يمكنهم أن يقولوا إن الشارع يأمر بما فيه لذة مطلقا وينهيى عما فيها ألم مطلقا وكو الفعل يقتضي ما يوجب اللذة هو عندهم من باب التولد وهم لا يقولون به بل قدرة العبد عندهم لا تتعلق إلا بفعل في محلها مع أنها عند شيخهم غير مؤثرة في المقدور ولا يقول إن العبد فاعل في الحقيقة بل كاسب ولم يذكروا بين الكسب والفعل فرقا معقولا بل حقيقة قولهم قول جهم أن العبد لا قدرة له ولا فعل ولا كسب والله عندهم فاعل فعل العبد وعله هو نفس مفعوله فصار الرب عندهم فاعلا لكل ما يوجد من أفعلا العباد ويلزمهم أن يكون هو الفاعل للقبائح وان يتصف بها على قولهم أنه بوصف بالصفات الفعلية القائمة بغيره وقد تناقضوا في هذا الموضع فجعلوه متكلما بكلام يقوم بغيره وجعلوه عادلا ومحسنا بعدل واحسان يقوم بغيره كما قد بسط في غير هذا الموضع وحينئذ فما بقي يمكنهم ان يفرقوا بين ممكن وممكن من جميع الأجناس أي يقولوا هذا يحسن من الرب فعله وهذا ينزه عنه بل يجوز عندهم ان يفعل كل ممكن مقدور والظلم عندهم هو فعل ما نهى المرء عنه أو التصرف في ملك الغير وكلاهما ممتنع في حق الله فأما ان يكون هناك امر ممكن مقدور وهو منزه عنه فهذا عندهم لا يجوز فلهذا جوزوا عليه كل ما يمكن ولا ينزهونه عن فعل لكونه قبيحا أو نقصا او مذموما ونحو ذلك بل يعلم ما يقع وما لا يقع بالخبر أي بخبر الرسول كما علم بخبره المأمور والمحظور والوعد


 النبوات    [ جزء 1 - صفحة 105 ]  


والوعيد والثواب والعقاب أوبالعادة مع أن العادة يجوز انتقاضها عندهم لكن قالوا قد يعلم بالضرورة عدم ما يجوز وقوعه من غير فرق لا في الوجود ولا في العلم بين ما علموا انتفاءه وما لم يعلموه إذ كان أصل قولهم هو جواز التفريق بين التماثلين بلا سبب فالارادة القديمة عندهم ترجح مثلا على مثل بلا سبب في خلق الرب وفي أمره وكذلك عندهم قد يحدث في قلب العبد علما ضروريا بالفرق بين المتماثلين بلا سبب فلهذا قالوا أن الشرع لا يأمر وينهى لحكمة ولم يعتمدوا على المناسبة وقالوا علل الشرع أمارات كما قالوا ان أعفال العباد أمارة على السعادة والشقاء فقط من غير أن يكون في أحد الفعلين معنى يناسب الثواب أو العقاب ومن أثبت المناسبة من متأخريهم كأبي حامد ومن تبعه قالوا عرفنا بالاستقراء أن المأمور به قترن به مصلحة العباد وهو حصول ما ينفعهم والمنهى عنه تقترن به المفسدة فإذا وجد الأمر والنهى علم وجود قرينه الذي علم بعادة الشرع من غير أن يكون الرب أمر به لتلك المصلحة ولا نهى عنه لتلك المفسدة وجمهوةهم وأئمتهم على أنه يمتنع أن يفعل لحكمة لكن الآمدي قال إن ذلك جائز غير واجب فلم يجعله واجبا ولا ممتنعا
فصل وهذا الأصل دخل في جميع أبواب الدين أصضوله وفروعه في خلق الرب لما يخلقه ورزقه واعطائه ومنع









المصدر :
كتاب : النبوات لابن تيمية
  >> عدد الأجزاء= 1  <<
النبوات