السبت، 27 فبراير 2016

بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة قال ابن تيمية فصل ومن تدبر الحديث وألفاظه على أنه حجة على هؤلاء الإتحادية الجهمية لا لهم وأنه مبطل لمذهبهم مع أنهم يجعلونه عمدتهم

بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
قال ابن تيمية
فصل
ومن تدبر الحديث وألفاظه على أنه حجة على هؤلاء الإتحادية الجهمية لا لهم وأنه مبطل لمذهبهم مع أنهم يجعلونه عمدتهم في دعواهم ظهوره في كل صورة من الصور المشهودة في الدنيا والآخرة حتى في الجمادات والقاذورات
والحديث مستفيض بل متواتر عن النبي وهو حديث طويل فيه قواعد من أمور الإيمان بالله وباليوم الآخر أخرجاه في الصحيحين من غير وجه من


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 452 ]  


حديث الزهري عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد عن أبي هريرة وأبي سعيد
وأخرجاه أيضا من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ورواه مسلم عن جابر موقوفا كالمرفوع وهو معروف من حديث ابن مسعود وغيره ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن أناسا قالوا لرسول الله يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة
فقال رسول الله هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله قال هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 453 ]  


شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم اللهم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان قالوا نعم يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم الموبق بعمله ومنهم المخردل أو المجازي حتى ينجي حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد أن يرحمه ممن كان يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إلا اثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 454 ]  


وفي لفظ البخاري منه كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار وهو آخر أهل الجنة دخولا إلى الجنة فيقول أي رب أصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيدعوا الله ما شاء أن يدعوه ثم يقول الله تبارك وتعالى هل عسيت أن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره فيقول لا يا رب لا أسألك غيره ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله فيصرف الله وجهه عن النار فإذا اقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب قدمني إلى باب الجنة فيقول الله له أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أعطيتك ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول أي رب ويدعو الله حتى يقول له فهل عسيت أن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره فيقول لا وعزتك فيعطي ربه ما شاء من عهود ومواثيق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا قام على باب الجنة انفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الخير والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 455 ]  


أدخلني الجنة فيقول الله له أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيتك ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول أي رب لا أكون أشقى خلقك فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله تبارك تعالى منه فإذا ضحك الله منه قال أدخل الجنة فإذا دخلها قال الله له تمنه فيسأل ربه ويتمنى حتى أن الله ليذكره من كذا ومن كذا حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله ذلك لك ومثله معه
قال عطاء بن يزيد وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله قال لذلك الرجل ومثله معه
قال أبو سعيد وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة
قال أبو هريرة ما حفظت إلا قوله ذلك لك ومثله معه
قال أبو سعيد أشهد أني حفظت من رسول الله قوله ذلك لك وعشرة أمثاله
قال أبو هريرة وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة
وهذا الحديث من أصح حديث على وجه الأرض معروف من حديث


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 456 ]  


ابن شهاب الزهري أحفظ الأمة للسنة في زمانه كان عنده عن سعيد بن المسيب أفضل التابعين وعن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة فكان تارة يحدث به عنهما وتارة عن أحدهما كما هو عادة الزهري في أحاديث كثيرة
وهذا الذي ذكرنا رواية إبراهيم بن سعد عنه عن عطاء بن يزيد ومنه رواه مسلم كما ذكر وعطف عليه رواية شعيب عنه عن سعيد بن المسيب وعطاء قال وساق الحديث بمثل معنى حديث إبراهيم وأما البخاري فرواه من حديث شعيب عن الزهري عنهما مرتين ورواه من حديث إبراهيم بن سعد أيضا الذي ساقه مسلم
ورواه من حديث معمر أيضا عن الزهري عن عطاء


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 457 ]  


وفي الصحيحين أيضا من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله قالوا لرسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد ولا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغير أهل الكتاب فتدعي اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزيز ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون قالوا عطشنا يا رب فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 458 ]  


تدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح بن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال ما تنتظرون فيتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى أن بعضهم ليكان أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفونه فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله تعالى من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فقال أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة فيه خطا طيف وكلاليب


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 459 ]  


وحسك تكون فيها شوكة يقال له السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاود الخيل والركبان فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد منا شدة الله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربما كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربما لم نذر فيها أحد ممن أمرتنا ثم يقول أرجوا فمن وجدتم في قلبه نصف دينار فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فأخرجوا من وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا
وكان أبو سعيد يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤا إن شئتم إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفعت النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج قوما


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 460 ]  


لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في افواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل فيكون أبيض فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم تعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله تعالى الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول أدخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضائي فلا أسخط عليكم بعده أبدا وهذا سياق مسلم من حديث حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم ثم أتبعه برواية الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 461 ]  


أسلم قال نحو حديث حفص بن ميسرة وزاد بعد قوله بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه
قال أبو سعيد بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف وليس في حديث الليث فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين
ثم رواه من حديث هشام بن سعد قال حدثنا زيد بن أسلم نحو حديث حفص وقد زاد ونقص شيئا
وأخرجه البخاري من حديث زيد أيضا


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 462 ]  


وفي صحيح مسلم من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا
قلت صوابه على تلخيص كما جاء مفسرا أظن أن ذلك فوق الناس


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 463 ]  


قال فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول ما تنتظرون فيقولون ننتظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك قال فينطلق بهم ويتبعونه ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب أو حسك تأخذ من شاء الله ثم يطفىء نور المنافقين ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضوإ نجم في السماء ثم كذلك ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنة ويجعلون أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل وتذهب حراقه ثم يسأل حتى يجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها
فهذه الأحاديث ونحوها اعتمدها هؤلاء الجهمية الإتحادية في قولهم أن الله يظهر في الصور كلها ويجعلونه ظاهرا في كل صورة من حيوان ونبات ومعدن وغير ذلك ل







بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
المؤلف : ابن تيمية
عدد المجلدات : ١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق