الثلاثاء، 16 فبراير 2016

بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة قال ابن تيمية فصل وأما صاحبه القونوي فقد كان التلمساني صاحب القونوي وكان هو أحذق متأخريهم يقول إنه كان أتم من شيخه ابن عربي وكان ابن سبعين يقول عن

بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
قال ابن تيمية
فصل
وأما صاحبه القونوي فقد كان التلمساني صاحب القونوي وكان هو أحذق متأخريهم يقول إنه كان أتم من شيخه ابن عربي وكان ابن سبعين يقول عن التلمساني إنه أتم تحقيقا من شيخه القونوي
والقونوي أعرض عن كون المعدوم ثابتا في العدم فإن هذا القول معلوم الفساد عند الأئمة في المعقول والمنقول ولكن سلك طريقا هي أبلغ


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 410 ]  


في التعطيل مضمونها أن الحق هو الوجود المطلق والفرق بينه وبين الخلق من جهو التعيين فإذا عين كان خلقا وإذا أطلق الوجود كان هو الحق
هذا وقد علم أن المطلق بشرط إطلاقه لا وجود له في الخارج عن محل العلم فليس في الخارج إنسان مطلق بشرط الإطلاق ولا حيوان مطلق بشرط الإطلاق
فإذا قال إن الحق تعالى هو الوجود بشرط الإطلاق فهذا لا وجود له في الخارج وإنما الذهن يقدر وجودا مطلقا كما يقدر حيوانا مطلقا وإنسانا مطلقا وفرسا مطلقا وجسما مطلقا
وإن قال إنه المطلق لا بشرط فهذا إما أن يقال أنه لا وجود له في الخارج أيضا
وأما أن يقال هو موجود في الخارج لكن بشرط التعيين إذ ليس في الخارج إلا وجود معين
فعلى أحد التقديرين يكون وجود الحق هو الوجود المعين المخلوق وعلى الآخر لا وجود له في الخارج
وكلامهم كله يدور على هذين القطبين إما أن يجعلوا الحق لا وجود له ولا حقيقة في الخارج أصلا وإنما هو أمر مطلق في الأذهان
وأما أن يجعلوه عين وجود المخلوقات فلا يكون للمخلوقات خالق غيرها أصلا ولا يكون رب كل شيء ولا مليكه وهذا حقيقة قول القوم وإن كان بعضهم لا يشعر بذلك


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 411 ]  


ولما كان هؤلاء نسخة الجهمية الذين تكلم فيهم السلف والأئمة مع كون أولئك كانوا أقرب إلى الإسلام كان كلام الجهمية يدور أيضا على هذين الأصلين فهم يظهرون للناس والعامة أن الله بذاته موجود في كل مكان أو يعتقدون ذلك
وعند التحقيق إما يصفونه بالسلب الذي يستوجب عدمه كقولهم ليس بداخل العالم لا خارجه ولا مباين له ولا محايث له ولا متصل به ولا منفصل عنه وأشباه هذه السلوب
فكلام أول الجهمية وآخرهم يدور على هذين الأصلين
إما النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه
وإما الإثبات الذي يقتضي أنه هو المخلوقات أو جزء منها أو صفة لها وكثير منهم يجمع بين هذا النفي وهذا الإثبات المتناقضين وإذا حوقق في ذلك قال ذاك السلب مقتضى نظري وهذا الإثبات مقتضى شهودي وذوقي
ومعلوم أن العقل والذوق إذا تناقضا لزم بطلانهما أو بطلان أحدهما وأما ابن سبعين فقوله يشبه هذا من وجه وهذا من وجه وهو إلى قول القونوي أقرب لكنه يجعله الوجود الثابت الذي يختلف على صور الموجودات فإنه يقول بثبوت الماهيات المطلقة في الموجودات المعينة ولا يقول بانفكاكها عن الوجود وهذا قول ابن سينا وأمثاله من الفلاسفة
وهذا كما ترى مع موافقته لقول من يقول المعدوم شيء فهو يخالفه من هذين الوجهين ويقول مع ذلك إن وجوده هو تصور الماهيات فهو


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 412 ]  


تارة يجعله بمنزلة المادة الجسمية والأشياء بمنزلة صورها والقول بأن الجسم مركب من المادة والصورة قول الفلاسفة المشائين وابن سبعين يحتذي حذوهم ويقول إنه مقدم عليهم وعلى غيرهم ويقول إنه أنشأ الحكمة التي رمز إليها هرامس الدهور الأولية وبين العلم الذي رامت إفادته الهداية النبوية وقد تنازعوا في إمكان انفراد المادة عن الصورة


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 413 ]  


فأرسطو وأصحابه على أنه يمكن انفكاكها عنها بخلاف أفلاطون ويزعمون أن المادة جوهر روحاني قائم بنفسه وأن الصورة الجسمية جوهر قائم بها وأن الجسم يتولد من هذين الجوهرين
والعقلاء والمحققون يعلمون أن هذا باطل كما قد بسطناه في غير هذا الموضع
والهيولى عندهم أربعة أقسام الصناعية والطباعية والكلية والأولية
فالصناعية كالدرهم الذي له مادة وهي الفضة وصورة وهي الشكل المعين وكذلك الدينار والخاتم والسرير والكرسي ونحو ذلك وهذا القسم لا نزاع فيه بين العقلاء ولكن هذه الصورة عرض من أعراض هذا


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 414 ]  


الجسم وصفة له ليست جوهرا قائما بنفسه وهذا أمر معلوم بالضرورة حسا وعقلا
وأما الطباعية فكصور الحيوان والنبات والمعدن فإنه أيضا مخلوق من مادة كالهواء والماء والتراب وهذا أيضا لا نزاع فيه لكن هذه الصورة جوهر قائم بنفسه مستحيل عن تلك المواد ليست هي صفة له كالأول
وإذا تدبر العاقل هذين النوعين علم فساد قول من يجعل الصورة في النوعين جوهرا كما يقوله من يقوله من المتفلسفة ومن يجعل الصورة في الموضعين صفة وعرضا كما يقوله من يقوله من المتكلمة الجسمية
وأما القسم الثالث الذي هو الكلي فهو دعواهم أن الجسم له مادة هي جوهر قائم بنفسه لا يحس وإنما هي مورد الإتصال تارة والإنفصال العارضيين للجسم تارة وأن هناك شيء هو غير الجسم الموصوف بالإتصال تارة والإنفصال أخرى وهذه المادة باطلة عند جماهير العقلاء كما قد بيناه في غير موضع وإن كان أيضا تركيب الجسم من الجواهر الفردة باطل أيضا عند جماهير العقلاء فلا هذا ولا هذا
ثم هذه المادة قد ذكروا عن أفلاطون أنه قال يمكن انفرادها عن الصورة كما يحكون عنه نظير ذلك في المدة وهي الدهر وفي المكان وهو الخلاء إنهما جوهران قائمان خارجان عن أقسام العالم وفي المثل المعلقة الأفلاطونية المكان والزمان والمادة والصور قول متشابه


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 415 ]  


وجمهور العقلاء يعلمون أن هذا الذي أثبته في الخارج إنما هو في الأذهان لا في الأعيان
ومن المعلوم أن قول من يقول أن هذه المادة المدعاة أنها جزء للجسم يمكن تجردها عن الصورة شبيه بقول من يقول المعدوم شيء ثابت ثبوتا مجردا ليس وجوده
وفي ذلك المناظرة المعروفة لأبي إسحاق الإسفرائيني مع الصاحب إسماعيل بن عباد رفيق القاضي عبد الجبار وكلاهما تلميذا أبي عبد الله


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 416 ]  


البصري الملقب القائم بنصر طريقة أبي علي وأبي هاشم لما ذكر له ابن عباد إن الفلاسفة القائلين بقدم الهيولي أعقل من أن يريدوا بذلك الوجود وإنما أرادوا ثبوت الذوات التي تقوله المعتزلة فعارضه الإسفرائيني بأن قال المعتزلة أعقل من أن يريدوا بقولهم إن المعدوم شيء ثابت إلا ما أراده أولئك بقولهم بأن المادة قديمة موجودة فتكون المعتزلة قائلة بقدم المواد التي هي الأجسام
ومن هنا ذكر الشهرستاني وغيره تقارب القولين وإن كان كلاهما باطلا وإن كان قول هؤلاء الفلاسفة أشد بطلانا إذ هو باطل مكرر فإن دعوى تركيب الأجسام من المادة والصورة اللذين هما جوهران قائمان بأنفسهما دعوى باطلة كما هو قول أرسطو وذويه


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 417 ]  


ثم دعوى انفرادها باطل على باطل
وأيضا فإن هؤلاء المتفلسفة قد يقولون وجود الأشياء زائد على ذواتها في الخارج ويفرقون بين الواجب والممكن بأن الوجود الواجب هو الوجود المقيد بقيد كونه غير عارض لشيء من الماهيات بخلاف الممكن كما يذكره ابن سينا وغيره عن مذهبهم
وحينئذ فيكون قد جمعوا في هذا أنواع الباطل من الممكن وجعلوا الواجب هو الوجود المطلق الذي لا يتحقق إلا في الأذهان لا في الأعيان وهو في الحقيقة تعطيل لوجود الواجب
وعلى هذا فقول القائلين من المعتولة والمتفلسفة بأن الوجود ماهية موجودة في الخارج زائدة على الوجود في الخارج الذي هو الموجود في الخارج وأن الوجود قائم بتلك الماهية هو شبيه بقول من يقول إن الجسم مادة هي جوهر قائم بنفسه وهو محل الصورة الجسمية التي هي أيضا جوهر وهؤلاء يعمدون إلى الشيء الواحد المعلوم واحدا بالحس والعقل يجلعونه اثنين إذ كان له وجود عيني ووجود ذهني فظنوا أن الذهني خارجي
ثم جاء المدعون أنهم محققوهم إلى ما يعلم أنهما متباينان وهو وجود الخالق سبحانه البائن المتميز عن وجود المخلوق فزعموا أنه هو وأن الوجود واحد لا يتميز منه وجود الخالق
فقول ابن سبعين يشبه قول ابن عربي من حيث أن قوله يشبه قول أهل


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 418 ]  


المادة والصورة كما يشبه قول ذلك قول أهل الثبوت والوجود المفرقين بينهما الذين يقولون المعدوم شيء لكن ابن عربي يجعل الوجود الذي هو حال في الثبوت والثبوت محل له هو وجود الحق كما تقدم
فهو وإن كان يقول بأن الوجود واحد فهو يقول بالإتحاد والحلول من هذا الوجه
ولا ريب أن القولين متناقضان وهو يذكر تناقض ذلك ويشير إلى أن ذلك هو الحيرة وهو أعلى العلم
وابن سبعين يجعل وجود الحق هو الثابت بدءا الذي هو كالمادة والخلق هو المنتقل الذي هو الصورة فهو وإن قال بأن الوجود واحد فهو يقول بالإتحاد والحلول من هذه الوجه لكن الحق عنده محل للخلق وعلى قول ابن عربي حال في الخلق وقد تقدم ذكر بعض قول ابن عربي
وأما ابن سبعين ففي بعض ألواحه يقول قد رأى الصورة المحيطة بجميع الصور لها اسم من حيث هي صورة في متصور قائم بذاته وهي قائمة به وللمتصور من حيث هو موصوف بها اسم ولما ارتبطا ارتباطا لا يصح انفكاكه أبدا دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ولم يصح الأخبار عن مطلق الصورة إلا ومطلق المتصور ضمنا ولا


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 419 ]  


عن محيط المتصور إلا والصورة ضمنا فالمتصور بالصورة يسمى بظاهر الصورة ظاهرا وبباطنها باطنا ويحكم عليه حكم قبلته الصورة من إطلاق وحصر وغيبة وحضور وأحدية وكثرة وجمع وتفرقة وسذاجة ولون وحركة وسكون إلى ما لا ينضبط كثرة من الأسماء والصفات فللصورة من حيث هي جميع التعددات والتنقلات والتحولات والتفاضل وللمتصور من حيث هو لا من جهتها لا وصف ولا نعت ولا اسم ولا رسم ولا حد وإن كان له شيء من ذلك كله ولكن بأول مرتبة صورية إطلاقية فله الإطلاقات الأحديه والجمع والسذاجة والسكون والثبوت وشبه ذلك وللصورة لا من حيث هي لكن من تقدير قيامها بفايض هذه ولا حدثت عنها ولا عنه إلا بقيد ارتباط بعضها ببعض ولو في أول مرتبة من مراتب الإرتباط بفائض ذلك وهي الحضرة والكثرة والتفرقة والألوان والحركات والتنقلات لكن لا يقع الحديث أبدا إلا عنهما


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 420 ]  


معا وإن كان الكثرة والتعداد وأخواتها فتأمل كل كلام منطوق به فأي القسمين غلب عليه فاحكم به فإن كان الكثرة والتعدد وأخواتها فاعلم أن المخاطب به هو الصورة والخلق يتصورها وصفا وإن غلبت الوحدة وأخواتها فالمخاطب بذلك المتصور الحق فإذا رأيت التعدد والتنقل والحركة والولادة فذلك للصورة والخلق وإذا رأيت الوحدة والثبوت ولم يلد ولم يولد فذلك للحق القائم على كل نفس بما كسبت وكل شيء هالك إلا وجهه فهو الحق القائم على كل شيء لأن الأعراض وهي الصورة لا تبقى زمانين أصلا بل تتبدل في كل نفس إما بمثل أو بضده أو خلاف لأنها لذاتها فانية وإنما المسمى بقاء هو توارد الأمثال في كل نفس فيظن أن الثاني عين الأول وليس كذلك ولا ينبغي ذلك لأن القائم به كل يوم هو في شأن يريد تعالى كل نفس فيرد المثل بعد المثل ولا يشعر بذلك المحجوب فيظن أن ذلك الأول باق وهيهات لا بقاء إلا لله وحده والفناء لكل ما سواه بالذات في كل نفس والصورة الجزئية تبقى بتوالي الأمثال إلى أن قال وأما مطلق الصورة


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 421 ]  


فبقاؤها بعد الخلو عن الصور سواء كانت أمثالا لها أو مضادة أو مغايرة لمقصود عمران مطلق الصورة الوجودية صورا فالوجود واحد وهو القائم بجميع الصور غير الخالي عنها على التعاقب والصور هي الهالكة دواما المتعاقبة دواما كائنة فانية شاهدة غائبة قديمة حديثة موجودة معدومة
فابن سبعين في هذا الكلام جعله كالمادة وجعل المخلوق كالصورة وهما مرتبطان لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر
وفي هذا من الباطل والكفر ما لا يخفي على عاقل مع ما في الكلام غير ذلك مثل قوله عن الصور إنها أعراض والعرض لا يبقى زمانين
فإن الذين قالوا إن العرض لا يبقى زمانين وإن كان أكثر العقلاء على خلافه لم يقصدوا الصورة التي هي الجسم وإنما قصدوا الأعراض القائمة بالجسم ولكن يحكي عن النظام أنه قال الأجسام لا تبقى زمانين فهذا يشبه قول النظام


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 422 ]  


وفي كلام ابن عربي ما يشبه هذا
وتارة يجعله الوجود المطلق الذي تتعاقب عليه الموجودات المعينات ويجعل الموجودات المعينة بمنزلة الماهيات وإن لم يجعلها ثابتة في العدم كما قال في لوح آخر أجل عند أصحابه من ذلك اللوح وهو عندهم نهاية التحقيق حتى قد يجعلونه في رؤوسهم مبالغة في حفظه وتذكرة قال هو الكل بك معينا وكل الكل بك لا معينا وأنت الجزء به معينا وجزء الجزء به لا معينا وأنت لا به لا شيء وهو لا بك ثابت أبدا فالكمال له بك معينا وكمال الكمال له لا بك لا معينا وبدونك لا وصف له إلا الثبوت وهو الوجود في كل موجود وهو مع كل شيء ومتى سرى في ذلك الشيء حكم إلى غيره فمنه لا من ذلك الشيء فله هو


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 423 ]  


في ذلك الحكم إيجاده وللشيء فيه الشبه فقط لأنه في الماء ماء وفي النار نار وفي الحلو حلو وفي المرمر فهما سرى حكم من شيء إلى شيء فله هو في ذلك الحكم إيجاده وللشيء فيه التشبه فهذا الكلام يتضمن أنه هو وجود العالم وكل جزء من العالم إما أن يوجد معينا كهذا الإنسان وهذا النبات أو مطلقا كالإنسان والنبات فكل جزء إذا أخذ غير معين فهو جزء من وجود العالم فهو والعالم هو الكل للجزء إذا عين وإذا أطلق ولم يعين فهو كل النوع الذي هو كل المشخص
واعلم أنا لم نقصد في هذا الجواب الرد على هؤلاء وبيان ما في كلامهم من الكفر والباطل والضلال فقد أوضحنا ذلك في غير هذا الموضع وبيناه بيانا شافيا
وإنما القصد هنا التنبيه على جمل أقوالهم لتتصور فإن تصورها يكفي في بيان بطلانها فإن هذا الكلام وإن تضمن أنه ليس غير العالم وتضمن تعطيل أن يكون للعالم خالق مباين له كما هو معلوم بالضرورة من دين جميع أهل الملل بل من دين كل من يقر بالصانع وهم يصرحون بذلك كما يقول ابن عربي إن العالم صورته وهويته فإنه متناقض باطل في نفسه فإن الناس يعرفون انقسام الكلي إلى جزئياته كانقسام الجنس إلى أنواعه وإلى أشخاص أنواعه كانقسام الحيوان إلى الناطق والأعجم وانقسام الناطق إلى العربي والعجمي وانقسام الكلمة الإصطلاحية إلى الإسم والفعل والحرف


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 424 ]  


وانقسام الماء إلى الطهور والطاهر والنجس وأشباه ذلك وهنا اسم المقسوم يصدق على الأقسام وانقسام الكل إلى أجزائه كقسمة الميراث بين الورثة والعقار وغيره بين الشركاء ومنه ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ومنه انقسام الدار إلى السقف والأرض والحيطان وأعضاء الوضوء إلى مغسول وممسوح
وهذا القسم هو الذي أراده من قسم الكلام إلى الاسم والفعل والحرف وإذا كان كذلك فهؤلاء تارة يجعلون الحق تعالى لأجزاء العالم كالكل لأجزائه فيجعلون كل شيء من العالم بعضا منه وجزءا له كأمواج البحر من البحر وينشدون
... وما البحر إلا الموج لا شيء غيره ... وإن فرقته كثرة بالتعدد ...
وتارة يجعلونه هو الوجود المطلق المنقسم إلى قائم بنفسه وغيره وربما يجعلونه الوجود من حيث هو المنقسم إلى واجب وممكن
فإذا أرادوا الأول كان هو نفس العالم إذ العشرة ليست غير الآحاد لكن لها صورة الإجتماع وكما أن أعضاء الوضوء ليست غير الممسوح والمغسول ولكن لا وجود للجملة إلا بأجزائها


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 425 ]  


ثم من العجائب أنهم يبنون كلامهم على غاية النفي والتنزيه الذي هو محض التعطيل فينفون الصفات لأن الصفات تستلزم في زعمهم التركيب والمركب مفتقر إلى أجزائه وأجزاؤه غيره والمفتقر إلى غيره ممكن ليس بواجب بنفسه فهذه هي عمدتهم في نفي صفاته الثبوتية
وقد بسطنا الكلام على فساد هذه الحجة في غير هذا الموضع بسطا تاما وبينا أن عامة ما فيها وفي أمثالها من المقدمات إنما هي قضايا سفسطائية قد ألفت من ألفاظ مجملة متشابهة تشتمل على حق وباطل كما قال الإمام أحمد في هؤلاء يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم
فإن لفظ التركيب المعروف في اللغة وهم يريدونه لذلك وكذلك لفظ الجزء والافتقار والغير وإنما يعنون بلفظ التركيب معاني اصطلحوا على تسميتها تركيبا وهي نوعان
الصفات والمقادير
فالأول كقولهم الإنسان مركب من الحيوان والناطق
والإنسانية مركبة من الحيوانية والناطقية
ومعلوم أن الحيوان والناطق صفتان للإنسان والصفة لا توجد بدون الموصوف وأما تسمية الحيوان والناطق غيرين للإنسان فتسمية إصطلاحية أيضا
وأما قولهم إن المركب مفتقر إلى جزئه فتسمية هذا افتقار أيضا لفظ اصطلاحي وإنما هو ملازم فإن هذا الموصوف لا يوجد بدون وصفه فهما متلازمان ليس هناك شيء ثابت غير الحيوان والناطق حتى يوصف بأنه مفتقر


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 426 ]  


إلى الحيوان والناطق بل المقصود أن حقيقة الإنسان مستلزمة لأن يكون حيوانا ناطقا وقولهم إن أجزائه غيره فإنه اصطلاح طائفة فإن للناس في لفظ الغير إصطلاحين مشهورين
أحدهما اصطلاح المعتزلة والكرامية ونحوهم ممن يقول الصفة غير الموصوف وهؤلاء فيهم من ينفي الصفات كالمعتزلة ومنهم من يثبتها كالكرامية وهم يقولون إن الغيرين هما الشيئان أو هما ما جاز العلم بأحدهما دون الآخر
والثاني اصطلاح أكثر الصفاتية من الأشعرية وغيرهم إن الغيرين ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بوجود زمان أو مكان ومن هؤلاء من يقول ما جاز مفارقة أحدهما الآخرولهذا يقولون إن الصفات لا هي الموصوف ولا هي غيره وكذلك جزء الجملة كالواحد من العشرة واليد من الإنسان قد يقولون فيها ذلك والأولون يقولون الصفة غير الموصوف
وأما حذاق الصفاتية من الكلابية وغيرهم فهم على منهاج الأئمة كما ذكر الإمام أحمد في الرد على الجهمية لما سألوه عن القرآن أهو الله أم غير الله لا يقولون الصفة لا هي الموصوف ولا هي غيره بل لا يقولون الصفة هي الموصوف ولا يقولون هي غيره فيمتنعون عن الإطلاقين ولا ينفون الإطلاقين وهذا سديد فإن لفظ الغير لما كان فيه إجمال لم يطلق نفيه حتى يتبين المراد فإن أريد بأنه غير مباين له فليس هو غيره وإن أريد أنه ليس هو إياه أو أنه يمكن العلم به دونه فنعم هو غيره وإذا فصل المقال زال الأشكال فإذا قيل إن الصفة أو الجزء غيره بأحد الاصطلاحين كان باطلا وإذا قيل إنها غيره بالاصطلاح الآخر لم يمتنع أن يكون لازما


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 427 ]  


للموصوف وحينئذ فيكون الموصوف مستلزما لصفة لا توجب أن يكون مفتقرا إلى حقيقة مستغنية عنه كافتقار الممكنات إلى واجب الوجود
والذي علم بصريح العقل أن ما كان واجب الوجود بذاته لا تكون حقيقته مفتقرة إلى حقيقة أخرى مباينة لذاته لأن ذلك يمنع أن يكون واجبا بذاته ولذلك انحصرت قسمة الموجود إلى واجب بذاته وممكن بذاته وكان الإعتراف بالموجود الواجب أمرا ضروريا لا يمكن دفعه وليس من الاعتراف به اعتراف بصانع العالم بل فرعون وأمثاله ممن ينكر الخالق تعالى لا يدفع وجود موجود واجب الوجود وإنما الشأن في تعيينه فقد يقربه ويزعم أنه العالم كما هو حقيقة قول هؤلاء
ولهذا لما كان متكلمة الصفاتية أقرب إلى الحق الذي جاءت به الرسل كان الغالب على عباراتهم لفظ الصانع فإنه شبيه بلفظ الرب والخالق ونحو ذلك مما كثر لفظه في الكتاب والسنة ولما كان الأقرب إلى الحق بعدهم المعتزلة كان الغالب على كلامهم لفظ قديم فيقولون القديم والمحدث لأنهم أثبتوه بناء على حدوث الأجسام والمحدث لا بد له من محدث
وأما هؤلاء المتفلسفة فلما كانوا أبعد عن طريقة الرسل كان الغالب على كلامهم واجب الوجود
ولا ريب أن تقرير ذلك يسهل فإن الوجود أمر محسوس مشهود والموجود إما أن يكون من حيث ذاته قابلا للعدم وإما أن لا يكون
فالثاني هو الواجب والأول إذا كان موجودا فقد يمكن الوجود والعدم وحينئذ فيمتنع أن يكون وجوده من ذاته فإنها لا تختص بوجود ولا عدم بل التحقيق أنه ليس له بدون وجوده ذات يحكم عليها إلا ما يقدر


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 428 ]  


في الذهن ومتى قدر وجود ليس وجوده من ذاته تعين أن يكون وجوده من غيره فكل موجود وجوده إما بنفسه وإما بغيره وإذا كان كل ممكن موجود بغيره لزم قطعا وجود موجود ليس بممكن وكل موجود ليس بممكن فوجود الواجب لازم على التقديرين ضرورة
فهذا الوجود الواجب الذي يشهد به هذا البرهان الذي يذكرونه وإن تنوعوا في تصويره يمتنع أن يفتقر إلى ما هو مباين لذاته فإنه حينئذ لا يكون موجودا بنفسه بل به أو بذلك الغير فقط وهو خلاف ما دل عليه البرهام من أنه لا بد من موجود بنفسه لا يتوقف على غيره لأن وجوده بنفسه يناقض كونه متوقفا عليه وتوقفه عليه يناقض كونه واجبا بنفسه فيكون واجبا بنفسه لا واجبا بنفسه وهو جمع بين النقيضين ولأنه ان كان ذلك الغير واجبا بنفسه كان هو الواجب وكان الأول ممكنا وإن كان ذلك الغير ممكنا فهو مفتقر إلى الواجب فلو كان كل منهما مفتقرا إلى الآخر والمراد بالافتقار هنا افتقار المعلول إلى علته لزم أن يكون كل منهما علة الآخر والمعلول متوقف على علته فيلزم أن يكون كل منهما متوقفا على معلوله التوقف على ذاته فتكون ذاته مستلزمة التقدم على ذاته ومستلزمة التأخر على ذاته وذلك مستلزم كونها موجودة معدومة في الحال الواحد وهو جمع بين النقيضين وهذا هو الدور القبلي وهو ممتنع لذاته
وأما الدور المعي وهو كون كل واحد من الشيئين لا يوجد إلا مع الآخر فهذا ليس بممتنع وهو دور الشروط مثل الأمور المتقارنة فإن الأبوة لا توجد إلا مع البنين ومعلولا العلة لا يوجد أحدهما إلا مع الآخر وأمثال ذلك من الأمور المتلازمة فواجب الوجود يمتنع أن يقف وجوده على


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 429 ]  


شيء مباين له توقف المعلول على العلة وأما كون ذاته مستلزمة لصفاته فهذا لا يقتضي أن يكون متوقفا على مباين له توقف المعلول على العلة أكثر ما يقال إن ذاته لا توجد إلا مع هذا وهذا لو كان مباينا له منفصلا عنه لم يكن ما ذكروه من إثبات واجب الوجود تابعا له كيف وهم يزعمون أنه مستلزم لوجود العالم والعالم لازم له لا يمكن مفارقته له فمن يكون قوله في واجب الوجود بهذا الحال كيف يمتنع أن تكون له صفات تستلزم ذاته سواء سمي ذلك تركيبا أو لم يسم إذ لا عبرة بالعبارات والمعاني الذي يقوم الدليل على نفيها وإثباتها فكيف والصفات ليست مباينة له ولا منفصلة عنه
وإذا قيل إن حقيقته أو وجوده أو نحو ذلك يتوقف عليها فغايته أن يفسر بالتلازم وهو توقف أحد المتلازمين على الآخر أو توقف المشروط على شرطه ليس هو توقف المعلول على علته وهذا لا يمنع كونه واجب الوجود بمعنى أن ذاته ليست لها علة منفصلة عن ذاته وهذا هو الذي أثبته البرهان ولهذا كان هذا بمنزلة أن يقال هو متوقف على ذاته أو مفتقر إلى ذاته كما يقال هو واجب لذاته وموجود بذاته وهذا لا ريب فيه وإذا فسر القائل قوله إنه مفتقر إلى ذاته بهذا المعنى كان هذا المعنى حقا وإن كان في العبارة ما فيها وإذا لم يكن هذا ممتنعا بل كان هذا واجبا فإذا قيل هو مفتقر إلى ما تجعلونه جزأه أو صفته وكان المراد بذلك استلزام ذاته لذلك وامتناع وجود ذاته بدون ذلك كان هذا أولى بالجواز وأبعد عن الامتناع وقد بسطنا الكلام على شبه هذه المقامات العظيمة التي تحل شبه هؤلاء وغيرهم في غير هذا الموضع
والمقصود هنا أنهم إذا كانوا يقولون بمنع الصفات وغيرها مما هو مستلزم للتعطيل حذرا من هذا المعنى الذي يسمونه تركيبا وليس هو


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 430 ]  


تركيبا ثم يجعلونه جملة العالم التي لها أجزاء حقيقية غيرها وهو مركب منها وكل جزء مباين للآخر منفصل عنه فمعلوم أن هذا هو التركيب وأن كل ما نفوه ونزهوه عنه أثبتوه في ثاني الحال على أقبح الوجوه مع التعطيل المحض ولهذا كانوا يرون الجمع بين كل نفي وتنزيه وإن استلزم التعطيل وبين كل تشبيه وتمثيل ويرون ذلك هو الكمال ومعلوم أن ذلك مع ما فيه من الكفر من الجانبين فهو مشتمل على الجمع بين النقيضين من وجوه لا تحصى وهو حقيقة مذهب القوم وهم يصرحون بذلك ثم من المعلوم أن بعض أجزاء العالم يشاهد عدمه بعد الوجود ووجوده بعد العدم كصور الحيوان والنبات والمعدن وأنواع من الأعراض وهذا معلوم بالحس أنه ليس واجب الوجود بل هو ممكن الوجود لقبوله العدم وما كان واجب الوجود لذاته لا يقبل العدم إذ لو قبل العدم لكان ممكن الوجود وممكن العدم وهذا ليس بواجب الوجود بذاته وإذا كانت هذه الأجزاء التي شوهد عدمها يمتنع اتصافها بوجوب الوجود لم يمكن أن يقال أن الكل واجب الوجود بل أكثر ما يقول هذا المفتري ما تقوله المعطلة الدهرية إن منه ما هو واجب


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 431 ]  


الوجود ومنه ما ليس بواجب الوجود وأن واجب الوجود هو الأفلاك مثلا أو العناصر أو العقول والنفوس مع ذلك وهذا وإن كان هذا القول يؤذن بتعطيل الصانع وهو غاية الكفر باتفاق كل ذي عقل ودين فمعلوم أنه أقرب من قول أن كل العالم هو واجب الوجود فتبا لطائفة تدعي التحقيق والعرفان ويكون قولها أقبح وأعظم كفرا وضلالا من قول أكفر الخلق بالرحمن
ولولا أن في هؤلاء القوم من يظن أنه مقر بالله وأنه معظم لله وأن هذا الذي يقوله تعظيم للحق لكانوا أكفر من هؤلاء من كل وجه لكنهم اجهل منهم قطعا
وتارة بجعله هؤلاء كالكلي المنقسم إلى جزئياته فيجعلونه الوجود أو الموجود المطلق
ومعلوم إن المطلق لا وجود له في الخارج ولا يوجد إلا معينا وهذا من أوائل ما في المنطق عندهم والمطلق بشرط إطلاقه قد اتفقوا على أنه لا يوجد في الخارج
وأما المطلق لا بشرط فقد غلط فيه بعضهم كالرازي وادعى وجوده في الخارج وأنه جزء من المعين
والجمهور يعلمون أن ما يوجد في الخارج ليس إلا معينا ليس مطلقا أصلا وابن سبعين يجعله تارة في كلامه الكلي وأجزاء العالم أجزاؤه وتارة يجعله الكلي الذي هو الوجود فلا يكون له وجود في


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 432 ]  


الخارج بحال ولكن كلامه يقتضي أنه يجعل الكلي المطلق موجودا في المعين على القول الضعيف وإذا نزلنا معه على هذا التقدير يكون الرب تعالى عندهم جزءا من كل موجود مخلوق
فهم بين أن يجعلوه جملة المخلوقات أو جزءا من كل مخلوق أو صفة لكل مخلوق أو يجعلونه عدما محضا لا وجود له إلا في الأذهان لا في الأعيان ثم هم مع هذا التعطيل الصريح والإفك القبيح يتناقضون ولا يثبتون على مقام ولهذا رأيت كلامهم كله مضطربا لا ينضبط لما فيه من التناقض ولكن لما كنت أبينه وأوضحه أذكر القواعد العلمية التي يعرف الناس حقيقة ما يمكن حمل كلامهم عليه وميزت بين قول هذا وقول هذا وبينت ما فيه من التناقض حتى أطلع الناس على ما هم فيه من الكفر والهذيان مع دعواهم التحقيق والعرفان وتعظيم الناس لهم وهيبتهم لهم وظنهم أنهم من كبار أولياء الله العارفين وسادات المحققين وإنما هم بالنسبة إلى هؤلاء كالمنتسبين إلى الأئمة الصادقين


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 433 ]  


فابن سبعين وذووه لا وصف له عندهم بسوى الثبوت بناء على أصلهم الفاسد وهو أن الوجود من حيث هو وجود مع قطع النظر عن الموجود الواجب والممكن هو ثابت وقد خاطبني في ذلك أفضل هؤلاء فقلت له الوجود من حيث هو وجود لا حقيقة له في الخارج وإنما هو أمر يقدره العقل كالإنسان من حيث هو إنسان والحيوان من حيث هو حيوان والجسم من حيث هو جسم وأمثال ذلك فإن الخارج لا يوجد فيه شيء إلا معينا متميزا عما سواه لا يوجد فيه حقيقة من الحقائق من حيث هي هي مجردة عن كل تعين وتميز
وهذا الموضع الذي هو أصل ضلال هؤلاء قد سبقهم إليه طوائف من أهل الفلسفة والكلام وهؤلاء حذوا حذوهم وزادوا عليهم فظن أولئك أن المطلق يكون موجودا في الخارج ثابتا في الأعيان المقيدة الخاصة وهو الذي يسمونه الكلي الطبيعي ويجعلونه موجودا في الخارج كالإنسان بلا قيد ولا شرط والحيوان بلا قيد ولا شرط والجسم بلا قيد ولا شرط والوجود بلا قيد ولا شرط


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 434 ]  


ولا ريب أن الفرق بين المطلق لا بشرط وبين المطلق بشرط الإطلاق فرق معقول فإن المطلق بشرط الإطلاق ضد المقيد لا يتناول المقيد بحال ولهذا اتفقوا على أن هذا لا يكون وجوده إلا في الذهن
وأما المطلق لا بشرط فهم يسلمون أيضا أنه لا يوجد إلا معينا مقيدا إما بقيد كونه في الذهن أو في الخارج أو بقيد كونه واحدا أو كثيرا ونحو ذلك ولكن كثيرا من أئمتهم يدعون أنه يوجد في الأعيان كما اتفق الناس على أنه يوجد في الأذهان مع أن حقيقته من حيث هي هي ليست مقيدة بقيد كونها في الأذهان أو في الأعيان مع أنها لن تخلو عن أحدهما ففرق بين ما هو داخل في الحقيقة وبين ما هو لازم لها
كما أن من هؤلاء من ادعى ثبوت هذه الحقائق مجردة عن الأعيان كما يقوله أصحاب المثل الأفلاطونية
وقولهم بإثبات هذه الماهيات المطلقة مع قول فريق بانفصالها عن الأعيان هو شبيه بقولهم بإثبات المادة الطبيعية جوهرا مجردا ثابتا في الجسم عن صورته مع قول فريق منهم بإمكان انفصال هذه المادة عن الصور جميعها وقد بسطنا القول في هذا وذكرنا ألفاظ أئمتهم في هذا وبينا ما وقع في ذلك من الغلط البين المبين لكل عاقل يفهم ما يقال بيانا يقينا ضروريا وذكرنا الصواب الذي عليه جمهور العقلاء بأنه ليس في الأعيان الموجود في الخارج شيء مطلق أصلا بحال وأنه إنما هو عين الأعيان أشير إليه فقيل هذا الإنسان فإنه يعلم بالحس والعقل إنه ليس فيه شيء مشترك بينه وبين غيره ولا شيء مطلق سواء قيل مطلق لا بشرط أو مطلق


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 435 ]  


بشرط الإطلاق وتكلمنا على ما يذكرونه من هذه الموارد واللواحق والأعراض حواش غريبة عرضت للحقيقة وأنها خرجت عن الحقيقة وبسطنا الكلام في ذلك بسطا تبين به أنه اشتبه على القوم ما يكون في الذهن والخيال بما يكون في الوجود والخارج فظنوا ما يتخيلونه في أنفسهم من هذه الحقائق كالموجود المطلق والإنسان المطلق موجودا في الخارج فهم في الوهم والخيال الذي ليس بمطابق للحقائق مع كونهم قد ينكرون ما كان من الوهم والخيال حقا مطابقا للخارج كما قد بسطنا ذلك في غير هذا الموضع
وقول هؤلاء بإثبات الماهيات المطلقة المجردة وبالمواد المجردة وإثباتها في الأعيان هو شبيه بقول من يثبت الأحوال ثابتة في الأعيان وقول من يجعل لكل معين من الموجودات ماهية ثابتة في العدم ويجعل الماهيات غير مجعولة وهؤلاء يقولون وجود كل شيء زائد على ماهيته ولكن نريد بالماهية الماهية الشخصية التي لا تكون لغيره كما يقوله من يقوله من المعتزلة والرافضة وأولئك يقولون بنحو ذلك لكن يقولون بإثبات الماهية النوعية الكلية وكل هذه الأمور إنما هي ثابتة في الأذهان لا في الأعيان وإن كان بعضهم ينكر على غيره أشد الإنكار قوله الذي قال ما هو نظيره وأبلغ منه أو هو في الحقيقة كما ينكر طائفة من متكلمي الصفاتية القائلين بالأحوال كالقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى على من يقول المعدوم شيء حتى يكفروه بذلك


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 436 ]  


وقولهم بإثبات الأحوال هو من نمط قولهم حيث يقرون بإثبات ثابت لا موجود ولا معدوم وكما ينكر الفلاسفة على من يقول بالأحوال وبأن المعدوم شيء
فقولهم بإثبات الماهيات المطلقة في الأعيان مع قولهم بإثبات المواد للجسم وتركب الجسم من جوهرين مادة وصورة هو مع كونه من نمط هذا القول فهو إن لم يكن أبعد منه فليس دونه في الضعف إذ جعله حقيقة مطلقة لا تتقيد ثابتة في شيء مقيد وحاصلة له مع أن تلك تنقسم إلى واحد وكثير وهذا لا ينقسم إن هذا من العجب فهل يجعل مورد التقسيم جزءا من القسمين ثابتا في الأعيان وهل هذا إلا تسوية بين قسمة الكلي إلى جزيئاته والكلي إلى اجزائه مع أنهم يفرقون بينهما وغاية ما قد يجيبون به عن هذا أن يقولوا المطلق من حيث هو لا يوصف لا بنفي ولا بإثبات فلا يقال هو واحد ولا كثير ولا ينقسم ولا لا ينقسم ونحو ذلك مع أن محققيهم كإبن سينا يقول إنه لا يوجد إلا موجودا في الأعيان أو في الذهن وعلى هذا فيكون الوجود المطلق لا يوجد إلا في الأعيان الموجودة فلو كان وجود الرب هو المطلق للزم أن يكون جزءا من أعيان المخلوقات مع أنه يلزمه أن يكون ثابتا في الوجود الواجب والوجود الممكن فلا يكون هو واجب الوجود وهذا تناقض كما قد بسطناه في غير هذا الموضع
ومعلوم أن هذا الجواب لم يقصد فيه بيان هذه المسائل تصويرا


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 437 ]  


وتحريرا وتقريرا وإنما نبهنا على النكت التي ضل بها هؤلاء الذين يدعون أنهم أفضل العالم وأكمل الناس وهم في الحقيقة يندرجون في قوله تعالى وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون وفي قوله تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون
وكذلك قال بعد ذلك وهو الوجود في كل موجود وهو مع كل شيء وقد بينا أن هذا الكلام يشبه قول من يجعل الوجود زائدا على الماهية وهو يشبه قول ابن عربي من هذا الوجه لكن ابن عربي يشبه قول قول المعتزلة والرافضة القائلين بأن المعدوم المشخص شيء وهذا يشبه قول المتفلسفة الذين يقولون إن الماهيات الكلية المطلقة ثابتة في الأعيان وما تقدم في ذلك اللوح يخالف قول ابن عربي كما تقدم وهو في هذا اللوح جعله بمنزلة الصورة ووجود الماهية وهنالك جعله بمنزلة المادة للصورة ولهذا قالوا وهو مع كل شيء ومتى سرى من ذلك الشيء حكم إلى غيره فمنه لا من ذلك الشيء فجعل الشيء للشيء ليس هو إياه


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 438 ]  


ثم قال فله في ذلك الحكم إيجاده وللشيء منه الشبه فقط لأنه في الماء ماء وفي النار نار وفي الحلو حلو وفي المر مر فجعله وجود الذوات
ومعلوم أن من قال الماهيات الكلية ثابتة في الأعيان أو من قال إن وجود كل شيء زائد على ماهيته يقول إن الماهية المطلقة المعينة والماهية المشخصة منه وجودها ولهذا قال فهو في الماء ماء وفي النار نار
وهذا من جنس قول ابن عربي وهو متضمن أصلين فاسدين
أحدهما أن في الماء والنار والحلو والمر حقيقتين
إحداهما وجودهما
والثاني ذاتهما المغايرة لوجودهما سوداء قيل هي ماهية معينة أو مطلقة
وهذا وإن كان باطلا فهو قول مشهور لطوائف من المعتزلة والرافضة وطوائف من الفلاسفة
والثاني أن الله هو ماء في الماء وهو نار في النار وهو حلو في الحلو ومر في المر إذ هو عنده نفس وجود الموجودات وهذا من أبطل الباطل وأعظم الكفر والضلال ثم ضرب لذلك مثلا فاسدا فقال مثال


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 439 ]  


ذلك هو مع السراج نور بصورته فتسرج منه سرج كثيرة شبهه والإيجاد لمن هو مع كل شيء بصورة ذلك الشيء ولو كانت تلك السرج التي أوقدت من السراج من ماهيته هو لفنيت مادته بإيقاد جملة من السرج وكان يظهر فيه الضعف قليلا حتى يفنى وإنما الإستمداد من الأمر الذي هو مع كل شيء بصورة ذلك الشيء ولا صورة له هو إذ لو قيدته صورة ما لم يكن مع كل شيء إلا معها فقط تعالى وتقدس فهو الوجود كله ولا وجود لشيء معه إلا لعلمه به
فذكر أن الإيقاد من وجود السراج لا من ماهيته وأنه هو وجود السراج وهو مع الماهية بصورة الماهية والفرق بين وجود السراج وماهيته باطل
وأما قوله لو كانت تلك السرج من ماهيته لفنيت
فيقال له وكذلك لو كانت من وجوده لو قدر هناك وجود غير ماهيته فكيف وليس هناك شيء إلا السراج المحسوس وهو حقيقة السراج وذاته وماهيته في الخارج وما الفرق بين الإيقاد من ماهيته ومن وجوده إن قدرناهما شيئين
فإن قال لأن وجوده في الواجب


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 440 ]  


قيل له فهذه الدعوى لا تكون هي الدليل وأنت ذكرت هذا دليلا على أن الإستمداد من وجود مقارن للماهية بصورتها
ثم يقال إذا قيل أوقدت هذه السرج من هذا السراج فمن إما أن تكون للتبعيض وإما أن تكون لابتداء الغاية
والأول باطل فإن السراج لم يزل فيه شيء أصلا ولا تبعض ولا نقص من ذاته شيء أصلا ولو كانت للتبعيض للزم أن يزول بعض الوجود والماهية إن قيل بالفرق بينهما
وأما الثاني إذا قيل هي لابتداء الغاية فهذا لا محذور فيه سواء قيل إن الإيقاد من ماهية السراج أو من وجوده أو منهما إن فرق بينهما أو قيل إنما هنالك شيء واحد والإيقاد منه كما هو قول أهل الحق وذلك أن ذبالة المصباح بتقريبها إلى المصباح ومجاورتها له يحدث الله فيها ذلك النور من غير أن ينقص من ذلك النور الأول شيء ولهذا يشبهون العلم بهذا فيقولون كل أحد يستفيد من علم العالم من غير أن ينقص منه شيء بل المتعلم يجعل الله في نفسه نظير ما في نفس المعلم من غير أن ينقص ما في نفس المعلم وكذلك يجعل الله في رأس الذبالة من النور من جنس ما في الذبالة الأولى وتكبر وتصغر وتقوى وتضعف بحسب ذلك وسواء كان هذا هو الهواء المحيط استحال ناراكما قد تستحيل النار هواء أو غير ذلك فليس هو شيء نقص من الأول فبطل تمثيله هذا وهو يزعم الفلسفة
والمتلسفة تعلم ذلك وتقول إن الهواء استحال نارا ومن هنا نظير من في قوله تعالى وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميع منه


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 441 ]  


وقوله وما بكم من نعمة فمن الله
وقوله إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
وقوله إنما الاستمداد من الأمر الذي هو مع كل شيء بصورة ذلك الشيء ولا صورة فهو يقتضي ثبوت شيئين وجود وشيء والحق أن الإستمداد أنه ليس هناك إلا شيء واحد وبكل حال فالاستمداد من خالق ذلك الشيء وربه ومليكه الذي ليس هو إياه بوجه من الوجوه بل هو ربه وخالقه ومليكه وليس الله مع كل شيء بصورة ذلك الشيء أصلا تعالى الله عن ذلك
ومن العجب أن هؤلاء يفرون بزعمهم من التشبيه والتجسيم وقد صنف ابن سبعين في ذلك ورد فيه على بعض من كان ينكر عليه من شيوخ أهل مكة بأشياء له إلى غير ذلك ثم يزعمون أنه يشبه كل شيء بصورته وأنه جزء من كل جسم فلم يجعلوه جسما تاما بل جزء جسم كما قد يجعلونه في موضع آخر وجود كل جسم وإن لم يكن للجسم الجزء الذي أثبتوه وجعلوه شبيها للجماد والحيوان والنبات بل هو عين وجود الجماد والحيوان والنبات
ثم قال فهو الوجود كله لا وجود لشيء معه إلا لعلمه به أنت


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 442 ]  


علمه فأنت به ثابت من حيثية تغايره وعلمه إياه وهو التعيين وبه هو موجود من حيثية أن علمه عين ذاته وهي أن لا تعيين وأنت العين من حيث أنت صورة في العلم لا من حيث إطلاق العلم فهذا يتضمن أن الأشياء التي جعلها موجودة ووحودها عين الحق هي علم الحق
وليس هذا قول أهل السنة الذين يقولون إن الأشياء ثابتة في علم الله قبل وجودها ليست ثابتة في الخارج فإن هؤلاء لا يقولون إن الأشياء الموجودة عين علمه ولا يقولون إن الأشياء المحسوسة بعد وجودها هي كما كانت في العلم بل يقولون إن الله علمها وقدرها قبل أن تكون والمخلوق قد يعلم أشياء قبل أن تكون كما نعلم نحن ما وصف لنا من أشراط الساعة وصفة القيامة وغير ذلك قبل أن يكون ومن المعلوم أن علمنا بذلك ليس هو من جنس الحقيقة الموجودة في الخارج فإنا إذا علمنا الماء والنار لم يكن في قلوبنا ماء ونار ولكن علمه بذلك يطابقه مطابقة العلم المعلوم ثم اللفظ يطابق العلم مطابقة اللفظ المعنى ثم الخط يطابق اللفط وهذه المراتب الأربع المشهودة هي الوجود العيني والعلمي واللفظي والرسمي وجود في الأعيان وفي الأذهان وفي اللسان وفي البنان وقد تشبه هذه المطابقة مطابقة الصورة التي في المرآة للوجه ومطابقة النقش الذي في الشمعة والطين لنقش الخاتم الذي يطبع ذلك له
وليس هو أيضا قول من يقول إن المعدوم شيء ثابت في الخارج مستغن عن الله فإنه قد قال وأنت لا به لا شيء وهذا يخالف فيه ابن عربي والصواب معه فيه وإن كان أضل من وجه آخر بل قوله لون آخر


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 443 ]  


فإنه جعل علمه بالأشياء عين الأشياء إذ جعل لا وجود معه إلا لعلمه بذلك الشيء وجعل نفس الأشياء علمه ولهذا أثبت التغاير من وجه وعدمه من وجه وقال فأنت به ثابت من حيثية متغايرة ومن حيثية أن علمه عين ذاته
وهذا الثاني يشبه قول الفلاسفة الذين يقولون إنه عاقل ومعقول وعقل وأن ذلك واحد
ويقال إن أبا الهذيل العلاف يقرب إلى مذهبهم
وفساد هذا القول معلوم قد بسط في غير هذا الموضع لكن هو لما التزم أن يكون وجود الأشياء غي ماهيتها وهو عندهم عين وجود الأشياء ولا


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 444 ]  


بد من إثبات مغايرة الأشياء واستقبح أن يجعل الأشياء ثابتة في الأعيان جعلها عين علمه فوقع في شر مما فر منه حيث جعل نفس الأشياء الثابتة في الخارج عين علمه وهذا من جنس قوله أنه عين وجود الأشياء وهو في الحقيقة تعطيل لنفسه ولعلمه إذ جعل وجوده وجود الأشياء وعلمه هو الأشياء ثم يقول إن علمه عين ذاته فهذه ثلاث عظائم
ثم قال فإن عرفته في كل شيء عين كل شيء إلا الصورة المعينة لم تجهله في صورة أصلا ولم تكن فيمن يتجلى له في غير الصورة التي يعرفها وسيعود منه حتى يتجلى له في الصورة التي يعرفها فيتبعه وهذا وإن كان من السعداء فهو بعيد من أهل العلم بالله جدا وأي معرفة لمن يعرف المطلق مقيدا بصورة ما فهذا إلى الجهل أقرب منه إلى العلم غير أن بركة الإيمان وسعادته شملته فتنعم في الجنة من وراء غيب الإيمان ويشفع له النبي والذي صدقه فرفعت له الحجب وقتا ما فتنعم بالمشاهدة حسب حاله وعلى قدر نصيبه من رسوخه في الإيمان وأخذه بنصيبه من مقام الإحسان فإذا هو كأنه يراه لا أنه يراه وأين هذا المقام من مقام من رآه منذ عرفه في كل شيء عين كل


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 445 ]  


شيء سوى تقييد الشيء وتعينه بأنه هذا فإنه لا يجوز إليه الإشارة لأنه لم تقيده صورة قط فمن عرفه كما قلنا ورآه في كل شيء لم ينسه قط ولم ينسحب عليه من عقاب الآية شيء وهي قوله تعالى نسوا الله فنسيهم حاشاهم من ذلك بل ذكروه دائما فذكرهم ورأوه في كل شيء ومع كل شيء فشاهدهم كذلك وشهد لهم بالكمال
قلت وهذا الكلام الذي ذكره من تجليه تارة في غير الصورة التي يعرفها المتجلي له حتى يتعوذ منه وما ذكره من أن هذه الحال ناقصة أخذه من كلام ابن عربي وابن عربي يحتج في ذلك بالحديث المأثور في ذلك فإن ابن عربي كان أعلم بالحديث والتصوف من هذا وإن كان كلاهما من أبعد الناس عن معرفة الحديث والتصوف المشروع بل هما أقل الناس معرفة بالكتاب والسنة وآثار سلف الأمة وابن سبعين أعلم بالفلسفة من ابن عربي


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 446 ]  


وأما الكلام فكلاهما يأخذه من مشكاة واحدة من مشكاة صاحب الإرشاد وأتباعه كالرازي فإن ابن عربي ذكر في أول الفتوحات المكية ثلاث عقائد ورمز إلى الرابعة وذكر العقيدة التي في كلام صاحب الإرشاد مجردة ثم ذكرها مع الدليل الكلامي الذي ذكره ثم انتقل إلى عقيدة فلسفية أبعد عن اعتقاد أهل الإثبات ثم رمز إلى هذا التوحيد الذي أفصح به في الفصوص وعاد قولهم إلى تحقيق التعطيل الذي هو حقيقة قول فرعون وكان نقلهم لكلام المتكلمة والمتفلسفة من كلام الرازي في المحصل وغيره وهو يذكر أن ذلك حصل له بالكشف حتى كان القاضي بهاء الدين ابن الزكي يذكر أنه كان يقع بينه وبين والده منازعة في كلامه إذ كان من الغلاة فيه المعظمين لأمره حتى حدثني محي الدين بن


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 447 ]  


المصري وكان من أخص أصحابه أنه قال في معرض كلام له أفضل الخلق عندي بعد رسول الله علي وفاطمة والحسن والحسين ومحي الدين ابن عربي وكان يقول إن كلامه حصل له على طريق الكشف قال فوجدت نسخة من المحصل بخطه رخيصة جدا فجئت بها إلى والدي وقلت نسخ المحصل فلولا شدة رغبته في معرفة كلام هذا الرجل لما كان كتبها بخطه أو كلاما نحو هذا
وأما ابن سبعين فأصل مادته من كلام صاحب الإرشاد وإن أظهر تنقصه ونحوه من الكلام ومن كلام ابن رشد الحفيد ويبالغ في تعظيم ابن الصائع الشهير بابن باجة وذويه في الفلسفة وسلك طريقة الشوذية في


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 448 ]  


التحقيق وأخذ من كلام أبن عربي وسلك طريقا في تحقيقهم مغايرا لطريق غيره وإن كان مشاركا لهم في الأكثر وهما وأمثالهما يستمدان كثيرا مما سلكه أبو حامد في التصوف المخلوط بالفلسفة ولعل هذا من أقوى الأسباب في سلوكهم هذا الطريق
وأبو حامد مادته الكلامية من كلام شيخه في الإرشاد والشامل ونحوهما مضموما إلى ما تلقاه من القاضي أبي بكر الباقلاني لكنه في أصول الفقه سلك في الغالب مذهب ابن الباقلاني مذهب الواقفة وتصويب المجتهدين ونحو ذلك وضم إلى ذلك ما أخذه من كلام أبي زيد الدبوسي وغيره في القياس ونحوه وأما في الكلام فطريقته طريقة شيخه دون القاضي أبي بكر وشيخه في أصول الفقه يميل إلى مذهب الشافعي وطريقة الفقهاء التي هي أصوب من طريقة الواقفة


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 449 ]  


ومادة أبي حامد في الفلسفة من كلام ابن سينا ولهذا يقال أبو حامد أمرضه الشفاء ومن كلام أصحاب رسائل إخوان الصفا ورسائل أبي حيان التوحيدي ونحو ذلك وأما في التصوف وهو أجل علومه وبه نبل فأكثر مادته من كلام الشيخ أبي طالب المكي الذي يذكره في المنجيات في الصبر والشكر والرجاء والخوف والمحبة والإخلاص فإن عامته مأخوذ من كلام أبي طالب المكي لكن كان أبو طالب أشد وأعلى
وما يذكره في ربع المهلكات فأخذ غالبه من كلام الحارث المحاسبي


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 450 ]  


في الرعاية كالذي يذكره في ذم الحسد والعجب والفخر والرياء والكبر ونحو ذلك
وأما شيخه أبو المعالي فمادته الكلامية أكثرها من كلام القاضي أبي بكر ونحوه واستمد من كلام أبي هاشم الجبائي على مختارات له وكان قد فسر الكلام على أبي قاسم الأسكاف عن أبي إسحاق الإسفرائيني ولكن القاضي هو عندهم أولى
ولقد خرج عن طريقة القاضي وذويه في مواضع إلى طريقة المعتزلة وأما كلام أبي الحسن نفسه فلم يكن يستمد منه وإنما ينقل كلامه مما يحكيه عنه الناس
والرازي مادته الكلامية من كلام أبي المعالي والشهرستاني فإن الشهرستاني أخذه عن الأنصاري النيسابوري عن أبي المعالي وله مادة قوية من كلام أبي الحسين البصري وسلك طريقته في أصول الفقه كثيرا وهي أقرب إلى طريقة الفقهاء من طريقة الواقفة


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 451 ]  


وفي الفلسفة مادته من كلام ابن سينا والشهرستاني أيضا ونحوهما وأما التصوف فكان فيه ضعيفا كما كان ضعيفا في الفقه
ولهذا يوجد في كلام هذا وأبي حامد ونحوهما من الفلسفة ما لا يوجد في كلام أبي المعالي وذويه
ويوجد في كلام هذا وأبي حامد ونحوهما من الفلسفة ما لا يوجد في كلام أبي المعالي وذويه
ويوجد في كلام هذا وابي المعالي وأبي حامد من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وقدماء أصحابه ويوجد في كلام أبي الحسن من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي محمد بن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقه ويوجد في كلام ابن كلاب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة ما لا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة وإذا كان الغلط شبرا صار في الأتباع ذراعا ثم باعا حتى آل هذا المآل فالسعيد من لزم السنة
فصل
ومن تدبر الحديث وألفاظه على أنه حجة على هؤلاء الإتحادية الجهمية لا لهم وأنه مبطل لمذهبهم مع أ







بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
المؤلف : ابن تيمية
عدد المجلدات : ١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق