الأربعاء، 13 يناير 2016

أولياء الرحمن وأولياء الشيطان قال ابن تيمية: حديث : احتج آدم وموسى وهذا الحديث ضلت فيه طائفتان

أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
قال ابن تيمية:
حديث : احتج آدم وموسى تخريج الحديث وشرحه
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ احتج آدم وموسى قال موسى : يا آدم ! أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه وكتب لك التوراة بيده ؟ فبكم وجدت مكتوبا علي قبل أن أخلق : { وعصى آدم ربه فغوى } ؟ قال : بأربعين سنة ؟ قال : فلم تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق بأربعين سنة ؟ قال : فحج آدم موسى ] أي غلبه بالحجة
وهذا الحديث ضلت فيه طائفتان : طائفة كذبت له لما ظنوا أنه يقتضي رفع الذم والعقاب عمن عصى الله لأجل القدر وطائفة شر من هؤلاء جعلوه حجة وقد يقولون القدر حجة لأهل الحقيقة الذين شهدوه أو الذين لا يرون أن لهم فعلا ومن الناس من قال : إنما حج آدم موسى لأنه أبوه أو لأنه قد تاب أو لأن الذنب كان في شريعة واللوم في أخرى أو لأن هذا يكون في الدنيا دون الأخرى وكل هذا باطل


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 105 ]  


الأمر بالصبر عند المصائب
ولكن وجه الحديث أن موسى عليه السلام لم يلم أباه إلا لأجل المصيبة التي لحقتهم من أجل أكله من الشجرة فقال له : لما أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ لم يلمه لمجرد كونه أذنب ذنبا وتاب منه فإن موسى يعلم أن التائب من الذنب لا يلام وقد تاب منه أيضا ولو كان آدم يعتقد رفع الملام عنه لأجل القدر لم يقل : { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين }
والمؤمن مأمور عند المصائب أن يصبر ويسلم وعند الذنوب أن يستغفر ويتوب قال الله تعالى : { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك } فأمره بالصبر على المصائب والاستغفار من المعائب
وقال تعالى : { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه } قال ابن مسعود : هو الرجل تصيبه المصيبة يعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم
فالمؤمنون إذا أصابتهم مصيبة مثل المرض والفقر والذل صبروا لحكم الله وإن كان ذلك بسبب ذنب غيرهم كمن أنفق أبوه ماله في المعاصي فافتقر أولاده لذلك فعليهم أن يصبروا لما أصابهم وإذا لاموا الأب لحظوظهم ذكر لهم القدر


الرضى بحكم الله أعلى مرتبة من الصبر
والصبر واجب باتفاق العلماء وأعلى من ذلك الرضى بحكم الله والرضى قد قيل : إنه واجب وقيل : هو مستحب وهو الصحيح وأعلى من ذلك أن يشكر الله على المصيبة لما يرى من إنعام الله عليه بها جعلها سببا لتكفير خطاياه ورفع درجته وإنابته إلى الله وتضرعه إليه وإخلاصه له في التوكل عليه ورجائه دون المخلوقين


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 106 ]  


أهل البغي عند الطاعة قدريون وعند المعصية جبريون
وأما أهل البغي والضلال فتجدهم يحتجون بالقدر إذا أذنبوا واتبعوا أهواءهم ويضيفون الحسنات إلى أنفسهم إذا أنعم عليهم بها كما قال بعض العلماء : أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواك تمذهبت به
وأهل الهدى والرشاد إذا فعلوا حسنة شهدوا أنعام الله عليهم بها وأنه هو الذي أنعم عليهم وجعلهم مسلمين وجعلهم يقيمون الصلاة وألهمهم التقوى وأنه لا حول ولا قوة إلا به فزال عنهم بشهود القدر العجب والمن والأذى وإذا فعلوا سيئة استغفروا الله وتابوا إليه منها


سيد الاستغفار
ففي صحيح البخاري عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأن عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنة ]


حديث : يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي
وفي الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم [ فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي إنكم تخطؤون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا ولا أبالي فاستغفروا أغفر لكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم
يا عبادي كلكم عار ألا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي كلكم ضال إلا من هيدته فاستهدوني أهدكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط غمسة واحدة يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ]
فأمر سبحانه بحمد الله على ما يجده العبد من خير وأنه إذا وجد شرا فلا يلومن إلا نفسه


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 107 ]  


الفرق بين الحقيقة الكونية والحقيقة الدينية
وكثير من الناس يتكلم بلسان الحقيقة ولا يفرق بين الحقيقة الكونية القدرية المتعلقة بخلقه ومشيئته وبين الحقيقة الدينية الأمرية المتعلقة برضاه ومحبته ولا يفرق بين من يقوم بالحقيقة الدينية موافقا لما أمر الله به على ألسن رسله ولا يفرق بين من يقوم بوجده وذوقه غير معتبر ذلك بالكتاب والسنة كما أن لفظ الشريعة يتكلم به كثير من الناس ولا يفرق بين الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه ولا يخرج عنه إلا كافر وبين الشرع الذي هو حكم الحاكم فالحاكم تارة يصيب وتارة يخطىء هذا إذا كان عالما عادلا


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 108 ]  


أفضل القضاة
وإلا ففي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ورجل علم الحق فقضى بغيره فهو في النار ]
وأفضل القضاء العالمين العادلين سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال : [ إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بنحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإ ما أقطع به قطعة من النار ]
فقد أخبر سيد الخلق أنه إذا قضى بشيء مما سمعه وكان في الباطن يخلاف ذلك لم يجز للمقضي له أن يأخذ ما قضي به له وأنه إنما يقطع له به قطعة من النار
وهذا متفق عليه بين العلماء في الأملاك المطلقة إذا حكم الحاكم بما ظنه حجة شرعية كالبينة والاقرار وكان الباطن بخلاف الظاهر لم يجز للمقضي له أن يأخذ ما قضي به له بالاتفاق وإن حكم في العقود والفسوخ بمثل ذلك فأكثر العلماء يقول : إن الأمر كذلك وهو مذهب مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل وفرق أبو حنيفة رضي الله عنه بين النوعين


مدلول لفظ الشرع و الشريعة
فلفظ الشرع والشريعة إذا أريد به الكتاب والسنة لم يكن لأحد من أولياء الله ولا لغيرهم أن يخرج عنه ومن ظن أن لأحد من أولياء الله طريقا إلى الله غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا فلم بتابعه باطنا وظاهرا فهو كافر


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 109 ]  


الاحتجاج بقصة موسى مع الخضر ودفعه من وجهين
ومن احتج في ذلك بقصة موسى مع الخضر كان غالطا من وجهين : أحدهما : أن موسى لم يكن مبعوثا إلى الخضر ولا كان على الخضر اتباعه فإن موسى كان مبعوثا إلى بني إسرائيل وأما محمد صلى الله عليه وسلم فرسالته عامة لجميع الثقلين : الجن والأنس ولو أدركه من هو أفضل من الخضر كإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم اتباعه فكيف بالخضر سواء كان نبيا أو وليا ؟ ! ولهذا قال الخضر لموسى : ( أنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه ) وليس لأحد من الثقلين الذين بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول مثل هذا
الثاني : أن ما فعله الخضر لم يكن مخالفا لشريعة موسى عليه السلام وموسى لم يكن علم الأسباب التي تبيح ذلك فلما بينها له وافقه على ذلك فإن خرق السفينة ثم ترقيعها لمصلحة أهلها خوفا من الظالم أن يأخذها إحسان إليهم وذلك جائز وقتل الصائل جائز وإن كان صغيرا ومن كان تكفيره لأبويه لا يندفع إلا بقتله جاء قتله
قال ابن عباس رضي الله عنهما لنجدة الحروري لما سأله عن قتل الغلمان قال له : إن كنت علمت منهم ما علمه الخضر من ذلك الغلام فاقتلهم وإلا فلا تقتلهم رواه البخاري
وأما الإحسان إلى اليتيم بلا عوض والصبر على الجوع فهذا من صالح الأعمال فلم يكن في ذلك شيء مخالفا شرع الله
وأما إذا أريد بالشرع حكم الحاكم فقد يكون ظالما وقد يكون عادلا وقد يكون صوابا وقد يكون خطأ وقد يراد بالشرع قول أئمة الفقه كأبي حنيفة و الثوري ومالك بن أنس و الأوزاعي و الليث بن سعد و الشافعي و أحمد و إسحاق و داود وغيرهم فهؤلاء أقوالهم يحتج لها بالكتاب والسنة وإذا قلد غيره حيث يجوز ذلك كان جائزا أي ليس اتباع أحدهم واجبا على جميع الأمة كاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يحرم تقليد أحدهم كما يحرم اتباع من يتكلم بغير علم
وأما إن أضاف أحد إلى الشريعة ما ليس منها من أحاديث مفتراه أو تأول النصوص بخلاف مراد الله ونحو ذلك فهذا من نوع التبديل فيجب الفرق بين الشرع المنزل والشرع المؤول والشرع المبدل كما يفرق بين الحقيقة الكونية والحقيقة الدينية الأمرية وبين ما يستدل عليها بالكتاب والسنة وبين ما يكتفي فيها بذوق صاحبها ووجده


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 111 ]  


الإرادة الكونية
وقد ذكر الله في كتابه : الفرق بين الإرادة والأمر والقضاء والإذن والتحريم والبعث والإرسال والكلام والجعل وبين الكوني الذي خلقه وقدره وقضاه وإن كان لم يأمر به ولا يحبه ولا يثيب أصحابه ولا يجعلهم من أوليائه المتقين وبين الديني الذي أمر به وشرعه وأثاب فاعليه وأكرمهم وجعلهم من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين وهذا من أعظم الفروق التي يفرق بها بين أولياء الله وأعدائه فمن استعمله الرب سبحانه وتعالى فيما يحبه ويرضاه ومات على ذلك كان من أوليائه ومن كان عمله فيما يبغضه الرب ويكرهه ومات على ذلك كان من أعدائه
فالإرادة الكونية هي مشيئته لما خلقه وجميع المخلوقات داخلة في مشيئته وإرادته الكونية والارادة الدينية هي المتضمنة لمحبته ورضاه المتناولة لما أمر به وجعله شرعا ودينا
وهذه مختصة بالإيمان والعمل الصالح قال الله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء }
وقال نوح عليه السلام لقومه : { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } وقال تعالى : { وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال } وقال تعالى في الثانية : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقال في آية الطهارة : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } ولما ذكر ما أحله وما حرمه من النكاح قال : { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما * يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا }


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 112 ]  


الأمر
وقال لما ذكر ما أمر به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وما نهاهن عنه : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } والمعنى أنه أمركم بما يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فمن أطاع أمره كان مطهرا قد أذهب عنه الرجس بخلاف من عصاه
وأما الأمر فقال في الأمر الكوني : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } وقال تعالى : { وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر } وقال تعالى : { أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس }
وأما الأمر الديني فال تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } وقال تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا }


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 113 ]  


الاذن القضاء
وأما الإذن فقال في الكوني لما ذكر السحر : { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } أي بمشيئته وقدرته وإلا فالسحر لم يبحه الله عز وجل
وقال في الإذن الديني : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وقال تعالى : { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه } وقال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } وقال تعالى : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } وأما القضاء فقال في الكوني : { فقضاهن سبع سماوات في يومين } وقال سبحانه : { إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون }
وقال في الديني : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } أي أمر وليس المراد به : قدر ذلك فإنه قد عبد غيره كما أخبر في غير موضع كقوله تعالى : { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله }
وقال الخليل عليه السلام لقومه : { أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } وقال تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء } وقال تعالى : { قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين } وهذه كلمة تقتضي براءته من دينهم ولا تقتضي رضاه بذلك كما قال تعالى في الآية الأخرى : { وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون }
ومن ظن من الملاحدة أن هذا رضى منه بدين الكفار فهو من أكذب الناس وأكفرهم كمن ظن أن قوله : { وقضى ربك } بمعنى قدر وأن الله سبحانه ما قضى بشيء إلا وقع وجعل عباد الأصنام ما عبدوا إلا الله فإن هذا من أعظم الناس كفرا بالكتب


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 115 ]  


البعث الارسال الجعل
وأما لفظ البعث فقال تعالى في البعث الكوني : { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا }
وقال في البعث الديني : { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وقال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }
وأما لفظ الإرسال فقال في الإرسال الكوني : { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا } وقال تعالى : { وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته }
وقال في الديني : { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وقال تعالى : { إنا أرسلنا نوحا إلى قومه } وقال تعالى : { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا } وقال تعالى : { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس }
وأما لفظ الجعل فقال في الكوني { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار }
وقال في الديني : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } وقال تعالى : { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام }


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 116 ]  


التحريم الكلمات
وأما لفظ التحريم فقال في الكوني : { وحرمنا عليه المراضع من قبل } وقال تعالى : { فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض }
وقال في الديني : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } وقال تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت } الآية
وأما لفظ الكلمات فقال في الكلمات الكونية : { وصدقت بكلمات ربها وكتبه }
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ كان يقول : أعوذ بكلمات الله التامة كلها من شر ما خلق ومن غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ] وقال صلى الله عليه وسلم : [ من نزل منزلا فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك ] وكان يقول : [ أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يارحمن ]
وكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر هي التي كون بها الكائنات فلا يخرج بر ولا فاجر عن تكوينه ومشيئته وقدرته وأما كلماته الدينية وهي كتبه المنزلة وما فيها من أمره ونهيه فأطاعها الأبرار وعصاها الفجار


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 117 ]  


تعريف أولياء الله المتقين واعدائه
وأولياء الله المتقون هم المطيعون لكلماته الدينية وجعله الديني وإذنه الديني وإرادته الدينية
وأما كلماته الكونية التي لا يجاوزها بر ولا فاجر فإنه يدخل تحتها جميع الخلق حتى إبليس وجنوده وجميع الكفار وسائر من يدخل النار فالخلق وإن اجتمعوا في شمول الخلق والمشيئة والقدرة والقدر لهم فقد افترقوا في الأمر والنهي والمحبة والرضى والغضب
وأولياء الله المتقون هم الذين فعلوا المأمور وتركوا المحظور وصبروا على المقدور فأحبهم وأحبوه ورضي عنهم ورضوا عنه
وأعداؤه أولياء الشياطين وإن كانوا تحت قدرته فهو يبغضهم ويغضب عليهم ويلعنهم ويعادلهم


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 118 ]  


مجامع الفرق بين الولايتين
وبسط هذه الجمل له موضع آخر وإنما كتبت هنا تنبيها على مجامع الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وجمع الفرق بينهما اعتبارهم بموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي فرق الله تعالى به بين أوليائه السعداء وأعدائه الأشقياء وبين أوليائه أهل الجنة وأعدائه أهل النار وبين أوليائه أهل الهدى والرشاد وبين أعدائه أهل الغي والضلال والفساد وأعدائه حزب الشيطان وأوليائه الذين كتب في قولبهم الإيمان وأيدهم بروح منه قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية وقال تعالى : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان }
وقال في أعدائه : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } وقال : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } وقال : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون * والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }


من كتاب الله
وقال تعالى : { فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين * ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين * وإنه لتذكرة للمتقين * وإنا لنعلم أن منكم مكذبين * وإنه لحسرة على الكافرين * وإنه لحق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم } وقال تعالى : { فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون } إلى قوله : { إن كانوا صادقين }
فنزه سبحانه وتعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم عمن تقترن به الشياطين من الكهان والشعراء والمجانين وبين أن الذي جاءه بالقرآن ملك كريم اصطفاه وقال تعالى : { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } وقال تعالى : { وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين } وقال تعالى : { قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } الاية وقال تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } إلى قوله : { وبشرى للمسلمين } فسماه الروح الأمين وسماه روح القدس وقال تعالى : { فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس } يعني الكواكب التي تكون في السماء خانسة أي مختفية قبل طلوعها فإذا ظهرت رآها الناس جارية في السماء فإذا غربت ذهبت إلى كناسها الذي يحجبها { والليل إذا عسعس } أي إذا أدبر وأقبل الصبح { والصبح إذا تنفس } أي أقبل { إنه لقول رسول كريم } وهو جبريل عليه السلام { ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين } أي مطاع في السماء أمين ثم قال : { وما صاحبكم بمجنون } أي صاحبكم الذي من الله عليكم به إذ بعثه إليكم رسولا من جنسكم يصحبكم إذ كنتم لا تطيقون أن تروا الملائكة كما قال تعالى : { وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون * ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } الآية وقال تعالى : { ولقد رآه بالأفق المبين } أي رأى جبريل عليه السلام { وما هو على الغيب بضنين } أي بمتهم وفي القراءة الأخرى { بضنين } أي ببخيل يكتم العلم ولا يبذله الإ بجعل كما يفعل من يكتم العلم إلا بالعوض { وما هو بقول شيطان رجيم } فنزه جبريل عليه السلام عن أن يكون شيطانا كما نزه محمدا صلى الله عليه وسلم عن أن يكون شاعرا أو كاهنا


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 121 ]  


من المعقول الشرعي
فأولياء الله المتقدون بمحمد صلىالله عليه وسلم فيفعلون ما أمر به وينتهون عما عنه زجر ويقتدون به فيما بين لهم أن يتبعوه فيه فيؤيدهم بملائكته وروح منه ويقذف الله في قلوبهم من أنواره ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتقين وخيار أولياء الله كراماتهم لحجة في الدين أو لحاجة بالمسلمين كما كانت معجزات نبيهم صلى الله عليه وسلم كذلك


كيف تحصل كرامات أولياء الله
وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم


كرامات النبي صلى الله عليه وسلم
مثل انشقاق القمر وتسبيح الحصا في كفه وإتيان الشجر إليه وحنين الجذع إليه وإخباره ليلة المعراج بصفة بيت المقدس وإخباره بما كان وما يكون وإتيانه بالكتاب العزيز وتكثير الطعام والشراب مرات كثيرة كما أشبع في الخندق العسكر من قدر طعام وهو لم ينقص في حديث أم سليم المشهور وروى العسكر في غزوة خيبر من مزادة ماء ولم تنقص وملأ أوعية العسكر عام تبوك من طعام قليل ولم ينقص وهم نحو ثلاثين ألفا ونبع الماء من بين أصابعه مرات متعددة حتىكفى الناس الذين كانوا معه كما كانوا في غزوة الحديبية نحو ألف وأربعمائة أو خمسمائة ورده لعين أبي قتادة حين سالت على خده فرجعت أحسن عينيه ولما أرسل محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الأشرف فوقع وانكسرت رجله فمسحها فبرأت وأطعم من شواء مائة وثلاثين رجلا كلا منهم حز له قطعة وجعل منها قصعتين فأكلوا منهما جميعهم ثم فضل فضله وقضى ( دين ) عبدالله أبي جابر لليهودي وهو ثلاثون وسقا
قال جابر : فأمر صاحب الدين أن يأخذ التمر جميعه بالذي كان له فلم يقبل فمشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لجابر : جد له فوفاه الثلاثين وسقا وفضل سبعة عشر وسقا ومثل هذا كثير قد جمعت نحو ألف معجزة


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 123 ]  


كرامات الصحابة والتابعين
وكرامات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جدا مثل ما كان أسيد بن حضير يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج وهي الملائكة نزلت لقرائته وكانت الملائكة تسلم على عمران بن حصين وكان سلمان و أبو الدرداء يأكلان في صحفة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها و [ عباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما نور مثل طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما ] رواه البخاري وغيره
وقصة الصديق في الصحيحين [ لما ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر وامرأته فإذا هي أكثر مماكانت فرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها وشبعوا ]
وخبيب بن عدي كان أسيرا عند المشركين بمكة شرفها الله تعالى وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنبة
وعامر بن فهيرة قتل شهيدا فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه وكان لما كان قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل وقد رفع وقال عروة : فيرون الملائكة رفعته
وخرجت أم أيمن مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حسا على رأسها فرفعته فإذا دلو معلق فشربت منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها
[ وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الأسد بأنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه الأسد حتى أوصله مقصده ]
والبراء بن مالك كان إذا أقسم على الله تعالى أبر قسمه وكان الحرب إذا اشتدت على المسلمين في الجهاد يقولون : يا براء ! أقسم على ربك فيقول : يا رب ! أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم فيهزم العدو فلما كان يوم القادسية قال : أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وجعلتني أول شهيد فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا وخالد بن الوليد حاصر حصنا منيعا فقالوا : لا نسلم حتى تشرب السم فشربه فلم يضره
وسعد بن أبي وقاص كان مستجاب الدعوة ما دعا قط إلا استجيب له وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق
وعمر بن الخطاب لما أرسل جيشا أمر عليهم رجلا يسمى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح على المنبر : يا سارية ! الجبل يا سارية الجبل الجبل فقدم رسول الجيش فسأله فقال يا أمير المؤمنين ! لقيننا عدونا فهزمونا فإذا بصائح : يا سارية الجبل يا سارية الجبل فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله
ولما عذبت الزنيرة على الاسلام في الله فأبت إلا الإسلام وذهب بصرها قال المشركون : أصاب بصرها اللات والعزى قالت : كلا والله فرد الله عليها بصرها
ودعا سعيد بن زيد على أروى بنت الحكم فأعمى بصرها لما كذبت عليه فقال : اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت
والعلاء بن الحضرمي كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين وكان يقول في دعائه : يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم فيستجاب له ودعا الله بأن يسقوا ويتوضؤوا لما عدموا الماء والإسقاء لما بعدهم فأجيب ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور بخيولهم فمروا كلهم على الماء ما ابتلت سروج خيولهم ودعا الله أن لا يروا جسده إذا مات فلم يجدوه في اللحد وجرى مثل ذلك لأبي مسلم الخولاني الذي ألقي في النار فإنه مشى هو ومن معه من المعسكر على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها ثم التفت إلى أصحابه فقال : تفقدون من متاعكم شيئا حتى أدعو الله عز وجل فيه ؟ فقال بعضهم : فقدت مخلاة فقال : اتبعني فتبعته فوجدها قد تعلقت بشيء فأخذها وطلبه الأسود العنسي لما ادعى النبوة فقال له : أتشهد أني رسول الله ؟ قال : ما أسمع قال : أتشهد أن محمد رسول الله ؟ قال : نعم فأمر بنار فألقي فيها فوجدوه قائما يصلي فيها وقد صارت عليه بردا وسلاما
وقدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فأجلسه عمر بينه وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله ووضعت له جاريته السم في طعامه فلم يضره وخببت امرأة عليه زوجته فدعا عليها فعميت وجاءت وتابت فدعا لها فرد الله عليها بصرها
وكان عمر بن عبد قيس يأخذ عطاءه ألفي درهم في كمه ومايلقاه سائل في طريقه ألا أعطاه بغير عدد ثم يجيء إلى بيته فلا يتغير عددها ولا وزنها ومر بقافلة قد حبسهم الأسد فجاء حتى مس بثيابه الأسد ثم وضع رجله على عنقه وقال : إنما أنت كلب من كلاب الرحمن وإني أستحيي من الله أن أخاف شيئا غيره ومرت القافلة ودعا الله تعالى أن يهون عليه الطهور في الشتاء فكان يؤتى بالماء له بخار ودعا ربه أن يمنع قلبه من الشيطان وهو في الصلاة فلم يقدر عليه
وتغيب الحسن البصري عن الحجاج فدخلوا عليه ست مرات فدعا الله عز وجل فلم يروه ودعا على بعض الخوارج - كان يؤذيهم - فخر ميتا
وصلة بن أشيم مات فرسه وهو في الغزو فقال : اللهم لا تجعل لمخلوق علي منة ودعا الله عز وجل فأحيا له فرسه فلما وصل إلى بيته قال : يا بني خذ سرج الفرس فانه عارية وأخذ سرجه فمات الفرس وجاع مرة بالأهواز فدعا الله عز وجل استطعمه فوقعت خلفه دوخلة رطب في ثوب حرير فأكل التمر وبقي الثوب عند زوجته زمانا وجاءه الأسد وهو يصلي في غيضه بالليل فلما سلم قال له : اطلب الرزق من غير هذا الموضع فولى الأسد وله زئير
وكان سعيد ين المسيب في أيام الحرة يسمع الأذان من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقات الصلوات وكان المسجد قد خلا فلم يبقى غيره
ورجل من النخع كان له حمار فمات في الطريق فقال له أصحابه : هلم نتوزع متاعك على رحالنا فقال لهم : أمهلوني هنيهة ثم توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين ودعا الله تعالى فأحيا له حماره فحمل عليه متاعه
ولما مات أويس القرني وجدوا في ثيابه أكفانا لم تكن معه قبل ووجدوا له قبرا محفورا فيه لحد في صخرة فدفنوه فيه وكفنوه في تلك الأثواب
وكان عمرو بن عقبة بن فرقد يصلي يوما في شدة الحر فأظلته غمامة وكان السبع يحميه وهو يرعى ركاب أصحابه لأنه كان يشترط على أصحابه في الغزو أنه يخدمهم
وكان مطرف بن الشخير إذا دخل بيته سبحت معه آنيته وكان هو وصاحب له يسيران في ظلمة فأضاء لهما طرف السوط
ولما مات الأحنف بن قيس وقعت قلنسوة رجل في قبره فأهوى ليأخذها فوجد القبر قد فسح فيه مد البصر
وكان إبراهيم التميمي يقيم الشهر والشهرين لا يأكل شيئا وخرج يمتار لأهله طعاما فلم يقدر عليه فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله ففتحها فإذا هي حنطة حمراء فكان إذا زرع منها تخرج السنبلة من أصلها إلى فرعها حبا متراكبا
وكان عتبة الغلام سأل ربه ثلاث خصال : صوتا حسنا ودمعا غزيرا وطعاما من غير تكلف فكان إذا قرأ بكى وأبكى ودموعه جارية دهره وكان يأوي إلى منزله فيصيب فيه قوته ولا يدري من أين يأتيه
وكان عبد الواحد بن زيد أصابه الفالج فسأل ربه أن يطلق له أعضاءه وقت الوضوء فكانت وقت الوضوء تطلق له أعضاءه ثم تعود بعدها
وهذا باب واسع ( و ) قد بسط الكلام على كرامات الأولياء في غير هذا الموضع
وأما ما نعرفه نحن عيانا ونعرفه في هذا الزمان فكثير ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل فإذا احتاج إليها الضعيف الايمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوي إيمانه ويسد حاجته ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنيا عن ذلك فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها لنقص ولايته ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة بخلاف من يجري على يديه الخوارق لهدي الخلق ولحاجتهم فهؤلاء أعظم درجة


 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان    [ جزء 1 - صفحة 129 ]  


بعض الأحوال الشيطانية
وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية مثل حال عبد الله بن صياد الذي ظهر في 











الكتاب :-
كتاب اولياء الرحمن واولياء الشيطان
لابن تيمية 
عدد الاجزاء : ١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق