بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
قال ابن تيمية
الوجه الحادي عشر
قوله لا تستبعد أن يكون في القرآن إشارات من هذا الجنس إن أراد أن مثل هذه الإشارة تكون هي معنى الكلام ومقصوده فهذا تحريف الكلم عن مواضعه وإلحاد في آيات الله من جنس ضلال القرامطة وأمثالهم من الملاحدة
وإن أراد أن الآية مع دلالتها على المعنى الذي يدل عليه لفظها قد يكون فيها إشارة إلى معنى آخر يناسبه فهذا هو القياس والاعتبار فالذي
بغية المرتاد [ جزء 1 - صفحة 314 ]
تريده الصوفية بالإشارة هو الذي يريده الفقهاء بالقياس والاعتبار وهذا صحيح إذا روعيت شروطه عند أكثر العلماء
ومعلوم أن مراده هنا هو القسم الأول فهو من جنس كلام القرامطة الملاحدة
وأما ما استشهد به من قوله تعالى أنزل من السماء ماء فيقال لا خلاف بين المسلمين أن في القرآن أمثالا في هذه الآية وفي غيرها بل يقال فيه أكثر من أربعين مثلا ومعلوم أن الممثل ليس هو الممثل به بل يشبهه من جهة المعنى المشترك وهذا شأن كل قياس وتمثيل واعتبار كما في قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا
وقوله مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله الآية وقوله فمثله كمثل صفوان عليه تراب الآية وأمثال ذلك وقوله الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح الآية وهذه الآية وهي قوله أنزل من السماء ماء وهي أيضا على ظاهرها كسائر الآيات مع تضمنها للمثل المذكور فإنه سبحانه قال أنزل من السماء ماء وهو على ظاهره وهو الماء المعروف فإنه أخبر بإنزاله ثم أخبر بعد ذلك بالزبد الذي يخرج مما يوقد عليه النار ابتغاء حلية أو متاع ثم قال بعد ذلك كذلك يضرب الله الحق والباطل فلما ذكر المثل والتشبيه وهذا من الأمثال الذي قال في آخرها كذلك يضرب الله الأمثال فقد صرح فيها بأنه يضرب الأمثال كما ضرب هذا المثل وقد بين سبحانه الأصل المشبه به ثم ذكر المشبه فانطبق الكلام على حقيقته وظاهره ومن توهم أنه أراد مجرد العلم كما توهمه المتوهم فقد غلط لكنه أراد به أولا هذا الماء وجعله مثلا مضروبا للعلم كما في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي أنه قال مثل ما بعثني الله به
بغية المرتاد [ جزء 1 - صفحة 315 ]
من الهدى والعلم كمثل غيث كثير أصاب أرضا فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها طائفة أمسكت الماء فشرب الناس وسقوا وكانت منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به
فهذا الحديث مثل هذه الآية كلاهما بين فيه الممثل والممثل به وهل يجوز أن يراد بالكلام ما مثل به ولا يراد به عين المسمى باللفظ من غير دلالة ينصبها على ذلك ومعلوم أن هذا من جنس الاستعارة والتشبيه فهل يحمل اللفظ على ذلك بمجرده وإن ساغ ذلك ساغ أن يقال وكل شيء أحصيناه في إمام مبين أنه علي بن أبي طالب وغيره
ويقال في اللؤلؤ والمرجان أنهما الحسن والحسين لأن هذا مات مسموما وهذا مات مقتولا وأمثال ذلك من تأويلات القرامطة الذين يحملون اللفظ على غير مسماه المعروف بمجرد شبه بينهما من غير دلالة بل ولا استعمال لذلك اللفظ في ذلك المعنى الثاني في اللغة
بغية المرتاد [ جزء 1 - صفحة 316 ]
الوجه الثاني عشر
قوله وإن القرآن يلقيه إليك على الوجه الذي لو كنت في النوم مطالعا برو
بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
المؤلف : ابن تيمية
عدد المجلدات : ١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق