الأحد، 10 يناير 2016

بكتاب الشرح الممتع، قال ابن عثيمين : باب التيمم التيمم لغة: القصد.

بكتاب الشرح الممتع،
قال ابن عثيمين :
باب التيمم
التيمم لغة: القصد.
وشرعا:التعبد و تعالى بقصد الصعيد الطيب؛ لمسح الوجه واليدين به.
وهو من خصائص هذه الأمة لما رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :"أعطيت خمسا لم يعطهن نبي من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل..." الحديث(1).
وكانت الأمم في السابق إذا لم يجدوا ماء بقوا حتى يجدوا الماء فيتطهروا به، وفي هذا مشقة عليهم، وحرمان للإنسان من الصلة بربه، وإذا انقطعت الصلة بالله حدث للقلب قسوة وغفلة.
وسبب نزول آية التيمم ضياع عقد عائشة ـ رضي الله عنها ـ التي كانت تتجمل به للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا العقد عارية، فلما ضاع بقي الناس يطلبونه، فأصبحوا ولا ماء معهم، فأنزل الله آية التيمم، فلما نزلت بعثوا البعير، فوجدوا العقد تحته؛ فقال أسيد بن حضير ـ رضي الله عنه ـ : "ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر"(1).
قوله: "وهو بدل طهارة الماء" أي: ليس أصلا؛ لأن الله تعالى يقول: فلم تجدوا ماء فتيمموا {المائدة: 6} فهو بدل عن أصل، وهو الماء.
وفائدة قولنا: إنه بدل أنه لا يمكن العمل به مع وجود الأصل؛ وإلا فهو قائم مقامه، ولكن هذه الطهارة إذا وجد الماء بطلت، وعليه أن يغتسل إن كان التيمم عن غسل، وأن يتوضأ إن كان عن وضوء، والدليل على ذلك:
1ـ حديث عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ الطويل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم للذي أصابته جنابة ولا ماء :"عليك بالصعيد فإنه يكفيك" ولـما جاء الماء قال النبي صلى الله عليه وسلم "خذ هذا وأفرغه عليك"(2). فدل على أن التيمم يبطل بوجود الماء.
2ـ قوله صلى الله عليه وسلم:"الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته، فإن ذلك خير"(1).
وهل هو رافع للحدث، أو مبيح لما تجب له الطهارة؟ اختلف في ذلك:
فقال بعض العلماء: إنه رافع للحدث(2). 
وقال آخرون: إنه مبيح لما تجب له الطهارة(1).
والصواب هو القول الأول:
1ـ لقوله تعالى لـما ذكر التيمم ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم {المائدة: 6}.
2ـ وقوله صلى الله عليه وسلم: "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا(2). والطهور بالفتح: ما يتطهر به.
3ـ ولأنه بدل عن طهارة الماء، والقاعدة الشرعية أن البدل له حكم المبدل، فكما أن طهارة الماء ترفع الحدث فكذلك طهارة التيمم.
ويترتب على هذا الخلاف مسائل منها:
(أ) إذا قلنا: إنه مبيح فنوى التيمم عن عبادة لم يستبح به ما فوقها.
فإذا تيمم لنافلة لم يصل به فريضة؛ لأن الفريضة أعلى، وإذا تيمم لمس المصحف لم يصل به نافلة، إذ الوضوء للنافلة أعلى فهو مجمع على اشتراطه بخلاف الوضوء لمس المصحف، وهكذا.
وإذا قلنا: إنه رافع فإذا تيمم لنافلة جاز أن يصلي به فريضة، وإذا تيمم لمس مصحف جاز أن يصلي به نافلة.
(ب) إذا قلنا: إنه مبيح، فإذا خرج الوقت بطل؛ لأن المبيح يقتصر فيه على قدر الضرورة، فإذا تيمم للظهر ـ مثلا ـ ولم يحدث حتى دخل وقت العصر فعليه أن يعيد التيمم.
وعلى القول بأنه رافع، لا يجب عليه إعادة التيمم، ولا يبطل بخروج الوقت.
(جـ) إذا قلنا: إنه مبيح، اشترط أن ينوي ما يتيمم له، فلو نوى رفع الحدث فقط لم يرتفع.
وعلى القول بأنه رافع لا يشترط ذلك، فإذا تيمم لرفع الحدث فقط جاز ذلك(1).
وظاهر كلام المؤلف: أنه بدل عن طهارة الماء في كل ما يطهره الماء؛ سواء في الحدث؛ أم في نجاسة البدن؛ أم في نجاسة الثوب؛ أم في نجاسة البقعة، ولكن ليس هذا مراده، بل هو بدل عن طهارة الماء في الحدث قولا واحدا؛ وفي نجاسة البدن على المذهب(1)، أي أنه يتيمم إذا عدم الماء للحدث الأصغر والأكبر، ويتيمم إذا كان على بدنه نجاسة ولم يقدر على إزالتها، ولايتيمم إذا كان على ثوبه أو بقعته نجاسة.
والصحيح: أنه لا يتيمم إلا عن الحدث فقط لما يلي:
1ـ أن هذا هو الذي ورد النص به.
2ـ أن طهارة الحدث عبادة، فإذا تعذر الماء تعبد و بتعفير أفضل أعضائه بالتراب، وأما النجاسة، فشيء يطلب التخلي منه، لا إيجاده، فمتى خلا من النجاسة ولو بلا نية طهر منها، وإلا صلى على حسب حاله، لأن طهارة التيمم لا تؤثر في إزالة النجاسة، والمطلوب من إزالة النجاسة تخلية البدن منها، وإذا تيمم فإن النجاسة لا تزول عن البدن، وعلى هذا: إن وجد الماء أزالها به، وإلا صلى على حسب حاله؛ لأن طهارة التيمم لا تؤثر في إزالة النجاسة. 
قوله: "إذا دخل وقت فريضة أو أبيحت نافلة". "إذا" أداة شرط، وفعل الشرط "دخل" وما عطف عليه، وجوابه قوله بعد ذلك "شرع التيمم".
أي : يشترط للتيمم دخول الوقت، أو إباحة النافلة، وهذا هو الشرط الأول لصحة التيمم، وهذا مبني على القول بأنه مبيح لا رافع وهو المذهب، فيقتصر فيه على الضرورة ، وذلك بأن يكون في وقت الصلاة.
وقوله: "أو أبيحت نافلة". أي: صار فعلها مباحا، وذلك بأن تكون في غير وقت النهي، فإذا كان في وقت نهي، فلا يتيمم لصلاة نفل لا تجوز في هذا الوقت.
وقولنا: "لا تجوز في هذا الوقت" احترازا مما يجوز في هذا الوقت من النوافل كذوات الأسباب ـ على القول الراجح ـ وهذا مبني على القول بأنه مبيح لا رافع.
والصواب أنه رافع، فمتى تيمم في أي وقت صح، وقد سبق بيانه(1).
قوله: "وعدم الماء..." هذا الشرط الثاني لصحة التيمم: أن يكون غير واجد للماء لا في بيته، ولا في رحله، إن كان مسافرا، ولا ما قرب منه. 
قوله: "أو زاد على ثمنه كثيرا". أي: إذا وجد الماء بثمن زائد على ثمنه كثيرا عدل إلى التيمم، ولو كان معه آلاف الدراهم. وعللوا: أن هذه الزيادة تجعله في حكم المعدوم.
والصـواب: أنه إذا كـان واجـدا لثمنـه قـادرا عليـه وجــب عليـه أن يشتــريه بـأي ثمــن، والدليــل علـى ذلـك: قولـه تعالـى: فلم تجدوا ماء {المائدة: 6} فاشترط الله تعالى للتيمم عدم الماء، والماء هنا موجود، ولا ضرر عليه في شرائه لقدرته عليه، وأما كون ثمنه زائدا فهذا يرجع إلى العرض والطلب، أو أن بعض الناس ينتهز حاجة الآخرين فيرفع الثمن.
قوله: "أو ثمن يعجزه" أي: لا يقدر على بذله بحيث لا يكون معه ثمنه، أو معه ثمن ليس كاملا، فيعتبر كالعادم للماء فيتيمم.
قوله: "أو خاف باستعماله، أو طلبه ضرر بدنه". فإذا تضرر بدنه باستعماله الماء صار مريضا، فيدخل في عموم قوله تعالى : وإن كنتم مرضى" أو على" سفر الآية {المائدة: 6}.
كما لو كان في أعضاء وضوئه قروح، أو في بدنه كله عند الغسل قروح وخاف ضرر بدنه فله أن يتيمم.
وكذا لو خاف البرد، فإنه يسخن الماء، فإن لم يجد ما يسخن به تيمم؛ لأنه خشي على بدنه من الضــرر، وقد قـال تعالـى: ولا تقتلوا أنفســكـم إن الله كــان بكـم رحـيـما {النساء: 29} واستدل عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ بهذه الآية على جواز التيمم عند البرد إذا كان عليه غسل(1).
وقوله: "أو طلبه ضرر بدنه". أي: خاف ضرر بدنه بطلب الماء، لبعده بعض الشيء، أو لشدة برودة الجو، فيتيمم.
والدليـل علـى هذا: قولـه سبحانه وتعالـى: ولا تقتلوا أنفسكم {النساء: 29} وقوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة {البقرة: 195} وقوله: وما جعل عليكم في الدين من حرج {الحج: 78} وخوف الضـرر حـرج. وقـولـه صلـى الله عليـه وسلم:"لا ضرر، ولا ضرار"(2).
قوله : "أو رفيقه" أي: خاف باستعمال الماء أو طلبه ضرر رفيقه.
مثال ذلك: أن يكون معه ماء قليل ورفقة، فإن استعمل الماء عطش الرفقة وتضرروا، فنقول له: تيمم، ودع الماء للرفقة.
وظاهر قوله: "أو رفيقه" أنه يشمل الكافر والمسلم، لكن بشرط أن يكون الكافر معصوما، وهو الذمي، والمعاهد، والمستأمن.
قوله: "أو حرمته". أي: خاف باستعمال الماء أو طلبه ضرر امرأته، أو من له ولاية عليها من النساء.
قوله: "أو ماله" أي: خاف باستعمال الماء أو طلبه تضرر ماله، كما لو كان معه حيوان، وإذا استعمل الماء تضرر، أو هلك.
قوله: "بعطش" متعلق بـ "ضرر"، أي: ضرر هؤلاء بعطش.
قوله: "أو مرض" مثاله: أن يكون في جلده جروح تتضرر باستعمال الماء.
قوله: "أو هلاك". كما لو خاف أن يموت من العطش.
قوله: "ونحوه". أي: من أنواع الضرر.
فالضابط أن يقال: الشرط الثاني: تعذر استعمال الماء، إما لفقده، أو للتضرر باستعماله أو طلبه. وهذا أعم وأوضح من عبارة المؤلف.
قوله: "شرع التيمم". "شرع": جواب "إذا" في قوله "إذا دخل"، وإذا تأخر الجواب، وطال الشرط بالمعطوفات عليه، فعند البلاغيين ينبغي إعادة العامل ليتضح المعنى، لكنه لو أعاد الشرط هنا لعاد الأمر كما هو؛ لأن هذه الأمور كلها تابعة للشرط.
وقوله: "شرع" أي: وجب لما تجب له الطهارة بالماء كالصلاة، واستحـب لما تستحب له الطهارة بالماء؛ كقراءة القرآن دون مس المصحف.
قوله: "ومن وجد ماء يكفي بعض طهره تيمم بعد استعماله". أفادنا المؤلف أن الإنسان إذا وجد ماء يكفي بعض طهره، فإنه يجمع بين الطهارة بالماء والتيمم.
مثاله: عنده ماء يكفي لغسل الوجه واليدين فقط؛ فيجب أن يستعمل الماء أولا؛ فيغسل وجهه ويديه، ثم يتيمم لما بقي من أعضائه.
وسبب تقديم استعمال الماء، ليصدق عليه أنه عادم للماء، إذا استعمله قبل التيمم.
والدليل على ذلك:
1ـ قوله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم {التغابن: 16} .
2ـ وقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(1).
فنحن مأمورون بغسل الأعضاء، فغسلنا الوجه واليدين، وانتهى الماء فاتقينا الله بهذا الفعل، وتيممنا لمسح الرأس، وغسل الرجلين لتعذر الماء، فاتقينا الله بهذا الفعل أيضا، فلا تضاد بين الغسل، والتيمم إذ الكل من تقوى الله .
وقال بعض العلماء: لا يجمع بين طهارة الماء وطهارة التيمم، بل إذا كان الماء يكفي لنصف الأعضاء فأكثر فإنه يستعمل بلا تيمم، وإذا كان يكفي لأقل من النصف، فلا يستعمل الماء بل يتيمم فقط(2). 
وعللوا ذلك بأن الجمع بين الطهارتين جمع بين البدل والمبدل، وهذا لا يصح لأنه من باب التضاد.
وعللوا أيضا: بأن القاعدة العامة في الشريعة تغليب جانب الأكثر، فإذا كانت الأعضاء المغسولة هي الأكثر فلا تتيمم، وإذا كان العكس فتيمم ولا تغسلها.
ورد هذا: بأن التيمم هنا عن الأعضاء التي لم تغسل، وليس عن الأعضاء المغسولة، فليس فيه جمع بين البدل والمبدل، بل هو شبيه بالمسح على الخفين من بعض الوجوه، لأنك غسلت الأعضاء التي تغسل، ومسحت على الخف بدلا عن غسل الرجل التي تحته.
وقال آخرون: إنه يستعمل الماء مطلقا، فيما يقدر عليه ولا يتيمم(1).
وعللوا ذلك: بأن التيمم بدل عن طهارة كاملة، لا عن طهارة جزئية.
والصواب: ما ذهب إليه المؤلف، وربما يستدل له بما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صاحب الشجة الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعـصب علـى جرحـه خرقـة، ثـم يمسـح عليهـا، ويغسـل سـائر جسده" (1). فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين طهارة المسح، وطهارة الغسل. 
قوله: " ومن جرح تيمم له وغسل الباقي" يعني: من كان في أعضائه جرح، والمراد جرح يضره الماء، تيمم لهذا الجرح وغسل باقي الأعضاء، والتيمم للجرح لا يشترط له فقدان الماء، فلا حرج أن يتيمم مع وجود الماء. 
وظاهر قوله المؤلف "تيمم له" أنه لا بد أن يكون التيمم في موضع غسل العضو المجروح، لأنه يشترط الترتيب، وأما إذا كان الجرح في غسل الجنابة، فإنه يجوز أن يتيمم قبل الغسل، أو بعده مباشرة، أو بعد زمن كثير.
هذا هو المذهب، لأنهم يرون أن الغسل لا يشترط له ترتيب ولا موالاة(2)، فلو بدأ بغسل أعلى بدنه، أو أسفله، أو وسطه صح.
واستدلــوا بقـوله تعالـى: وإن كنتم جنبـا فاطهـروا {المائدة: 6} وهذا يشمل البداءة بأعلى الجسم، أو وسطه أو أسفله. وهو واضح. أما الموالاة في الغسل فقد سبق الكلام فيها(1). وإذا كان التيمم في الحدث الأصغر فعلى المذهب يشترط فيه الترتيب والموالاة.
فإذا كان الجرح في اليد وجب أن تغسل وجهك أولا، ثم تتيمم، ثم تمسح رأسك، ثم تغسل رجليك.
وهنا يجب أن يكون معك منديل، حتى تنشف به وجهك، ويدك، لأنه يشترط في التراب أن يكون له غبار(2)، وإذا كان على وجهك ماء فالتيمم لا يصح.
وقال بعض العلماء: إنه لا يشترط الترتيب ولا الموالاة، كالحدث الأكبر(3) وعلى هذا يجوز التيمم قبل الوضوء، أو بعده بزمن قليل أوكثير، وهذا الذي عليه عمل الناس اليوم، وهو الصحيح. اختاره الموفق والمجد(3) وشيخ الإسلام ابن تيمية(4)، وصوبه في "تصحيح الفروع(5)".
(فائدة): قال بعض العلماء: لا يشرع التيمم إلا في الطهارة الواجبة . وأما المستحبة فلا يشرع لها(1). واستدلوا لذلك بأثر ونظر.
أما الأثر فقالوا: إن الله تعالى إنما ذكر التيمم في الطهارة الواجبة، وذلك في قوله تعالى : أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا الآية {المائدة: 6}.
وأما النظر فقالوا: إن التيمم طهارة ضرورة، والطهارة غير الواجبة لا ضرورة لها؛ فلا يشرع لها التيمم. وهذا أحد القولين في المذهب(2).
وهذا الاستدلال والتعليل مع أنه قوي جدا إلا أنه يعكر عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم لرد السلام وقال: "إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر"(3)، ومعلوم أن التيمم لرد السلام ليس واجبا بالإجماع، وإذا كان كذلك وقد تيمم له النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يدل على مشروعية التيمم في الطهارة المستحبة .وهذا استدلال واضح جدا.
ثم إن التيمم بدل عن الطهارة بالماء، والبدل له حكم المبدل منه، فمتى استحبت الطهارة بالماء استحبت الطهارة بالتيمم، فيعارض الاستدلال بالآية بالاستدلال بالحديث، ويعارض النظر بالنظر، ويكفيه من ذلك أن يشعر بأنه متعبد و تعالى بأحد نوعي الطهارة لهذا العمل الذي تشرع له الطهارة.
قوله: "ويجب طلب الماء". الواجب: ما أمر به الشارع على سبيل الإلزام بالفعل.
وحكمه: أن فاعله مثاب، وتاركه مستحق للعقاب، ولا نقول يعاقب تاركه؛ لأنه يجوز أن يعفو الله عنه قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {النساء: 116} .
والدليل على وجوب طلب الماء قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا {المائدة: 6}. ولا يقال: لم يجد إلا بعد الطلب.
قوله: "في رحله". أي: عند الجماعة الذين معه.
والرحل: المتاع، والمراد الجماعة، فإذا كان يعلم أنه لا ماء فيه فلا حاجة إلى الطلب، لأنه حينئذ تحصيل حاصل، وإضاعة وقت، لكن لو فرض أنه أوصى من يأتي بماء، ويحتمل أنه أتى بماء، ووضعه في الرحل فحينئذ يجب الطلب.
قوله: "وقربه" أي: يجب عليه أن يطلب الماء فيما قرب منه، فيبحث هل قربه، أو حوله بئر، أو غدير؟ والقرب ليس له حد محدد، فيرجع فيه إلى العرف، والعرف يختلف باختلاف الأزمنة. ففي زمننا وجدت السيارات فالبعيد يكون قريبا. وفي الماضي كان الموجود الإبل فالقريب يكون بعيدا.
فيبحث فيما قرب بحيث لا يشق عليه طلبه، ولا يفوته وقت الصلاة.
قوله: "وبدلالة" يعني: يجب عليه أن يطلب الماء بدليل يدله عليه.
فإذا كان ليس عنده ماء في رحله، ولا يستطيع البحث لقلة معرفته، أو لكونه إذا ذهب عن مكانه ضاع، فهذا فرضه الدلالة؛ فيطلب من غيره أن يدله على الماء سواء بمال، أم مجانا.
وإذا لم يجد الماء في رحله، ولا في قربه، ولا بدلالة، شرع له التيمم.
والدليل على ذلك قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيممو{المائدة: 6}.
قوله: "فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد".أي: لو كان يعرف أن حوله بئرا لكنه نسي، فلما صلى، وجد البئر فإنه يعيد الصلاة. 
فإن قيل: كيف يعيد الصلاة وقد قال الله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا {البقرة: 286} .
فالجواب: أن هذا تحصيل شرط، والشرط لا يسقط بالنسيان، ولأنه حصل منه نوع تفريط، فلو أنه فكر جيدا؛ وتروى في الأمر لتذكر.
وقيل: لا يعيد(1)، لأنه لم يقصد مخالفة أمر الله تعالى، فهو حينما صلى كان منتهى قدرته أنه لا ماء حوله.
والأحوط: أن يعيد. والعلماء إذا قالوا الأحوط لا يعنون أنه واجب، بل يعنون أن الورع فعله أو تركه؛ لئلا يعرض الإنسان نفسه للعقوبة، وهنا يفرقون بين الحكم الاحتياطي، والحكم المجزوم به. ذكر هذا شيخ الإسلام(2) رحمه الله.
قوله: "وإن نوى بتيممه أحداثا" أي: أجزأ هذا التيمم الواحد عن جميع هذه الأحداث، ولو كانت متنوعة؛ لأن الأحداث إما أن تكون مـن نـوع واحـد؛ كما لو بال عدة مرات فهذه أحداث نوعها واحد وهو البول. 
أو تكون من أنواع من جنس واحد كما لو بال، وتغوط، وأكل لحم جزور فهذه أنواع من جنس واحد وهو الحدث الأصغر.
أو تكون من أجناس كما لو بال، واحتلم، فهذه أجناس؛ لأن الأول حدث أصغر والثاني أكبر.
فإذا تيمم، ونوى كل هذه الأحداث، فإنه يجزيء، والدليل قوله: صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى" (1) والتيمم عمل؛ وقد نوى به عدة أحداث فله ما نوى.
قوله: "أو نجاسة على بدنه تضره إزالتها". مثاله: لو سقطت نقطة بول على جرح طري لا يستطيع أن يغسله، ولا يمسحه؛ لأنه يضره إزالتها، فيتيمم على القول بالتيمم عن نجاسة البدن.
قوله: "أو عدم ما يزيلها". مثاله: أصابه بول على بدنه ولا ماء عنده يزيلها به، فيتيمم.
وأفاد ـ رحمه الله ـ بقوله: "أو نجاسة على بدنه" أن النجاسة على البدن يتيمم لها إذا لم يقدر على إزالتها، وأما النجاسة في الثوب، أو البقعة فلا يتيمم لها.
والصحيح: أنه لا يتيمم عن النجاسة مطلقا، وقد سبق بيان ذلك(1).
ومثال نجاسة البقعة: كما لو حبس في مكان نجس كالمرحاض، فيتوضأ ويصلي على حسب حاله، ولا يتيمم للنجاسة.
قوله: "أو خاف بردا" يعني: خاف من ضرر البرد لو تطهر بالماء، إما لكون الماء باردا ولم يجد ما يسخن به الماء، وإما لوجود هواء يتضرر به، ولم يجد ما يتقي به فله أن يتيمم. لقوله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم {التغابن: 16}.
فإن وجد ما يسخن به الماء، أو يتقي به الهواء، وجب عليه استعمال الماء، وإن خاف الأذى' باستعمال الماء دون الضرر، وجب عليه استعماله.
قوله: "أو حبس في مصر فتيمم". "حبس" أي: لم يتمكن من استعمال الماء. والمصر: المدينة، وإنما نص المؤلف ـ رحمه الله ـ على ذلك؛ لأن بعض العلماء قال: لا يتيمم(2)؛ لأنه ليس مسافرا، ولا عادما للماء؛ لأنه في مصر. ولكن يقال: إن الماء الموجود في المصر بالنسبة له معدوم؛ لأنه حبس ولم يتمكن من استعمال الماء، وحينئذ تعذر عليه الماء فيتيمم.
وإن حبس في مصر، ولم يجد ماء، ولا ترابا صلى على حسب حاله، ولا إعادة عليه، ولا يؤخر صلاته حتى يقدر على إحدى الطهارتين: الماء، أو التراب.
قوله: "أو عدم الماء، والتراب صلى، ولم يعد".كما لو حبس في مكان لا تراب فيه ولا ماء، ولا يستطيع الخروج منه، ولا يجلب له ماء ولا تراب؛ فإنه يصلي على حسب حاله، محافظة على الوقت الذي هو أعظم شروط الصلاة.
والدليل على ذلك قوله تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم {التغابن: 16} وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(1). وقوله صلى الله عليه وسـلم "أيما رجل من أمـتي أدركته الصلاة فليصل"(2) لأن هذا عام، ومن هنا نأخذ أهميــة المحافـظة على الوقت، وأن الوقت أولى ما يكون ـ من شروط الصلاة ـ بالمحافظة.
قوله: "ويجب التيمم بتراب" هذا بيان لما يتيمم به. وقد ذكر المؤلف له شروطا:
الأول: كونه تراب








المصدر :
كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع
للعلامة محمد بن صالح العثيمين 
عدد المجلدات : ٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق