الأحد، 17 يناير 2016

بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة قال ابن تيمية الوجه الرابع إن من تدبر الكتب المصنفة في العقل لأهل الآثار تبين له تحريف هؤلاء مع ضعف الأصل ومن أشهرها كتاب العقل لداود بن المحبر وهو قديم في أوائل المائة الثالثة روى عنه الحارث بن أبي أسامة ونحوه وكذلك مصنفات غيره

بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
قال ابن تيمية
الوجه الرابع
إن من تدبر الكتب المصنفة في العقل لأهل الآثار تبين له تحريف هؤلاء مع ضعف الأصل ومن أشهرها كتاب العقل لداود بن المحبر وهو قديم في أوائل المائة الثالثة روى عنه الحارث بن أبي أسامة ونحوه وكذلك مصنفات غيره رووا فيها عن ابن عباس أنه دخل على أم المؤمنين عائشة فقال يا أم المؤمنين أرأيت الرجل يقل قيامه ويكثر رقاده وآخر يكثر قيامه ويقل رقاده أيهما أحب إلى الله قالت سألت رسول الله عما سألتني عنه فقال أحسنهما عقلا فقلت يا رسول الله إنما أسألك عن عبادتهما فقال يا عائشة إنهما لا يسئلان عن عبادتهما إنما يسئلان عن عقولهما فمن كان أعقل كان أفضل في الدنيا والآخرة


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 244 ]  


ورووا فيها عن البراء بن عازب قال قال رسول الله إن لكل إنسان سبيل مطية وثيقة ومحجة واضحة وأوثق الناس مطية وأحسنهم دلالة ومعرفة بالحجة الواضحة أفضلهم عقلا
ورووا فيها عن ابن عمر قال قال رسول الله إن الرجل ليكون من أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الحج وأهل الجهاد فما يجزىء يوم القيامة إلا بقدر عقله


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 245 ]  


وعن علي قال قال رسول الله والله لقد سبق إلى جنات عدن أقوام ما كانوا بأكثر الناس صلاة ولا صياما ولا حجا ولا اعتمارا ولكنهم عقلوا عن الله تعالى مواعظه فوجلت منه قلوبهم واطمأنت إليه النفوس وخشعت منهم الجوارح ففاقوا الخليفة بطيب المنزلة وحسن الدرجة عند الناس في الدنيا وعند الله في الآخرة
فهذه الأحاديث ونحوها هي مما روي بالأسانيد في العقل
وف ضمن هذه الأحاديث ونحوها رووا الحديث المتقدم أول ما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل وقال له أدبر فأدبر فقال وعزتي ما خلقت خلقا أكرم علي منك فبك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وعليك العقاب
فهل يشك من سمع هذه الأحاديث أن المراد بذلك عقل الإنسان ليس المراد ما هو أعظم المخلوقات الموجودات بعد الباري عندهم وهو عندهم أبدع كل ما سواه وأن الاستدلال بهذا الحديث ونحوه على إرادة هذا المعنى من أعظم الضلال وأبعد الباطل والمحال هذا لعمري لو كان ذلك ثابتا عن رسول الله وقد قال أبو حاتم بن حبان البستي لست أحفظ عن رسول الله خبرا صحيحا في العقل لأن أبان بن أبي


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 246 ]  


عياش وابن وردان وعمير بن عمران وعلي بن زيد والحسن بن دينار وعباد بن كثير وميسرة بن عبد ربه وداود بن


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 247 ]  


المحبر ومنصور بن سقير وذويهم كلهم ضعفاء هذا مع أن أبا حاتم هذا مع فضيلته وبراعته وحفظه كان يتهم بأن في كلامه من جنس الفلسفة أشياء حتى جرت له بسبب ذلك قصة معروفة عند العلماء بحاله
وقد تقدم كلام سائر أهل المعرفة في أحاديث العقل واتفاقهم على ضعفها كما قال أبو الفرج بن الجوزي
وقد قال أبو الفرج بن الجوزي في ذم الهوى وغيره المنقول عن رسول الله في فضل العقل كثير إلا أنه بعيد الثبوت
وقال أبو جعفر العقيلي لم يثبت في هذا المتن شيء من هذا النحو وهذا الذي قالاه هما ونحوهما معروف لمن كان له خبرة بالآثار


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 248 ]  


بل لفظ العقل اسم ليس له وجود في القرآن وإنما يوجد ما تصرف منه لفظ العقل نحو يعقلون وتعقلون وما يعقلها إلا العالمون وفي القرآن الأسماء المتضمنة له كاسم الحجر والنهي والألباب ونحو ذلك
وكذلك في الحديث لا يكاد يوجد لفظ المصدر في كلام النبي في حديث صحيح إلا في مثل الحديث الذي في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال خرج رسول الله في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقلن وبم يا رسول الله


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 249 ]  


فقال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن قلن وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله فقال أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل قلن بلى قال هذا من نقصان عقلها قال وإذا حاضت لم تصل ولم تصم قلن بلى قال فهذا من نقصان دينها وهذا الحديث ونحوه لا ينقض ما ذكره الحافظ أبو حاتم وأبو الفرج والعقيلي وغيرهم إذ ليس هو في فضل العقل وإنما ذكر فيه نقصان عقل النساء
وذلك أن العقل مصدر عقل يعقل عقلا إذا ضبط وأمسك ما يعلمه
وضبط المرأة وإمساكها لما تعلمه أضعف من ضبط الرجل وإمساكه ومنه سمي العقال عقالا لأنه يمسك البعير ويجره ويضبطه وقد شبه النبي ضبط القلب للعلم بضبط العقال للبعير فقال في الحديث المتفق


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 250 ]  


عليه استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها
وقال مثل القرآن مثل الإبل المعقلة إن تعاهدها صاحبها أمسكها وإن أرسلها ذهبت
وفي الحديث الآخر أعقلها وأتوكل أو أرسلها بل قال اعقلها وتوكل
فالعقل والإمساك والضبط والحفظ ونحو ذلك ضد الإرسال والإطلاق والإهمال والتسييب ونحو ذلك وكلاهما يكون بالجسم الظاهر للجسم الظاهر ويكون بالقلب الباطن للعلم الباطن فهو ضبط العلم وإمساكه وذلك مستلزم لاتباعه فلهذا صار لفظ العقل يطلق على


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 251 ]  


العمل بالعلم كما قد بسطنا الكلام على مسمى العقل وأنواعه في غير هذا الموضع
إذا الغرض هنا بيان كذب هؤلاء على الله تعالى وعلى رسوله
الوجه الخامس
أن العقل في لغة المسلمين كلهم أولهم عن آخرهم 







بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
المؤلف : ابن تيمية
عدد المجلدات : ١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق