الثلاثاء، 19 يناير 2016

قال ابن تيمية الوجه العاشر أن النصوص والآثار المتواترة عن النبي وأصحابه والتابعين متطابقة على ما دل عليه القرآن من أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام وإن كان العرش مخلوقا قبل ذلك وهذا أيضا متفق عليه بين أهل الملل كاليهود والنصارى وهو مذكور في التوراة وغيرها كما ذكر في القرآن

بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
قال ابن تيمية
الوجه العاشر
أن النصوص والآثار المتواترة عن النبي وأصحابه والتابعين متطابقة على ما دل عليه القرآن من أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام وإن كان العرش مخلوقا قبل ذلك
وهذا أيضا متفق عليه بين أهل الملل كاليهود والنصارى وهو مذكور في التوراة وغيرها كما ذكر في القرآن
ولهذا شرح الله لأهل الملل اجتماع أهل المدينة في كل أسبوع يوما يعبدون الله فيه ويتخذونه عيدا وجعل للمسلمين يوم الجمعة الذي جمع فيه الخلق ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله يقول نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 304 ]  


وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة وحذيفة قالا قال رسول الله أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم لنا تبع يوم القيامة نحن الآخرون في أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق وفي لفظ المقضي بينهم
وفي المسند عن أبي هريرة قال قيل للنبي لأي شيء سمي يوم الجمعة قال لأن فيها طبعت طينة أبيك آدم وفيها الصعقة والبعثة وفيها البطشة وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له
وفي المسند أيضا عن سلمان الفارسي قال قال لي النبي أتدري ما يوم الجمعة قلت هو اليوم الذي جمع الله فيه أبوكم قال لكن أدري ما يوم الجمعة لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 305 ]  


فينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله قال خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة وفي السنن الثلاثة والمسند عن أوس بن أوس عن النبي قال إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت أي يقولون قد بليت أي صرت رميما فقال إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء صلوات الله عليهم
ولما ثبت بهذه الأحاديث التي في الصحاح والسنن والمسانيد


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 306 ]  


وغيرها أن آدم خلق يوم الجمعة وثبت أنه آخر المخلوقات بلا نزاع علم أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد لأن القرآن قد أخبر أن الخلق كان في ستة أيام وبهذا النقل المتواتر مع شهادة ما عند أهل الكتاب على ذلك وموافقة الأسماء وغير ذلك علم ضعف الحديث المعارض لذلك مع أنه في نفسه متعارض
والحديث قد رواه عن طريق بن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال أخذ رسول الله بيدي فقال خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 307 ]  


المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل
فهذا الحديث قد بين ما يوافق سائر الأحاديث من أن آدم خلق يوم الجمعة وأنه خلق آخر الخلق
ومعلوم بنصوص القرآن أن الخلق كان في ستة أيام وذلك يدل على ما وقع فيه من الوهم بذكر الخلق يوم السبت
والمقصود هنا أنه من المعلوم أن الأسبوع ليس له حد موجود في السماء كما يوجد في اليوم والليلة والشهر بل إنما يعد عدا لأن الله خلق هذا الخلق في ستة أيام ثم استوى على العرش فانتشرت أيام الأسبوع في العالم من جهة إخبار الأنبياء ولم يعلم ذلك إلا من أخذ عنهم ولهذا كانت الأمم الذين لم يتلقوا ذلك ليس لأيام الأسبوع في لغتهم ذكر بحال كالترك والبربر وإذا نطقوا بها نطقوا بلغة الفرس مثلا أو العرب فكان في هذا الاجتماع العام حفظ لأيام الأسبوع وفيه تذكير بالأسبوع الأول الذي خلق الله فيه الخلق ومعلوم أن هذا الاجتماع والإخبار بالخلق في ستة أيام معلوم بالاضطرار من دين أهل الملل
وهؤلاء عندهم أن هذه السماوات ما زالت هكذا ولا تزال هكذا متحركة على هذا الوجه من الأزل إلى الأبد ولا يزال العقل الأول أو الفعال الذي يسمونه بالقلم هذا أو هذا مقارنا لها
وليس عندهم قيامة تنشق فيها السماوات وتنفطر


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 308 ]  


ويستحيل عندهم أن تكون السماوات مسبوقة سبقا زمانيا بشيء من الأشياء لا بربها ولا بعرشه ولا بغير ذلك فضلا عن أن تكون مسبوقة بتقدير مقاديرها بخمسين ألف سنة فهل يمكن أن يكون ما أخبر به الأنبياء مطابقا لقولهم وأن يكون نبينا محمد أراد بما أخبر به ما يريده هؤلاء بما يذكرونه من فلسفتهم هذا مما يعلم كل من فهم الكلامين أنه باطل بالاضطرار وأن الكلامين متنافيان قطعا وإن كان في بعض ما يقولونه ما هو موافق لما أخبر به الرسول فهذا لا بد منه في كلام كل طائفة بل نحن نعلم بالاضطرار أن اليهود والنصارى كفار في دين الإسلام ونعلم بالاضطرار أنهم أكثر موافقة لما أخبر به الرسول ولما أمر به من هؤلاء فكيف يمكن دعوى موافقة هؤلاء له بل هذا من أعظم الجهل والنفاق والمنافقون في الدرك الأسفل من النار وإن كان قد تحقق بعض الكفر والنفاق على بعض المؤمنين ويغفر الله له إذا كان مؤمنا إيمانا صحيحا مع جهله ببعض ما أخبر به الرسول
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم عن معمر قال الزهري ألا أحدثك بحديثين عجيبين قال الزهري أخبرني


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 309 ]  


حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله قال أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في الريح في البحر فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا قال ففعلوا ذلك به فقال للأرض أدي ما أخذت فإذا هو قائم فقال له ما حملك على ما صنعت قال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له بذلك
وقال الزهري وحدثني حميد عن أبي هريرة عن رسول الله قال دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت قال الزهري ذلك لئلا يتكل رجل لا ييأس رجل


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 310 ]  


وفي الصحيح أيضا من حديث مالك وغيره عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا أنا مت فحرقوه ثم اذروا نصفي في البر ونصفي في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحد من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم فامر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له
وقد بسطنا الكلام على هذا الحديث في مسألة التكفير وما فيها من اضطراب الناس في غير هذا الموضع وبينا أن من تأول قوله في هذا الحديث قدر بمعنى ضيق أو بمعنى قضى فلم يصب مقصود الحديث


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 311 ]  


وبينا أن المؤمن الذي لا ريب في إيمانه قد يخطىء في بعض الأمور العلمية الاعتقادية فيغفر له كما يغفر له ما يخطىء فيه من الأمور العملية وأن حكم الوعيد على الكفر لا يثبت في حق الشخص المعين حتى تقوم عليه حجة الله التي بعث بها رسله كما قال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وأن الأمكنة والأزمنة التي تفتر فيها النبوة لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاءت به خطأ كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة وذكرنا حديث حذيفة الذي فيه يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة ولا صوما ولا حجا إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يقولان أدركنا آباءنا وهم يقولون لا إله إلا الله فقيل لحذيفة ما يغني عنهم قول لا إله إلا الله وهم لايعرفون صلاة ولا زكاة ولا صوما ولا حجا قال تنجيهم من النار تنجيهم من النار وذكرنا قول النبي والمؤمنين ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا دعاء قد استجابه الله كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وابن عباس ففي صحيح مسلم عن العلاء بن عبد الرحمن عن


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 312 ]  


أبيه عن أبي هريرة قال لما أنزلت على رسول الله لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير قال فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله فأتوا رسول الله ثم بركوا على الركب فقالوا يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال نعم ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال نعم ربنا ولا


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 313 ]  


تحملنا ما لا طاقة لنا به قال نعم واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال نعم
وفي صحيح مسلم أيضا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء فقال النبي قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا قال فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال قد فعلت واغفر لنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال قد قعلت وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال قد فعلت
الوجه الحادي عشر
قوله لا تستبعد أن يكون في القرآن إشارات من هذا الجنس إن أراد أن مثل هذه الإشارة تكون هي مع







بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
المؤلف : ابن تيمية
عدد المجلدات : ١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق