الخميس، 21 يناير 2016

بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة قال ابن تيمية الوجه الخامس عشر قوله فأقول إن كان في عالم الملكوت جواهر نورانية شريفة علية يعبر عنها بالملائكة فيها تفيض الأنوار على الأرواح البشرية ولأجلها ...

بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
قال ابن تيمية
الوجه الخامس عشر
قوله فأقول إن كان في عالم الملكوت جواهر نورانية شريفة علية يعبر عنها بالملائكة فيها تفيض الأنوار على الأرواح البشرية ولأجلها قد تسمى أربابا ويكون الله رب الأرباب لذلك ويكون لها مراتب في نورانيتها متفاوتة


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 376 ]  


فبالحري أن يكون مثالها في عالم الشهادة الشمس والقمر والكواكب إلى آخر الكلام
فيقال لاريب أن تسمية هذه أربابا هو كلام اليونانيين وأمثالهم من المشركين فأنهم يصرحون في كتبهم بتسمية هذه المجردات التي يقولون أنها الملائكة أربابا وآلهة ويقولون هي الأرباب الصغرى والآلهة الصغرى وهؤلاء المتفلسفة الصابئة يعبدون الملائكة والكواكب
وأما الرسل وأتباعهم الموحدون فقد قال الله تعالى ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون
وقال تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبرفسيحشرهم إليه جميعا
وقال تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 377 ]  


وقال تعالى وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى
وقال تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا
وقال تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما منهم له من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير وأمثال ذلك كثير
ثم هذا معلوم بالاضطرار أن الملائكة ليست أربابا ولا تسمى في الشريعة أربابا
فقول القائل ولأجلها قد تسمى أربابا
يقال هذه التسمية هي من التسمية المذكورة في قوله تعالى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان
وكما قال يوسف الصديق يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان
بل لا رب إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين
وإذا قيل في البشر رب كذا فإنما يضاف إلى غير المكلف كما


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 378 ]  


يقال رب الدار ورب الثوب وكما قال لأبي الأحوص الجشمي أرب إبل أنت أم رب غنم
وكما قال إذا اختلف البيعان فالقول ما قال رب السلعة وهذا مما يبين ضلال بعضم أن يتأول كلام شيوخ الإتحادية فإنه لما قال في الفصوص فصح قول فرعون أنا ربكم الأعلى وإن كان عين الحق زعم بعض أتباعه بقوله إنما صح قوله كما يقال رب الثوب ورب الدار ونحو ذلك


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 379 ]  


وأعجب من ذلك قول بعض أكابرهم أنه أراد رب كم
ومعلوم أن هذه الأقوال لولا أنه يقولها بعض المسرفين من الشيوخ ويضلون بها أكابر من الناس لكان المؤمن في غنية عنها وعن حكايتها وردها لظهور فسادها لكل أحد
فيقال لهذا إن صاحب الفصوص عنده قد صرح بمذهبه تصريحا أزال الشبهة في غير موضع فلا حاجة إلى هذا التكليف وقد قال
لما كان فرعون في منصب التحكم وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال أنا ربكم الأعلى أي إن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم قال ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله لم ينكروه وأقروا له بذلك وقالوا له اقض ما أنت قاض فالدولة لك فصح قوله أنا ربكم الأعلى وإن كان عين الحق فقد صرح أنه عين الحق وأن قوله أنا ربكم الأعلى صح مع كون الجميع أربابا بنسبة ما فالعبد عنده هو الرب


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 380 ]  


ثم يقال له فرعون قد قال ما علمت لكم من إله غيري وقال لموسى وما رب العالمين فأنكر الصانع وذكر الله ذلك عنه فلا حاجة إلى تأويل كلامه
ويقال له الله سبحانه ذكر هذا الكلام عنه منكرا له غاية الإنكار مبينا لعقوبته فقال وهل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى
فقد صح من الله سبحانه أنه أخذ نكالا على ذلك وجعله في ذلك عبرة وجعل المناداة بهذه الكلمة عينها عين الكفر حيث قال فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى
وقد قالوا إن قوله الآخرة والأولى أي كلمته الأولى وهي قوله ما علمت لكم من إله غيري
وكلمته الأخرى وهي قوله فقال أنا ربكم الأعلى فإن هذه أعظم من تلك ثم يقال أوجب ذلك إنه لا يجوز لأحد أن يقول للإنس والجن أنا ربكم غير الله تعالى ولا يجوز لأحد أن يجعل غير الله ربا كما لا يجوز أن يوصف بالربوبية مطلقا إلا الله وحده لا شريك له
الوجه السادس عشر
ما ذكر في تفسير قصة موسى والوادي المقدس وتفسير ذلك


 بغية المرتاد    [ جزء 1 - صفحة 381 ]  


فنقول هؤ







بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة
المؤلف : ابن تيمية
عدد المجلدات : ١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق